مغريات قانون الاستثمار الجديد في الجزائر محاصرة بالمطبات

جذب رؤوس الأموال يتطلب ثورة إصلاحية شاملة.
الأربعاء 2022/06/01
كما ترون بيئتنا للأعمال لا تزال منفرة

تتباين مواقف الخبراء بشأن سن الجزائر قانونا جديدا للاستثمار وتغليفه بمجموعة من المغريات لجذب رؤوس الأموال الأجنبية في سياق خطط الإصلاح المثيرة للجدل، كون الخطوة لا تزال تصطدم بالعديد من العراقيل قبل الوقوف على النتائج التي يفترض أنها ستساعد البلد النفطي على تنويع اقتصاده.

الجزائر – أفرجت الجزائر مؤخرا عن مشروع قانون جديد للاستثمار بعد أشهر من النقاشات، والذي يقول المسؤولون إنه سينهي عهد عراقيل تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى السوق المحلية.

وهذا المسعى يأتي في سباق محاولات السلطات للقطع مع السياسات القديمة في التعامل مع هذا الملف، الذي كان أحد معيقات تطوير وتنويع اقتصاد بلد أدمن لسنوات على عوائد النفط والغاز دون أن يتمكن من تحقيق منافع مالية من قطاعات ظلت خاملة لسنوات.

ويقر المسؤولون بأن البيروقراطية الإدارية لا تزال تبطئ المشاريع الاستثمارية رغم المحاولات لكسرها، وهو ما يؤكد القناعة بأن معركة السلطات لإنهاء هذه المشكلة ستكون طويلة قبل تحقيق الأهداف التي تريد الحكومة تحقيقها.

ولكن الخبراء يرون أن نجاح الخطوة سيتطلب القيام بثورة إصلاحات شاملة تطال القطاع المصرفي والنظامين الضريبي والجمركي.

سامي عاقلي: القانون يجيب على التخوفات التي تواجه المستثمرين

وكان مجلس الوزراء قد صادق في وقت سابق هذا الشهر على مشروع قانون الاستثمار. ومن المنتظر أن يُعرض على البرلمان بغرفتيه لمناقشته والتصديق عليه، قبل أن يصبح نافذا بعد توقيع الرئيس عبدالمجيد تبون عليه، ونشره في الجريدة الرسمية.

وقالت الحكومة في بيان عقب اجتماع المجلس في التاسع عشر من مايو الماضي إن القانون الجديد “يهدف إلى تجسيد التزامات الرئيس عبدالمجيد تبون المتعلقة بتحسين مناخ الاستثمار وتوفير الظروف المناسبة له”.

ومن ضمن ما ورد في البيان، سيتم تحويل الوكالة الوطنية لدعم الاستثمار الحكومية إلى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، ومنحها دور المروج والمرافق للاستثمارات.

وغالبا ما يشتكي مستثمرون جزائريون وأجانب من ثقل الإجراءات البيروقراطية للوكالة الوطنية لدعم الاستثمارات التي تتولى مهمة دراسة المشاريع والموافقة عليها من عدمها.

وحتى تمنح المرونة لتدفق رؤوس الأموال فقد تقرر استحداث نافذة موحدة لها اختصاص محلي موجه بالأساس إلى المشاريع الكبرى والاستثمارات الأجنبية.

وإلى جانب ذلك تعتزم السلطات محاربة البيروقراطية التي تكبح المشاريع الاستثمارية، من خلال رقمنة الإجراءات المتصلة بعملية الاستثمار.

ويبرز أحد أهم الإجراءات التي لطالما أثارت انتقادات الشركاء الأجانب وهو توسيع نطاق ضمان تحويل المبالغ المستثمرة والعائدات الناجمة عنها إلى المستثمرين الأجانب.

وتقول شركات أجنبية عاملة بالجزائر إنها تواجه مشاكل كل عام في ما يخص تحويل الأرباح، وعدم وضوح كيفية تطبيق النصوص التنظيمية السارية.

ووجه تبون عقب التصديق بمجلس الوزراء على النص الجديد بتسليط أقصى العقوبات على كل من يعرقل بشكل أو بآخر عمليات الاستثمار مهما كان مركزه وطبيعة مسؤوليته.

كما طلب وضع الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار تحت سلطة رئيس الوزراء مباشرة بعدما كانت في السابق تتبع وزارة الصناعة.

محفوظ كاوبي: نجاح الخطوة رهين إصلاح البنوك والضرائب والجمارك

وشدد أيضا على تعزيز النظام القانوني لحماية المستثمرين من التعسف البيروقراطي باستحداث آلية مستقلة رفيعة المستوى، تضم قضاة وخبراء اقتصاديين وماليين، توضع لدى رئاسة الجمهورية، وتتولى الفصل في الشكاوى والطعون المقدمة من قبل المستثمرين.

ومنذ عقود شكل مناخ الأعمال والاستثمار في البلاد مادة دسمة لانتقادات الرأي العام ورجال الأعمال المحليين والشركات الأجنبية على حد سواء، بسبب الإجراءات الإدارية المعقدة والثقيلة، ما سبب نفورا وسط المستثمرين.

وتشير تقارير دائرة بيئة الأعمال التابعة للبنك الدولي حول مناخ الأعمال في البلدان إلى أن الجزائر تحتل مراتب متأخرة في ترتيبها السنوي.

وجاءت الجزائر في المرتبة 157 في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2020، من بين 190 بلدا. كما يشتكي رجال أعمال محليون من عرقلة مشاريعهم وبقائها لسنوات في أدراج الهيئات الإدارية المكلفة بالاستثمار.

ومن الانتقادات الموجهة للجزائر من البنك الدولي في ما يخص ممارسة أنشطة الأعمال، تأخر وثقل الإجراءات البنكية وسيطرة البيروقراطية عليها.

وإلى جانب ذلك وجود صعوبات في تحويل الأرباح إلى الخارج للشركات الأجنبية، وتأخر منح الأراضي لإقامة المشاريع، وطول فترة الحصول على وثائق إنشاء الشركات وغيرها.

وكانت الجزائر التي تحاول الاستفادة من القطاع قد ألغت قاعدة 51/49 المثيرة للجدل للشراكة مع الأجانب عقب انتخاب تبون في ديسمبر 2019، وجعلها محصورة في بعض القطاعات الاستراتيجية على غرار الطاقة والاتصالات.

وتطبق الجزائر قاعدة للشراكة الأجنبية منذ العام 2009 تقوم على أساس منح 51 في المئة للطرف الجزائري، و49 في المئة للجهة الأجنبية.

ويرى سامي عاقلي رئيس الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين، أكبر تنظيم لرجال الأعمال في البلاد، أن قانون الاستثمار الجديد “يُعد فعلا صفحة جديدة في اقتصاد الجزائر، نظرا إلى ما تضمنه من تحفيزات وإجراءات جديدة”.

ونسبت وكالة الأناضول إلى عاقلي قوله إن القانون “يجيب بطريقة واضحة على معظم التخوفات والعراقيل التي كان يواجهها رجال الأعمال الجزائريون والأجانب”.

ولفت إلى أن النص أخذ بعين الاعتبار معظم الاقتراحات التي قدمتها المنظمة، على غرار توضيح محاربة البيروقراطية بقوة القانون، وتحديد آجال منح التراخيص وإنشاء الشركات، ووضع وكالة الاستثمار تحت وصاية رئيس الوزراء.

أبرز نقاط القانون

◄ استحداث نافذة موحدة للمشاريع والاستثمار الأجنبي

◄ رقمنة الإجراءات المتصلة بعملية الاستثمار

◄ وضع وكالة ترقية الاستثمار تحت إشراف الحكومة

وأشار إلى أن المشروع الجديد يرافق رجال الأعمال والشركات الأجنبية في ما يخص تحويل الأرباح، بعد أن نص على توسيع نطاق ضمان تحويل المبالغ المستثمرة والعائدات الناجمة عنها إلى المستثمرين غير المقيمين.

وتواجه السلطات تحديات معقدة لإقناع المستثمرين الأجانب بضخ أموالهم بالنظر إلى مناخ الأعمال غير الملائم للقيام بأي نشاط نتيجة عدم استقرار المنظومة التشريعية الاقتصادية، وخاصة في ظل التذبذب السياسي والتذمر الاجتماعي رغم الضمانات المقدمة لهم.

ويرى الخبير المالي والاقتصادي الجزائري محفوظ كاوبي أن النص الجديد منح أكبر قدر من الضمانات للمستثمرين سواء المحليين أو الأجانب.

وأوضح أن مشروع قانون الاستثمار تجاوز عبارة “مستثمر أجنبي”، وعوضها بـ”غير المقيم”، وهذا بحسب كاوبي “تصحيح للمفاهيم وله دلالة ورمزية كبيرة”.

ولفت إلى أن “مشروع القانون أكد بشكل واضح حق المستثمرين غير المقيمين في تحويل الأرباح، بالنظر إلى المشاكل التي طرحت سابقا بشأن هذه النقطة”.

واعتبر أن القانون الجديد يكرس حرية الاستثمار، ويوفر ضمانات عدم مراجعة وتغيير القوانين، والمساواة بين المستثمرين تكون المنافسة الشريفة والامتياز هما الفيصل.

لكن مع ذلك فإن اعتماد القانون الجديد للاستثمار يتطلب أن ترافقه عمليات تكييف وإصلاح على مستوى عدة تشريعات على غرار البنوك وخصوصا ما تعلق بحركة رؤوس الأموال من وإلى الجزائر، التي يجب أن تكون واضحة وشفافة، بعيدا عن التعتيم.

ويقول كاوبي إن الإدارات والهيئات المتدخلة في الاستثمار يجب أن تواكب القانون الجديد وتكون في نفس الوتيرة على غرار الجمارك والضرائب والمنظومة البنكية والجهات المسؤولة عن منح العقارات والأراضي وغيرها، حتى تكون هناك ترجمة فعلية لهذه الوثيقة واقعيا.

10