معطيات واقعية وعوامل خارجية تحتّم على حزبي بارزاني وطالباني التعايش بعد الانتخابات

غياب للعنف وإقبال جيد على التصويت خلال الاقتراع الخاص في انتخابات كردستان العراق.
السبت 2024/10/19
بداية مطمئنة

لا يمتلك حزبا بارزاني وطالباني المتصدّران للمشهد السياسي في إقليم كردستان العراق ترف المضي إلى ما لا نهاية له في التجاذبات التي أذكتها بشكل استثنائي انتخابات برلمان الإقليم. ولا يمكنهما، بعد إجراء المناسبة، سوى العودة إلى صيغة التعايش بينهما، وإن على مضض، واستئناف تقاسم السلطة استجابة للمعطيات الواقعية محليا، ومسايرة للرغبة الدولية في الحفاظ على استقرار الإقليم وتماسكه.

أربيل (العراق)- حمل الاقتراع الخاص في انتخابات برلمان إقليم كردستان العراق الذي جرى الجمعة مؤشرات أولية على نجاح الاستحقاق من حيث التنظيم ونسبة الإقبال الجماهيري على التصويت.

ولم تسجّل أي خروقات ولا أعمال عنف خلال تصويت منتسبي القوات الأمنية التابعين لدائرة الأمن ولوزارتي البيشمركة والداخلية والسجناء والمرضى المقيمين في المستشفيات، بينما سجلت مكاتب الاقتراع إقبالا لافتا من المصوتين بدّد بشكل جزئي المخاوف بشأن حدوث عزوف غير مسبوق من قبل الناخبين.

وبدت تلك المؤشرات مشجعة في انتظار التصويت الرئيسي الذي سيجرى الأحد لاستكمال اختيار النواب المئة الذين سيشكّلون برلمان الإقليم الذي مثّل غيابه منذ سنة 2022 انتقاصا من شرعية سلطات الإقليم وخصما من دستورية تجربة الحكم الذاتي له ضمن الدولة الاتّحادية العراقية.

كفاح محمود: تشنج الحملة الانتخابية طبيعي طالما لم ينزلق إلى العنف
كفاح محمود: تشنج الحملة الانتخابية طبيعي طالما لم ينزلق إلى العنف

ومع اقتراب ساعة الحقيقة بشأن ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات التي وصفت بالمفصلية، بدأت الواقعية السياسية تسود خطاب الفرقاء المتنافسين على السلطة في الأقليم، آخذة مكان الخطاب الناري، وحتى الإقصائي، الذي ميّز الحملة الانتخابية التي بلغت درجة غير مسبوقة  من الحرارة أثارت المخاوف من أن ينزلق الاستحقاق الانتخابي نحو العنف في ظل انتشار السلاح في الإقليم وعموم العراق، وامتلاك الحزبين المتنافسين الرئيسيين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني كميات كبيرة منه.

وتوقّع متابعون للشأن العراقي أن يحدّ إجراء الانتخابات وظهور النتائج من حالة التشنّج التي طبعت المسار نحو المناسبة التي تأجلت بسبب خلافات الحزبين لنحو عامين، وأن يفتح على مرحلة جديدة من الواقعية السياسية.

ولا ينفي هؤلاء إمكانية حدوث صعوبات في إعادة تشكيل حكومة للإقليم في ضوء ما ستفرزه النتائج، وهو أمر تحوّل إلى سمة مميزة لمراحل ما بعد أي استحقاق انتخابي في العراق بسبب شدّة تنافس الفرقاء على السلطة ومكاسبها وامتيازاتها، لكنّهم يشيرون إلى أنّ حزبي مسعود بارزاني وبافل طالباني المرشحين للفوز بغالبية مقاعد برلمان الإقليم، لا يمتلكان الكثير من الخيارات سوى التعايش والتوافق على تقاسم السلطة مجدّدا، نظرا لاستحالة أن يقوم أحدهما بإلغاء الآخر وممارسة الحكم من دونه.

ورفع حزب الاتحاد خلال الحملة الانتخابية سقف طموحاته وروّج لشعار تغيير مسار الحكم في إشارة إلى إنهاء هيمنة الحزب الديمقراطي على أهم المناصب القيادية في سلطة الإقليم.

لكنّ مصادر سياسية عراقية توقّعت ألا تحدث الانتخابات تغيرا جذريا في طبيعة التوازنات السياسية في الإقليم رغم التغييرات التي أدخلت على قانونها وتوزيع إجرائها على دوائر متعدّدة وتكليف مفوضية الانتخابات الاتحادية بالإشراف عليها بدلا من نظيرتها المحلية.

ورأت المصادر أن أقصى ما يمكن أن تحدثه انتخابات الإقليم على خارطته السياسية هو تعديل جزئي في عدد المقاعد لكل من الحزبين في اتجاه تقليص الفارق بينهما لمصلحة حزب الاتحاد الوطني.

ويمكن للحزب الذي يقوده بافل طالباني ابن الرئيس العراقي السابق جلال طالباني أن يسوّق مثل ذلك التعديل الجزئي لأنصاره كإنجاز كبير، وأن يطالب على أساسه بحصة أكبر من المناصب القيادية في السلطة.

ويلفت المطلّعون على شؤون إقليم كردستان العراق، إلى أهمية العامل الخارجي في ضمان التعايش بين المكونين السياسيين الرئيسيين في الإقليم لضمان الهدوء والاستقرار.

pp

ويقول هؤلاء إنّ الولايات المتحدة التي ساعدت كثيرا في تأسيس تجربة الحكم الذاتي في كردستان العراق لا تزال تنظر إلى الإقليم كشريك موثوق لديها في المنطقة، وتعمل على استدامة استقراره ومن ثم دعمها لقواته وحثّها الحزبين على إنهاء الانقسام في قوات البيشمركة الموزّعة بينهما. ومع إجراء التصويت الخاص بدأ خطاب حزب طالباني يخفض من حدة نبرته ويتراجع من الترويج لتغيير مسار الحكم إلى التنظير للشراكة المتكافئة فيه.

وقال برهان الشيخ رؤوف عضو حزب الاتحاد الوطني إن حكومة الإقليم المقبلة لن يشكلها حزب واحد بمفرده، مؤكّدا أنّ حزبه سيشارك جميع الأحزاب الأخرى تشكيل الحكومة الجديدة في حال فوزه بالانتخابات. وأضاف متحدّثا لوسائل إعلام محلية عراقية أنّ “الجميع ينتظر نتائج الانتخابات التي من خلالها سيتبين للجميع من هي الجهة التي ستذهب باتجاه تشكيل الحكومة الجديدة للإقليم، إذ مازال صعبا التكهن بمستقبل الوضع الذي سيعقب إعلان النتائج”.

واعتبر أنّ “الظروف تغيرت بعد تدخل المحكمة الاتحادية العليا في ملف انتخابات الإقليم، إضافة إلى أن المفوضية العليا للانتخابات في بغداد أصبحت هي الجهة المشرفة على الاقتراع، وبالتالي فإن هذه العوامل الجيدة تؤكد نجاح العملية الانتخابية وإجرائها بكل شفافية”.

ومن جهته وصف القيادي في الحزب محمود خوشناو الانتخابات بالمفصلية، ما يحتّم على الجميع إنجاحها حتى تضفي الشرعية على المؤسسات الدستورية للإقليم. وتجنّب خوشناو الحديث عن نصر كاسح لحزبه بما من شأنه أن يجسّد شعار التغيير الجذري لمسار الحكم، مكتفيا بالحديث عن استطلاعات للرأي تظهر أنّ الاتحاد الوطني سيحرز تقدما في مقابل تراجع للحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، معتبرا أنّ “هذا بحد ذاته سينقل إقليم كردستان إلى مرحلة جديدة”.

وباستكمال الاقتراع الخاص بدأت انتخابات كردستان العراق تقترب من بلوغ برّ الأمان متجاوزة المخاوف الجدية التي ثارت خلال الحملة الانتخابية ووصلت إلى حدّ التحذير من تفجير المناسبة وتأجيلها مجدّدا نظرا لما شاب تلك الحملة من توتّرات سياسية شديدة.

وهوّن الخبير في الشؤون العراقية والكردية كفاح محمود من شأن ما جرى خلال الحملة التي “مرت بسلام وأمان رغم تشنجات بعض مسؤولي الأحزاب ومرشحيها، ولم تُسجل خلالها أي حادثة تكتسي الخطورة وتثير القلق”.

pp

ورأى محمود في تصريحات أدلى بها لوكالة سبوتنيك الروسية أنّ في حدّة التنافس خلال الحملة وجها إيجابيا يتمثّل في كون “الحالة التي ظهر بها الإقليم في وقت الحملة الدعائية تُعطي انطباعا بتطور الأداء الديمقراطي في الإقليم الذي سبق العراق بتجربته التي تعود إلى يونيو 1992، حيث جرت أول انتخابات حرة لاختيار أعضاء برلمان للإقليم بدعوة من الزعيم الكردي مسعود بارزاني الذي دعا آنذاك إلى الاحتكام للشارع في بناء مؤسسات الدولة والانتقال من المرحلة الثورية إلى مرحلة بناء الدولة ومؤسساتها”.

وأضاف “رغم ما شاب بعض الخطابات السياسية الحادة والناقدة بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم إلاّ أن الواقع على الأرض سجل تميزا نوعيا في أداء الأجهزة الأمنية التي وفرت أجواء مريحة لكلا الحزبين في مناطق نفوذهما لعقد المهرجانات الدعائية لمرشحيهما سواء في العاصمة أربيل أو في محافظات دهوك وحلبجة والسليمانية”.

وأشار إلى أنّ “تلك الممارسة التي شاهدناها وإن سادتها بعض التشنجات إلا أنها تبشر بأن الانتخابات ستجري في أجواء صحية وهادئة، خاصة وأن مئات المراقبين الدوليين والمحليين من الأمم المتحدة والولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي سيقومون بمراقبة تلك الانتخابات”.

وتوقّع استنادا إلى آراء المحللين والمراقبين “أن العملية الانتخابية ستكون نزيهة وفي أجواء آمنة، لحرص كل الأحزاب وخاصة الرئيسيين على انتخاب برلمان جديد يقوي شرعية الإقليم وسلطاته الأخرى”.

3