مغازلة السيسي للمعارضة المصرية تحتاج إلى تحركات على الأرض

القاهرة - منح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دفعة معنوية جديدة تشجع معارضيه في الداخل على التجاوب مع سياساته التي يتحفظون عليها، ووفر للحوار الوطني الذي دعا إليه قبل نحو عام غطاء سياسيا جيدا عقب تعهده بالمصادقة على التوصيات التي سيتم الاتفاق عليها بلا قيد أو شرط طالما تدخل في نطاق صلاحياته الدستورية، وسيتم عرض النقاط التي لا يخوّلها له القانون على البرلمان.
وجاء هذا التعهد بعد شكوك انتابت بعض قوى المعارضة في عدم إمكانية قبول السيسي بما سيتمخض عنه الحوار من مخرجات لا تتناسب مع التصورات التي يتبناها حاليا.
وهذه أول مرة يفصح فيها السيسي صراحة عن نواياه بشأن التوصيات النهائية التي سينتهي إليها حوار بين الموالاة والمعارضة انطلق عمليا الشهر الماضي، وسط مخاوف من تحويله إلى ديكور سياسي لتحسين صورة النظام في الشارع، ومن ثم تجد المعارضة نفسها متورطة في خداع الرأي العام بالمشاركة في مسرحية هزلية.
وكانت قوى المعارضة تنتظر ما يطمئنها ويعزز رؤيتها في التجاوب مع الحوار، حيث تسلل إلى بعضها إحباط. ويوحي التجاوب بأن السلطة عازمة على تصويب أخطاء وقعت فيها خلال السنوات الماضية، ولن تمانع أن تعترف بها وتتداركها مع إجماع وطني.
وجاء كلام السيسي خلال فعاليات المؤتمر الوطني للشباب بمحافظة الإسكندرية على شاطئ البحر المتوسط الأربعاء، بحضور وزراء الحكومة وقطاعات واسعة من الشباب وممثلين عن القوى المشاركة في الحوار الوطني، وتمت مواجهته بمدى تفاعل النظام مع جلسات الحوار وما يثار حول عدم وجود نية لتنفيذ توصياته.
ويتابع الرئيس المصري نقاشات الحوار، وقال إنه لمس حجما من التوافق والاختلاف، معربا عن تقبله الشديد لما تطرحه الأصوات المعارضة للحكومة من تفاهمات واعتراضات، مستبعدا اتهام المختلفين مع النظام بالخيانة أو العمالة أو حتى الجهل.
وأوحت طريقته الجديدة بتغير في خطابه المتعلق بنقد السلطة وسياساتها، وهو الذي اعتاد الهجوم على معارضيه ووصفهم بأنهم "يفتقدون الواقعية ولا يعيشون المسؤولية، وينتقدون عن غير وعي".
وأقر من قبل أنه ليس سياسيا ولا يستهويه التحدث بشكل دبلوماسي، واعتاد مواجهة المعارضين لمشروعاته بصورة حادة، وربما يكون التغير مرتبطا بأجواء الحوار وتأثيره على توجهات السلطة وشعورها بأنها بحاجة إلى الاصطفاف خلفها حاليا.
واتفقت أصوات معارضة على أن الحديث عن تفاعل السلطة مع توصيات الحوار يرفع سقف الطموحات بوجود نية للإصلاح، لأن النظام قطع على نفسه ضمانات غير قابلة للتنصل منها وإلا تهاوت مصداقيته مع وجود اتفاق لتغيير الواقع السياسي.
وأوضح مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أحد أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة، أن تعهد الرئيس السيسي بالتجاوب المطلق مع توصيات الحوار رسالة إيجابية تتوقف على عدم تحوله إلى نقاش عقيم.
وقال لـ"العرب" إن هناك مخاوف لدى المعارضة من أن يُرفع للرئيس تقرير شامل بتطابق وجهات النظر حول قضايا بعينها، مع أنه ليس بالضرورة أن ينتهي الحوار إلى تطابق، وهذه طبيعة أي حوار بين وجهتي نظر إحداهما مؤيدة وأخرى معارضة، لافتا إلى أنه "لا خلاف على صدق نوايا الرئيس، لكن نرغب في رفع توصيات واقعية تمهد لتغيير سياسي حقيقي وليس مقترحات يسطرها أطراف الموالاة وحدهم".
وشدد الزاهد على أن مطالب المعارضة واضحة ولها مبررات وطنية بحتة تتعلق بقوانين الانتخابات وفي القلب منها تعزيز التنافسية السياسية وإصلاح النظام الانتخابي وإلغاء نظام القائمات الانتخابية التي تقصي المعارضة، مع حياد أجهزة الدولة وتوازن الإعلام وإلغاء الحبس الاحتياطي ومنع الحبس في قضايا الرأي، مؤكدا "لا نبحث عن مكاسب ذاتية بتوصياتنا، ولا نتوقع أن نتلاقى مع السلطة في السياسات الاقتصادية".
وتحمل الاستجابة لما ستطرحه القوى السياسية المؤيدة والمعارضة من توصيات دون تحديد خط أحمر رسالة للتيار المدني المختلف مع السلطة الحاكمة بأنه لم يخطئ الطريق عندما شارك في الحوار الوطني وأن التيار لم يتورط في نقاشات مع النظام.
ورغم جدية ممثلي الحكومة في الحوار، لكن هناك قيادات داخل المعارضة لا تزال تشعر بأنها خُدعت أو غرر بها عندما اندفعت نحو الحوار مع السلطة، بما يؤثر على رصيدها في الشارع، وهي معضلة أراد السيسي حلها بحنكة وهدوء بإرساله إشارات طمأنة لهؤلاء وأنهم سيحصلون على مرادهم من حوار يبنى على التوافق العام.
◙ تعهدات السلطة المصرية لا تنفصل عن شعور دوائر داخلها بأنها تعاني من تحديات جمة يصعب تفكيكها بعيدا عن الحوار مع مكونات سياسية مختلفة
وتؤكد الإشارات الموجهة للمعارضة أن ثمة فرصة أمامها للتفاوض مع الحكومة عبر مظلة شرعية وتتحدث بأريحية، بغض النظر عن كون مطالبها سياسية كانت أو أمنية أو اقتصادية أو اجتماعية، وهي عملية يجب استثمارها جيدا.
ويرى الرئيس المصري أن الحوار الوطني خطوة وليس نهاية المطاف، والمعارضة لها مكان و"كل ما سيُطلب منّي كرئيس سأنفذه، لأننا في النهاية تجمعنا مصلحة الوطن، ولا يمكن أن نقول كمسؤولين إننا قمنا بكل شيء بلا أخطاء، لذلك نتحاور حول ما يجب فعله من صواب".
ولا تنفصل تعهدات السلطة عن شعور دوائر داخلها بأنها تعاني من تحديات جمة يصعب تفكيكها بعيدا عن الحوار مع مكونات سياسية مختلفة، بعد أن وصلت الأزمة الاقتصادية والانسداد السياسي إلى مدى لا تتحمله فئات وشرائح واسعة من المصريين، ولا بديل عن القبول بمخرجات الحوار لترضية الشارع والمعارضة.
كما أن تجميدها يكرس برودة الطقس السياسي، ما يدفع الشباب إلى الاحتجاج مع عدم وجود رئة للتنفيس، بالتالي فتعامل السلطة مع الحوار ومنحه أولوية يشيران إلى اقتناعها بأنه السبيل لتفكيك الأزمات الراهنة دون صدام مع الشارع.
وتدرك السلطة أن استمرار تشعب الأزمات قد يقود إلى أزمات أمنية وسياسية تصعب السيطرة عليها، ولا مفر من تعزيز الجبهة الداخلية وترميمها بوضع التحديات في جعبة الحوار الوطني، وانتظار ما سيتم الاستقرار عليه من نتائج لتنفيذها.