مفاوضات نقابية هادئة في ألمانيا تؤسس لصيغة تعاقدية من دون أزمة

يقود المستشار الألماني أولاف شولتس مشاورات مع نقابات العمال وأرباب العمل للتوصل إلى حلول توافقية بشأن أزمة ارتفاع الأسعار وتكلفة المعيشة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. وتعي الأطراف العمالية وأرباب العمل كما الحكومة ضرورة التوصل إلى حلول توافقية لمواجهة الأزمة من دون تحميل أي من الأطراف الأعباء لوحده.
برلين - دخلت الحكومة الألمانية الاثنين في سلسلة اجتماعات وصفها مراقبون بـ"الهادئة" للوصول إلى صيغة تعاقدية من دون أزمة، في إطار مساع للتصدي لما أسماه المستشار الألماني أولاف شولتس أزمة "تاريخية" لتكلفة المعيشة ناتجة عن زيادات حادة في أسعار الطاقة بسبب حرب أوكرانيا.
وأبلغ شولتس الصحافيين، بعد الاجتماع الذي عقد في دار المستشارية "يجب علينا أن نهيئ أنفسنا لحقيقة أن هذا الوضع لن يتغير في المستقبل المنظور، بعبارة أخرى: نحن نقف أمام تحد تاريخي". وأضاف "سنجتاز هذه الأزمة، كدولة، فقط عندما نتفق سويا على حلول".
وقال إن شركاء الائتلاف اتفقوا على تفاهم مشترك للوضع وسيجتمعون مجددا في الأسابيع المقبلة لتصميم أدوات للتعامل مع أزمة تكلفة المعيشة. وأطلق المستشار الألماني في وقت سابق مبادرة “العمل المتضافر”، التي تشارك فيها نقابات العمال ونقابات أرباب العمل، أسوة بمبادرة مماثلة أطلقت في ألمانيا خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي.
وتؤسس مشاركة الجميع (حكومة ونقابات عمال ونقابات أرباب العمل) لمناخ حوار هادئ يتجنب التصعيد ويختلف كليا عما تشهده اجتماعات الحكومات مع ممثلي نقابات العمال من تصعيد حتى في دول أوروبية مجاورة كفرنسا مثلا.

ويعزو مراقبون انخراط النقابات في الجهود الحكومية لتجاوز أزمة ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة إلى ثقة الكيانات النقابية بمؤسسات الدولة ومصداقية الأخيرة وهو ما لا يتوفر في كثير من الدول حتى الأوروبية منها.
وتدرك النقابات العمالية كما المواطنين بأنه لا مناص من ارتفاع تكاليف العيش نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وأن الوقت ليس لشن سلسلة من الإضرابات تزيد من تعقيد الأزمة وإنما لتضافر الجهود واتباع سياسات يتقاسم فيها العامل كما رب العمل جزءا من الأعباء.
ويشير محللون إلى أن أكبر اقتصاد في أوروبا سيتكبد خسائر اقتصادية نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات التي يستورد أكثر من نصف احتياجاته منها من روسيا، لكن المعضلة الآن تكمن في البحث عن حلول داخلية تخفف وطأة الأسعار على الطبقات المتوسطة والضعيفة ولا تكبد الدولة نفقات هائلة تدخلها في دوامة استنزاف مواردها.
ورفض وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر تطبيق زيادات هائلة في الإنفاق الحكومي باعتبارها طريقا خاطئا في معالجة الارتفاع الكبير في أسعار المستهلكين.
وقال ليندنر في تصريحات صحافية "المساهمة المحورية للدولة يجب أن تكون ميزانية متوازنة لتجنب ضغوط إضافية على الأسعار"، موضحا أنه بدلا من مجرد كبح عواقب التضخم، يجب على الدولة مكافحة أسبابه.
وأضاف "العودة إلى كبح الديون الذي أدافع عنه هي أيضا إشارة إلى البنك المركزي الأوروبي بأنه لا يتعين عليه أن يأخذ الميزانية الاتحادية الألمانية في الاعتبار عند اتخاذ قرارات السياسة النقدية، بل يمكنه فعل ما هو ضروري.. في الوقت نفسه يجب أن نخفض الدعم الذي يتسبب في زيادة الأسعار وأن نفعل كل ما في وسعنا لجعل الطاقة أرخص".
ورفض ليندنر مطالب ساسة من الائتلاف الحاكم والنقابات بإقرار زيادات في الديون والضرائب، وقال "الجمع بين زيادات ضريبية وسياسة توزيع إضافية قائمة على الديون سيكون ضارا وبمثابة برنامج للإفقار"، مضيفا أنه بالنظر إلى ارتفاع أسعار الفائدة للدولة، فإن التنمية الاقتصادية بأكملها ستخفت خلال فترة قصيرة.
وبالنسبة إلى العام المقبل، يرى وزير المالية أن هناك مجالا لتخفيف الأعباء عن الطبقة المتوسطة العاملة، وقال “لا ينبغي للدولة أن تتدخل في استقلالية المفاوضات الجماعية حول الأجور، ولكن يمكننا أن نوضح للشركاء الاجتماعيين أن زيادة الرواتب لن تؤدي تلقائيا إلى أعباء ضريبية إضافية”، مشيرا إلى أن الأوساط النقابية دعت أيضا إلى مكافحة الزيادة الباردة في الأجور، التي تعني إجراء تعديلات في قانون الضرائب تتماشى مع جهود مكافحة التضخم.
◙ انخراط النقابات في الجهود الحكومية لتجاوز أزمة ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة يرجع إلى ثقة الكيانات النقابية بمؤسسات الدولة ومصداقية الأخيرة
وأعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن شعوره بخيبة الأمل حيال أول اجتماع في إطار العملية التشاورية التي تجريها الحكومة مع كبار ممثلي أرباب العمل والنقابات، لبحث مشكلة التضخم المرتفع.
وأضاف زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي الاثنين منتقدا المستشار الألماني "إن شولتس لا يزال مدينا بإعطاء أي رد على الأزمة، فوصف الوضع لا يعد بعد حلا للمشكلة".
ورأى ميرتس أن شولتس فشل في المطالبة بالمزيد من الانضباط في التكلفة في أوقات الأزمة هذه، وفشل في السعي من أجل تخفيض الديون السيادية ”وكان يتعين عليه أن يعطي إشارة واضحة تفيد بأنه سيتم إجراء تصحيح على جانب النفقات، لكنه لم يعط هذه الإشارة بل على العكس. فهذه الحكومة تقدم كل يوم وكل أسبوع مقترحات جديدة حول كيفية إنفاق المزيد من المال".
وكانت الحرب الروسية على أوكرانيا واضطراب سلاسل التوريد جراء جائحة كورونا تسببا في حالة عامة من عدم اليقين، وقال شولتس "يجب أن نعد أنفسنا لحقيقة أن هذا الوضع لن يتغير في المستقبل المنظور، فنحن نواجه تحديا تاريخيا".