معلم عراقي يرث ورشة صناعة عود وزبائنها

تحول عراقي ثلاثيني من العمل كمعلم إلى استكمال مشوار والده داخل ورشة لصناعة آلات العود، ليحفظ هذا الإرث البصري الذي يقبل عليه فنانون من مختلف أنحاء العالم بمن فيهم نصير شمة ولطفي بوشناق.
بغداد- راح صانع الأعواد العراقي نمر البصري يقوس شريطا من الخشب بمساعدة اللهب، موضحا أن هذا الأسلوب هو إحدى العلامات المميزة للآلات التي كان يصنعها والده الراحل، ثابت البصري، يدويا والتي كان يُقبل على شرائها فنانون يذيع صيتهم في أنحاء العالم.
وعقد نمر في أعقاب وفاة والده العام الماضي، العزم على المحافظة على إرث عائلته، قائلا إنه يرى والده الراحل في كل شيء بالورشة، ويقتفي أثره في كل ما كان يفعله بقدر ما تعينه الذاكرة.
وأضاف “نشأت منذ ولادتي بين آلات العود التي كانت موزعة في كل ركن تقع عليه عيني، وبدأ شغفي بتعلم الصناعة ينمو منذ كان عمري 12 عاما تقريبا، فكنت أتردد باستمرار على ورشة والدي، وألعب بين الماكينات، وكثيرا ما كان أبي ينهرني ويطردني لاسيما إذا كان مشغولا، لكن بعد ذلك صار هو من يعلمني الصناعة ويوجهني”.
وتابع “والدي أضاف للعود الكثير من الأشياء مثل العامود، وإلى حد الآن تقريبا، لم يضف أي كان العامود، فثابت البصري كان هدفه من هذه الإضافة أن يقوي الآلة حتى لا يتقوس العود بمرور الزمن”.
وتُباع الأعواد التي يصنعها البصري الابن بما بين 700 و2000 دولار، وورث نمر قائمة زبائن والده الراحل، والتي تضم فنانين كبارا بينهم عازف العود العراقي ذائع الصيت نصير شمة.
وترك نمر (38 عاما) عمله كمعلم لمتابعة عمل والده الراحل في صنع الأعواد، مشيرا إلى أنه “فضل تتبع خطى والده لأن أمنيته الأخيرة كانت تتمثل في إيجاد شخص يكمل مشواره مع صناعة العود ويحافظ على هذا الإرث البصري والعراقي”.
ولفت إلى أنه أب لابنتين صغيرتين سيحرص عندما تكبران على أن يعلمهما أسرار هذه المهنة، حتى تساعداه داخل الورشة.
ويعمد نمر قبل دخوله إلى الورشة للبدء في مباشرة عمله في صنع الأعواد إلى تصفية ذهنه، مؤكدا أن “الانشغال بأمور أخرى أو العمل بعجالة كلها تفضي مئة في المئة إلى تخريب العمل، حتى أنني أحيانا أعمل في وقت متأخر بالليل أو بالفجر بحسب حالتي ومزاجي النفسي”.
نمر البصري ورث قائمة زبائن والده الراحل والتي تضم فنانين كبارا بينهم عازف العود العراقي ذائع الصيت نصير شمة
ولا يقتصر زبائن صانع العود العراقي على العرب، إذ يشير إلى أن “الزبائن لا يقصدونه فقط من الوطن العربي، فبالإضافة إلى الزبائن العراقيين والخليجيين، يأتيه زبائن من الدول الأوروبية ومن أميركا، ومن كافة أنحاء العالم”.
وأكد نمر أنه صار يتعامل مع بعض الفنانين الذين كانوا من بين زبائن والده ومن بينهم الفنان العراقي نصير شمة والفنان التونسي لطفي بوشناق، لافتا إلى أنه كان يتمنى العمل مع الفنان اللبناني الراحل وديع الصافي الذي كان من بين زبائن والده أيضا.
وفي ما يتعلق بمن يتعامل معهم من الفنانين، كان الراحل ثابت البصري والد نمر قال في لقطات أرشيفية مصورة “غالبا ما يمر علي الكثير من الفنانين أثناء زيارتهم للبلاد، وفي أحيان كثيرة لا أسألهم عن أسمائهم، وأحيانا يقصدني بعض كبار الفنانين وأرى بين أيديهم إحدى آلات العود التي خرجت من بين يدي”.
ويستغرق نمر البصري في صناعة العود الواحد نحو 30 يوما، وخلافا للأعواد التي تُصنع في ورش أكبر، ينفذ العراقي الثلاثيني، شأنه شأن والده الراحل، كل شيء في العود وحده دون الاستعانة بصانع آخر.
وعن ذلك أوضح نمر “بالنسبة إلى عود ثابت البصري والعود البصري والعود العراقي في العموم، فإن الذي يميزه هو دقة العمل والتفاصيل التي به وشغله اليدوي المئة في المئة.
وأضاف صانع العود الثلاثيني “كل ذلك إلى جانب حرصنا على سهر شخص واحد فقط على صناعة العود، وذلك مقارنة بباقي الدول حيث يتشارك عدد من الصناع في صناعة العود وهو ما يجعل الآلة غير مميزة ولا تحمل نغما، فأهم شيء في تفاصيل العود أن يصنعه شخص واحد يتفنن في عمله ويتقن قياسه”.