معضلة نقص الكهرباء تقوض الأعمال التجارية في إيران

تضاف مشكلة تقنين الكهرباء في قطاع الأعمال إلى قائمة طويلة من المشاكل التي يعاني منها النشاط التجاري في إيران منذ سنوات بسبب قيود الحظر الغربي، والتي تؤثر بدورها على حياة الناس حيث يجدون أنفسهم في متاهة تشمل التضخم والتدهور المستمر للعملة.
طهران - شرعت مراكز التسوق في العاصمة الإيرانية طهران بداية من الثلاثاء في تنفيذ قرار حكومي بإغلاق أبوابها قبل الموعد بساعتين للحفاظ على الطاقة، في ظل مواجهة البلاد لنقص متزايد في الكهرباء تفاقم بسبب موجة البرد.
ولن يكون أمام التجار سوى الالتزام بالقرار، خاصة بعدما حذر حميد رضا رستيجار المسؤول في غرفة التجارة من أنه “إذا لم تحترم مراكز التسوق هذا القرار، فسوف يتم إغلاقها وقطع إمدادات الغاز والكهرباء.”
وتنص الإجراءات، التي تم اتخاذها الاثنين الماضي، على إغلاق مراكز التسوق كل ليلة في الساعة الثامنة مساء بدلا من العاشرة مساء، حسبما ذكرت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية. ولم يتم تحديد مدة هذه القيود، التي تنطبق فقط على طهران.
وتأتي الخطوة في ظل استمرار انحدار العملة المحلية بشكل حاد، مسجلة مستوى متدنيا قياسيا جديدا مقابل الدولار وسط حالة من الغموض بشأن العودة الوشيكة لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض والتوتر مع الغرب بشأن برنامج طهران النووي.
وارتفع سعر صرف الدولار في السوق المحلية ليبلغ 756 ألف ريال في اليومين الأخيرين مقارنة بنحو 741.5 ألف ريال قبل ذلك، وفق موقع بونباست الذي يتتبع أسعار الصرف، بينما ذكرت منصة بازار 360 أن الدولار يباع بحوالي 755 ألف ريال.
وتمتلك إيران ثاني أكبر احتياطيات للغاز الطبيعي في العالم، واحتياطيات كبيرة من النفط. ومع ذلك، تعاني شبكة الكهرباء في البلاد بسبب نقص الاستثمار في تحديث بنيتها التحتية، ويرجع ذلك أساسا إلى العقوبات الغربية.
ومثل المنتجين الآخرين، تواجه الدولة العضو في منظمة أوبك وتحالف أوبك+ انخفاضا بنسبة 15 في المئة في أسعار الخام منذ أواخر يونيو الماضي، واحتمال أن يؤدي فائض عالمي وشيك إلى تباطؤ آخر في العام المقبل.
وأبدى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان تذمره بشأن ما أسماه استهلاك الطاقة “المرتفع للغاية” في البلاد. وقال “نستهلك ضعفين أو ثلاثة أضعاف الكهرباء التي تستهلكها الدول الأوروبية،” مطالبا من مواطنيه خفض منظم الحرارة في منازلهم وارتداء ملابس أكثر دفئًا.
ويقول المتابعون للشأن الإيراني إن تصريحات كهذه دليل صارخ على حجم الضغوط المالية المسلطة على الدولة، ويؤكد أنه ليست في يد السلطات حلول لتوفير خدمة يفترض أنها من الأساسيات في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
وخلال الأسابيع الأخيرة، اضطرت السلطات إلى فرض قيود على استخدام الكهرباء، حيث لا يوجد ما يكفي من الغاز والوقود لتزويد محطات إنتاج الكهرباء.
ومع ذلك يعد الغاز مصدرا أساسيا لوقود محطات الكهرباء ومنشآت الصناعات الثقيلة والكيماويات في إيران، التي توجد بها أكبر احتياطيات الوقود في العالم بعد روسيا، وتوفره للمنازل في بلد يبلغ عدد سكانه 90 مليون شخص.
وبلغ استهلاك الغاز والكهرباء مستويات قياسية متتالية، مما أدى إلى ارتفاع إنتاج الغاز بنسبة 58 في المئة خلال العقد المنتهي في 2022، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
ويتضح أحد الأمثلة على الأزمات التي تواجه القطاع في عدم تمكن البلد من بناء محطات ضغط الغاز، والتي من دونها ستنخفض مستويات الإنتاج في الحقول، مثل حقل بارس الجنوبي، بدرجة كبيرة.
وتشير وسائل الإعلام الحكومية في إيران إلى أن الحقل العملاق يحتاج وحده إلى 20 محطة ضغط، يتطلب إنشاؤها استثمارات تبلغ 20 مليار دولار، بينما لا تملك الدولة التقنية ولا الخبرة لتصنيعها، ولا يمكنها استيراد المكونات اللازمة بسبب العقوبات.
تقنين الكهرباء دليل على حجم الضغوط المالية، ويؤكد أنه ليست بيد السلطات حلول لتوفير خدمة يفترض أنها من الأساسيات
ونتيجة لذلك يقدر الخبراء أن البلاد ستواجه نقصا في الغاز لا يقل عن 260 مليون متر مكعب يوميا هذا الشتاء، في الوقت الذي تجري فيه طهران محادثات لزيادة الواردات من تركمانستان المجاورة.
وتشير بيانات وزارة الطاقة الإيرانية إلى أن إمدادات الغاز للمحطات انخفضت بنحو 30 في المئة هذا العام، وذلك مقارنة بمستويات العام 2023، مع انخفاض احتياطيات الديزل إلى أقل من 1.26 مليار لتر.
ويأتي انخفاض مخزونات الوقود السائل بعد انخفاض بنسبة 36 في المئة عن المستويات المسجلة في عام 2022، وهو ما يزيد الضغط على شبكة الطاقة المتوترة بالفعل.
ونقلت وكالة شانا الإيرانية عن وزير النفط محسن باكنجاد قوله إن بلاده تجري “مفاوضات أولية حول استيراد الغاز من تركمانستان” الشتاء الحالي.
وأدت موجة البرد التي ضربت البلد الذي يبلغ عدد سكانه 85 مليون نسمة في الأيام الأخيرة إلى جعل إمدادات الطاقة، وخاصة الغاز، أكثر صعوبة.
ولليوم الثالث على التوالي ظلت المدارس والمباني العامة مغلقة في طهران الثلاثاء، وأكثر من نصف محافظات البلد البالغ عددها 31، في محاولة لتوفير الطاقة.
وذكرت وكالة إرنا الإيرانية الرسمية أن المدارس والمؤسسات الحكومية أغلقت في محافظات غيلان وغولستان وأردبيل الشمالية، وكذلك محافظة البرز غرب العاصمة طهران “بسبب الطقس البارد ومن أجل ترشيد استهلاك الوقود.”
وأضافت أن قرارات مماثلة اتخذت بسبب البرد في محافظات أخرى بينها طهران ومازندران في الشمال وكرمانشاه في الغرب وقزوين في الوسط وخراسان الجنوبية في الشرق.
وفي دليل على قسوة الحظر قررت السلطات خلال يوليو الماضي، خفض دوامات العمل إلى النصف طوال عدّة أيام في المؤسسات العامة توفيرا للطاقة.