مفارقة تعديل حكومي يريده عون قد يطيح بصهره

بيروت - أطل الرئيس اللبناني ميشال عون بعد ثمانية أيام من الاحتجاجات التي ضجت بها ساحات لبنان وطرقاته، ليوجّه جملة من الرسائل لم تزد المتظاهرين إلا تصميما على المضيّ قُدما في الحراك.
ولعل أبرز ما جاء في الكلمة المتلفزة للرئيس اللبناني، والتي جاءت مخيبة للآمال وفق المحتجين، هو الإشارة إلى إمكانية إجراء تعديل حكومي، سبق وأن طرحه مجلس الوزراء، ما يعكس خواء جعبة الرئيس من حلول عملية لمعالجة الوضع المتأزم الذي يعيش على وقعه لبنان.
وتقول أوساط سياسية إن إعادة طرح تعديل على الحكومة ليس سوى محاولة فاشلة لامتصاص غضب الشارع، وإنه في حال تمّ فمن غير المرجّح أن يشمل الشخصيات المأزومة على غرار وزير الخارجية وصهر عون جبران باسيل الذي بحّت حناجر المتظاهرين بالدعوة إلى إقالته.
وباسيل هو “الابن المدلل” للرئيس عون وقد مكّنه رغم وجود شخصيات وازنة ولها خبرة سياسية أعمق من تزعم التيار الوطني الحر، كما أطلق الرئيس اللبناني يد باسيل للتدخل في قرارات القصر، ورغم الرسائل العديدة التي حملتها أطراف سياسية إلى عون تنتقد فيها مسلك باسيل الطائفي الاستفزازي واستفراده بالقرارات إلا أن الرئيس يقابل في كل مرة ذلك بالتجاهل لتنتهي تشكيات الساسة من الصهر بـ”قوم بوس تيريز” على حد تعبير زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وبدا واضحا أن عون يهيئ في باسيل لأن يكون خليفته في قصر بعبدا، ولكن وعلى ضوء التطورات الساخنة في لبنان، فإن هذا الطموح مهدد بالاضمحلال.
وأبدى عون في كلمته استعداده لإجراء “حوار بناء” مع ممثلين عن المتظاهرين، “يحملون هواجسكم، والاستماع تحديداً إلى مطالبكم، وتسمعون بدوركم من قبلنا مخاوفنا من الانهيار الاقتصادي”.
وأقرّ عون الذي يحظى تياره السياسي وحلفاؤه بأكثرية في الحكومة أنه “أصبح من الضرورة إعادة النظر بالواقع الحكومي كي تتمكّن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، وطبعاً من خلال الأصول الدستورية المعمول بها”.
وردّ رئيس الوزراء سعد الحريري في تغريدة على تويتر على دعوة عون. قائلا “اتصلت بفخامة رئيس الجمهورية ورحبت بدعوته إلى ضرورة إعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي من خلال الآليات الدستورية المعمول بها”.
وعلى خلاف المتوقّع رحب بدوره رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بالدعوة لافتا “أفضل حلّ يكمن في الإسراع بالتعديل الحكومي، والدعوة لاحقا إلى انتخابات نيابية، وفق قانون عصري وليس طائفيا”.
ورغم إقرار السلطات خطة إصلاح “جذرية” الإثنين، إلا أنها لم تتمكن من احتواء غضب الشارع الناقم على الطبقة السياسية وسوء إدارتها للأزمات الاقتصادية وفسادها، وعجز الحكومات المتلاحقة عن تحسين البنى التحتية والخدمات الرئيسية.
ورداً على مطالبة مئات الآلاف من المتظاهرين من كل المناطق بـ”إسقاط النظام”، توجّه عون في خطابه الذي بثته شاشات التلفزة المحلية، إليهم بالقول “النظام، أيها الشباب، لا يتغيّر في الساحات”.
وأضاف “صحيح أن نظامنا بات بحاجة إلى تطوير، لأنه مشلول منذ سنوات وهو عاجز عن تطوير نفسه، ولكن هذا الأمر لا يحصل إلا من خلال المؤسسات الدستورية”. وعلى خلاف بعض القادة لم تلق دعوة عون، وفق تعليقات المتظاهرين في وسط بيروت، ترحيباً. وقال رباح شحرور (موظف) في وسط بيروت “كان الشارع ينتظر قليلاً من الأمل، لكن للأسف تحدّث الرئيس عون اليوم عن عموميات نسمعها منذ ثلاث سنوات (تاريخ تسلمه الرئاسة) ولم تحقق شيئاً”.

وردّ جاد الحاج، طالب هندسة ميكانيك، على كلمة عون بالقول “نريد أن يرحل وينتهي هذا العهد وأن يرحلوا جميعاً”. وتابع باللغة العامية “كلُّن يعني كلُّن، والرئيس واحد منّن”، مضيفا “نحن مستمرون في الشارع، ونريد تحقيق التغيير”.
ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر تظاهرات حاشدة غير مسبوقة في تاريخ البلاد على خلفية قضايا معيشية ومطلبية، يشارك فيه مئات الآلاف من المواطنين من مختلف الأعمار من شمال البلاد حتى جنوبها مروراً ببيروت بطريقة سلمية.
ولا تستثني الهتافات والشعارات التي يرددها المتظاهرون زعيماً أو مسؤولاً، لاسيما رئيس التيار الوطني الحر الذي أسسه عون، باسيل، ويتعرّض فريق الرئيس المتحالف مع حزب الله لانتقادات واسعة بالمحسوبية والصفقات المشبوهة على حساب الخزينة، وعدم تنفيذ أي من الوعود لتأمين حاجات الناس الأساسية.
وكان المتظاهرون بدأوا منذ ساعات الصباح الأولى الخميس بقطع الطرق في بيروت والمداخل المؤدية إليها وفي مناطق عدة، وتجمعوا تدريجياً في النقاط المركزية للحراك. وعمد عدد منهم في وقت مبكر إلى قطع طرق رئيسية، وحتى داخلية في محاولة لمنع آخرين من الالتحاق بمراكز عملهم والإبقاء على شل البلاد حيث المدارس والجامعات والمصارف مقفلة لليوم الـ8 على التوالي.
وقال متظاهر يبلغ 30 عاماً وقد التحف بكوفية حمراء وبيضاء، “يعتقد البعض أننا نتسلى، لكننا في الحقيقة نطالب بأبسط حقوقنا، مثل المياه والطعام والكهرباء والطبابة الصحية وضمان الشيخوخة والأدوية والتعليم”.