معضلة حرائق الحبوب المتكررة في تونس: مسؤولية المزارع أم الحكومة

المزارعون يطالبون بتوفير الرعاية اللازمة للمحاصيل وتكثيف المراقبة الأمنية في محيط الحقول والمساحات الزراعية.
الخميس 2025/06/12
مشهد متكرر

تونس - طرحت معضلة الحرائق المتكررة في محاصيل الحبوب مع حلول فصل الصيف، تساؤلات في تونس بشأن الجهات المسؤولة عن مقاومتها والتصدي لها، وسط إقرار المراقبين بأنها مسؤولية مشتركة بين المزارع من جهة والدولة من جهة ثانية. ويعيش المزارعون في تونس حالة من القلق، في ظل تكرر الحرائق خصوصا مع بدء موسم الحصاد، وسط مطالب بتوفير الرعاية اللازمة للمحاصيل وتكثيف المراقبة الأمنية في محيط الحقول والمساحات الزراعية.

ويقول خبراء في المجال الزراعي، إنه يجب الاستعداد المبكر والقيام بإجراءات استباقية لموسم حصاد الحبوب، من بينها تهيئة المسالك الزراعية وحصد المناطق المجاورة للطرقات لتفادي توسع دائرة الحرائق، في وقت تؤكد فيه الأرقام الرسمية أن محصول الحبوب في تونس سيرتفع إلى مليوني طن هذا الموسم، مقابل نحو 1.1 مليون طن في الموسم الماضي.

وأفاد سامي العيادي، المعتمد الأول لولاية القيروان (وسط)، بأن اللجنة الجهوية لمجابهة الكوارث وتنظيم النجدة، أقرت خطة جهوية لتأمين الحقول، وصيانة المعدات، وخزن كميات الحبوب، وللتدخل وتأمين ما تبقى من المحصول.

وأضاف العيادي في تصريح صحفي أن “هذه الإجراءات تتمثل بالخصوص في إنجاز جرد شامل لكافة الحقول والمساحات المزروعة، وتحديد المناطق الأكثر عرضة للحرائق لاسيما منها الواقعة قرب الغابات والطرقات والمصبات العشوائية، إلى جانب إزالة الأعشاب الطفيلية والحشائش الجافة المحيطة بالحقول بعرض لا يقل عن 3 أمتار، وحرق أو طمر الأعشاب الجافة في أماكن بعيدة وآمنة تحت إشراف الحماية المدنية.”

وأشار إلى أن الخطّة الجهوية تضمنت أيضا إبعاد النفايات والفضلات الصلبة من محيط الأراضي الزراعية، وتهيئة مسالك ترابية عازلة حول الحقول لتسهيل التدخلات، واستعمال حواجز ترابية أو صفوف أشجار مقاومة للحرائق (مثل شجرة التين الشوكي أو الزيتون) لحماية المساحات الكبرى.

كما تم إقرار تركيب كاميرات مراقبة في المحيط والمخازن، مع حراسة ليلية ويومية خاصة وقت التخزين، فضلا عن تأمين العقار لدى شركات ضد أخطار الحريق والتخريب، والتنسيق مع الأمن التونسي لحماية مسالك نقل المحصول، بالإضافة إلى تنظيم حملات توعوية بخطورة الحرائق وكيفية التصرف، وتوزيع مطويات أو تنظيم لقاءات ميدانية.

مروان الداودي: يجب تخصيص مراكز حماية مدنية قريبة من المزارع
مروان الداودي: يجب تخصيص مراكز حماية مدنية قريبة من المزارع

واندلع حريق بإحدى مزارع الحبوب التابعة لمركب زراعي دولي بولاية باجة (شمال) في الأيام الماضية. وتمكن أعوان الحماية المدنية والغابات بباجة من إخماد هذا الحريق قبل أن تتسع رقعته، فيما أتت النيران حسب وسائل إعلام محلية على أكثر من 40 هكتارا من حبوب القمح المعدة للإكثار.

وأكدت النائب بمجلس نواب الشعب عواطف الشنيتي أن عملية الإطفاء استوجبت تدخل الأجهزة المختصة من حماية مدنية وغابات وكذلك متساكني المنطقة الذين تدخلوا بجراراتهم للحد من اتساع رقعة الحريق.

وأوضحت في تصريح لإذاعة محلية أنها طالبت سابقا في أكثر من جلسة حوارية بضرورة إحداث مركز للحماية المدنية بمعتمدية تيبار حتى تكون التدخلات أسرع وأكثر جدوى وللحد من الخسائر. وخلال السنوات الماضية، استهدفت الحرائق الغطاء الغابي ومحاصيل الحبوب، وتسببت في خسائر اقتصادية وطبيعية كبيرة.

وأفاد مروان الداودي، رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة بسليانة (شمال غرب)، بأن “مسؤولية اندلاع الحرائق في محاصيل الحبوب مشتركة بين المزارع والدولة، ولاحظنا أن موسم الحصاد انطلق لكن هناك عدة نقائص.”

وقال في تصريح لـ”العرب” إن “هناك نقصا في حصاد جانبي الطرقات والمسالك الزراعية الكثيرة، كما أن الآلات الماسحة غير كافية أحيانا في عدة مناطق.” ودعا الداودي إلى “تخصيص مراكز للحماية المدنية قريبة من المزارع للتدخل العاجل أثناء اندلاع الحرائق، فضلا عن التدخل المبكر للمزارعين في مسح الطرقات المتخامة لمحاصيلهم من الحبوب.”

ويستهلك التونسيون أكثر من 3 ملايين طن من الحبوب سنويا موزعة بصفة متقاربة بين القمح الصلب واللين والشعير. ويرتكز النمط الغذائي التونسي حسب المسح الوطني حول تغذية الأسر بالأساس على الحبوب.

ويتكفل الديوان الوطني للحبوب بنشاط التوريد لتغطية حاجيات البلاد التي لا يؤمنها الإنتاج المحلي، وحسب آلية العمل الداخلية للديوان يتم توفير هذه الحاجيات عن طريق طلبات عروض دولية لتغذية المخزون، الذي يجب أن يغطّي وجوبا 4 أشهر من الاستهلاك ووفق سعر الحبوب في الأسواق العالمية.

وتعتمد تونس في توفير حاجياتها من الحبوب أساسا على الخارج، وزاد الاعتماد على الاستيراد مع تواصل موجة الجفاف ونقص الأمطار التي ضربت تونس في السنوات الأخيرة، بشكل جعل إنتاجها المحلي من الحبوب غير قادر على تغطية سوى جزء ضئيل من مجمل حاجيات التونسيين.

4