مفاوضات القاهرة هدف تكتيكي للوسطاء وإسرائيل وحماس

كل طرف يوحي بأنه يملك قدرا من الليونة يفتقر إليها الآخر، وفقد الوسطاء حيادهم عندما تحولوا إلى جزء من الأزمة.
الأحد 2024/08/25
ماذا ينتظر الفلسطينيون من المفاوضات

القاهرة - يعقد رئيس المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز، ورئيس جهاز المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، ورئيس وزراء قطر، وزير خارجيتها، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، قمة في القاهرة الأحد، على أمل تحريك عملية المفاوضات بين إسرائيل وحركة حماس التي أرسلت وفدا السبت إلى القاهرة.

وأكد مراقبون عرب في القاهرة أن المفاوضات المتعلقة بتوقيع صفقة الأسرى والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة تحولت إلى هدف تكتيكي لكل من الولايات المتحدة ومصر وقطر، ومعها إسرائيل وحركة حماس، بسبب كثافة التعقيدات التي تمر بها وصعوبة تفكيكها بالمرونة الكافية، لأن الإعلان صراحة عن الفشل سيخلّف فراغا سياسيا، يفتح الباب للمزيد من التصعيد في المنطقة.

وتتباين الدوافع لدى كل طرف، لكن الجميع يرفض تحمل مسؤولية الفشل مباشرة، فهناك من يتظاهر بأنه يقدم تنازلات ويتمسك بالثوابت المتفق عليها سابقا، وهناك من يدخل في تفاصيل فرعية لقضايا جديدة، بينما الوسطاء الثلاثة منشغلون بنزع فتيل الألغام التي وضعها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ومنع حدوث انفجار إقليمي.

ويزعم كل طرف (إسرائيل وحماس) بأنه يملك قدرا من الليونة يفتقر إليها الآخر ويضع الكرة في ملعبه، وفقد الوسطاء حيادهم المطلوب عندما تحولوا إلى جزء من الأزمة وليس من الحل، فدخلت المفاوضات في دروب لا يريد البعض الجهر بأنها أصبحت مسدودة، وثمة محاولات للتغلب على المطبات بالرهان على الوقت أو حدوث مفاجأة تجبر المتمسكين بشروطهم على تغييرها، وتظل حلقات التفاوض مستمرة.

◙ تتباين الدوافع لدى كل طرف لكن الجميع يرفض تحمل مسؤولية الفشل مباشرة، فهناك من يتظاهر بأنه يقدم تنازلات ويتمسك بالثوابت المتفق عليها سابقا

وتحولت لقاءات الوفود المصرية والإسرائيلية والقطرية والأميركية خلال اليومين الماضيين في القاهرة إلى اجتماعات من أجل إيجاد حل لأزمة محور فيلادلفيا، حيث اشترطت إسرائيل السيطرة عليه بأي صورة، بينما ترفض مصر هذا الخيار تماما.

واعترفت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أن المحادثات التي جرت في القاهرة مساء الخميس “لم تسفر عن إحراز أي تقدم”، وهي إشارة إلى عمق الفجوة.

ونفى مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو صحة تقارير تحدثت عن دراسة فكرة نشر قوات دولية في محور فيلادلفيا على الحدود بين مصر وغزة، وأن إسرائيل تلتزم بأن تسيطر على المحور، بحجة منع حماس من أن تعيد تسلّحها. وتضع القاهرة انسحاب الجيش الإسرائيلي من محور فيلادلفيا شرطا لنجاح المفاوضات في حين يرغب نتنياهو في بقاء قواته حتى نهاية العام، بشكل مبدئي.

ويقول متابعون إن محور فيلادلفيا تحول إلى ورقة للمساومة أو المناورة لدى نتنياهو، لأنه لو أن المحور بالأهمية العسكرية الفائقة التي يُروج لها الرجل لقامت قوات الاحتلال بالانقضاض عليه منذ بداية الحرب، وأن مسؤولين كبارا في الجيش الإسرائيلي لم يمانعوا في إخلاء القوات المتواجدة هناك، إذا المستوى السياسي أمر بذلك.

ويضيف هؤلاء المتابعون أن القاهرة تعلم أن الهدف هو وضع ترتيبات صارمة على المحور في المستقبل، تشارك فيها إسرائيل بأي شكل، ويعمل الوسيط – المفاوض المصري على إجهاض هذه الحجة من دون تبني موقف حاد يتخذه نتنياهو ذريعة لعدم استكمال جولة المحادثات الحالية، والتي إذا لم تحقق إنجازا ملموسا قد يتم تعليق الموقف إلى ما بعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر المقبل.

ولا يريد الوسطاء الثلاثة الدخول في هذا النفق، فإدارة الرئيس جو بايدن تسعى لتوقيع الصفقة بين إسرائيل وحماس لمنح نصر سياسي لخليفته المنتظرة كامالا هاريس يساعدها على كسب أصوات عرب ومسلمين وجناح في الحزب الديمقراطي يرى أن هناك تقاعسا أميركيا في وقف حرب غزة، ومساندة لا محدودة لإسرائيل.

وترفض مصر بقاء الأوضاع على ما هي عليه في قطاع غزة، ومعبر رفح وممر فيلادلفيا، خوفا من خلق أمر واقع يحتاج تغييره سنوات طويلة، ويمكن أن يدخلها في توترات مستمرة مع إسرائيل، تضطرها إلى تبديل منهجها في التعامل مع السلام.

وتشعر قطر بأن دورها في القضية الفلسطينية يتقلص تدريجيا، وتسعى إلى تكليل تحركاتها بين إسرائيل وحماس بنصر معنوي يساعدها على عدم خروجها من الحلبة، وتجتهد في زاوية إقناع إيران خوفا من أن يجبرها فشل المفاوضات على التصعيد.

ولم تعد فكرة توزيع الأدوار بين الوسطاء الثلاثة عملية بشأن قيام الأولى بالضغط على إسرائيل، والثانية والثالثة بالضغط على أو إقناع حماس، فواشنطن عاجزة عن -أو غير راغبة في- ممارسة ضغوط والتوصل إلى تفاهمات وحلول وسطى مع نتنياهو بعد تراجعاته المتكررة وشروطه المتغيرة، والقاهرة طرف في الأزمة أكثر منها وسيطا بعد التصعيد بشأن فيلادلفيا، وتبدي الدوحة اهتماما بطهران قبل حماس.

◙ محور فيلادلفيا تحول إلى ورقة مناورة لدى نتنياهو لأنه لو كان المحور بالأهمية العسكرية الفائقة التي يُروج لها لقامت قوات الاحتلال بالانقضاض عليه منذ بداية الحرب

ويعزز تداخل هذه الأدوار وانحرافها عن مساراتها التي وضعت منذ الحديث عن صفقة بين إسرائيل وحماس، فكرة أن هذا الهدف غير موجود على الطاولة بالقوة نفسها التي كان عليها منذ قيام الوساطة بمهمتها في تجسير الفجوة وتقريب المسافات والحصول على تنازلات، وبدا الانشغال كبيرا بمنع إعلان انهيار المحادثات.

ويقود التمسك بالمفاوضات إلى التعامل معها كعملية سياسية مستمرة، وغرض في حد ذاته، وليست غاية للوصول إلى هدف وهو الإفراج عن الأسرى والتهدئة ووقف إطلاق النار وإعادة الإعمار، وبقية الحزمة المطروحة من جانب الأطراف المعنية.

وتشير العملية السياسية التي جرت/ تجري مقاطعها في كل من مصر وقطر وإسرائيل وإيران، وتشارك فيها الولايات المتحدة، إلى زرع الأمل في الحل السلمي، وتجنب التصعيد العسكري، وعدم توفير حجج سياسية للجهات التي تسعى لتوسيع نطاق الخشونة، وتنطوي على أمل أن ينجح الوسطاء في التسوية.

ويرتاح الوسطاء للصيغة التي تمنح قدرا من التفاؤل الحذر، وإن كانوا على قناعة بعدم جدواه، فمواصلة الحوارات والمناقشات والاجتماعات في أماكن مختلفة كأنها تقطع الطريق على القوى التي ترى في العنف أداة لحل القضية الفلسطينية، فنتنياهو يعمل على استغلال الوضع الحالي لنجاح مشروعه في نزع كل الدسم الذي يمكن أن يفضي إلى حل الدولتين.

وتعمل إيران وأذرعها في المنطقة على تعزيز رؤيتهم بأن المقاومة هي السبيل الوحيد لجلب حقوق الشعب الفلسطيني من إسرائيل، ولذلك فالنعي الرسمي لموت المفاوضات وتأكيد عدم الجدوى من اللقاءات يمثلان إحراجا للوسطاء الثلاثة، وانتصارا لمن راهنوا على فشلهم في مهمتهم، ودعم التوجهات الخشنة التي رسمتها عملية طوفان الأقصى.

3