معضلة الانتخابات الليبية.. مسلسل الإخفاقات وتخمة المبادرات

طرابلس - يحتفل الليبيون اليوم الثلاثاء بالذكرى الثانية والسبعين للاستقلال التي تصادف الذكرى السنوية الثالثة لفشل إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية لتجديد شرعية المؤسسات وإنهاء فترة انتقالية تتسم بالصراعات والأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية.
وحالت خلافات حول قوانين الانتخابات ودور القضاء فيها دون إجراء الانتخابات التي اتفقت أطراف النزاع خلال حوار برعاية الأمم المتحدة على إجرائها في 24 ديسمبر 2021.
وخلال جلسة برلمانية في 3 يناير 2022 قال رئيس مفوضية الانتخابات عماد السائح إن "العملية الانتخابية توقفت عند مرحلة الطعون، ولم تستطع المفوضية إعلان القائمة النهائية للمترشحين بسبب ظروف قاهرة".
وأوضح أن "القوة القاهرة تتمثل في الأحكام القضائية المتضاربة، والأحكام التي صدرت خارج المدة القانونية، والتهديدات التي وجهت للمفوضية حال إصدار القائمة النهائية للمترشحين بأسماء معينة، ووجود تزوير في التوقيعات وقوائم التزكية".
وبعد فشل إجراء الانتخابات تصاعدت حدة الخلاف إثر تكليف مجلس النواب في شرق البلاد حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، خلفه لاحقا أسامة حماد.
في المقابل، رفضت حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في طرابلس غرب البلاد برئاسة عبدالحميد الدبيبة، تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.
وأعلنت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك ستيفاني وليامز في 3 مارس 2022، مبادرة لتشكيل لجنة من مجلسي النواب والدولة لوضع قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، لكنها لم تفلح في مهمتها بعد اجتماعات بالقاهرة.
وتزامن ذلك مع غياب مسؤول أممي يشرف على الحوار، وذلك حتى إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 2 سبتمبر 2022، تعيين الدبلوماسي السنغالي عبدالله باتيلي مبعوثا له إلى ليبيا ورئيسا لبعثة المنظمة الدولية.
وفور استلامه مهامه، أعلن باتيلي خلال إحاطة قدمها أمام مجلس الأمن الدولي في 27 فبراير 2023 مبادرة لإجراء الانتخابات في ذلك العام، عبر تشكيل لجنة رفيعة المستوى في ليبيا.
ومهمة اللجنة هي العمل على جمع الأطراف كافة، وبينهم ممثلو المؤسسات السياسية وأبرز الشخصيات السياسية وزعماء القبائل ومنظمات المجتمع المدني وممثلون عن النساء والشباب، وفق باتيلي.
وتابع "وإضافة إلى تيسير اعتماد إطار قانوني وجدول زمني ملزم لإجراء الانتخابات في 2023"، توفر اللجنة "منصة للدفع قدما بالتوافق حول الأمور ذات الصلة، مثل تأمين الانتخابات واعتماد ميثاق شرف لجميع المترشحين".
وبعد فشل هذه المبادرة أيضا، تلتها مبادرات أخرى هدفت إلى إيجاد قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، لكن في كل مرة تعيد الخلافات أطراف الأزمة إلى نقطة الصفر.
واستمر الوضع طويلا حتى اتفق مجلسا النواب والدولة خلال مباحثات خارج الرعاية الأممية على تعديل ثالث عشر للإعلان الدستوري، وهو بمثابة دستور مؤقت وضع بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011.
وذلك التعديل أُقر رسميا في 7 فبراير 2023، وشُكلت بموجبه لجنة "6+6" مكونة من 6 أعضاء من مجلس النواب ومثلهم من المجلس الأعلى للدولة، ومهمتها إعداد قوانين انتخابية توافقية لإجراء الانتخابات.
وبالفعل أعلنت اللجنة في 6 يونيو 2023 اكتمال وضع القوانين بعد جولات حوار بالمغرب، لكن ظهرت عقبة جديدة وهي تنفيذ هذه القوانين التي اعتمدها مجلس النواب في 2 أكتوبر 2023.
وحينها رفض رئيس المجلس الأعلى للدولة آنذاك محمد تكالة القوانين، بعد أن اتهم مجلس النواب بإدخال تعديلات عليها، ما أعاد الأزمة مجددا لنقطة الصفر.
وفي 23 نوفمبر 2023 أعلن باتيلي مبادرة لجمع الأطراف المؤسسية الرئيسة في اجتماع للتوصل إلى تسوية سياسية حول القضايا الخلافية المرتبطة بإجراء الانتخابات.
وتلك الأطراف هي، وفق باتيلي: المجلس الرئاسي، والمجلس الأعلى للدولة، ومجلس النواب، وحكومة الوحدة الوطنية، والجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
وبعد فشل عقد الاجتماع أعلن باتيلي في 16 أبريل الماضي تقديم استقالته، بسبب "وجود رفض مقصود من الأطراف الليبية لإجراء الانتخابات"، حسب إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن.
ومنذ ذلك الوقت عاشت ليبيا فترة جمود سياسي توقفت فيها جميع المباحثات، بل وزادت الأزمات الأمنية والقانونية والاقتصادية، مع عدم تعيين الأمم المتحدة مبعوثا جديدا.
وفي ظل هذا الجمود برزت ستيفاني خوري نائبة المبعوث الأممي، المكلفة بقيادة البعثة بالوكالة في ليبيا، وأطلقت في 15 ديسمبر الجاري مبادرة جديدة.
وتقضي المبادرة بـ"تشكيل لجنة فنية استشارية من خبراء ليبيين محددة الزمن، للتمهيد لإجراء الانتخابات ومعالجة النقاط الخلافية لقوانين الانتخابات".
بموازاة ذلك، عُقد في 18 و19 ديسمبر الجاري اجتماع تشاوري بالمغرب بين أعضاء من مجلسي النواب والأعلى الليبيين.
وتوصل المجتمعون لاتفاق يضم 8 مواد، تتحدث أولها عن مرحلة تمهيدية لإجراء الانتخابات، وتنص على "إعادة تشكيل السلطة التنفيذية وفق القوانين الانتخابية".
ومن هنا أصبح لدى ليبيا فرصتين للوصول إلى الانتخابات، وهما المبادرة الأممية بقيادة ستيفاني خوري والمشاورات بين نواب مجلسي النواب والأعلى للدولة.
وفق الخبير في الشأن الليبي عبدالباسط زيو، في حديث للأناضول، فإن وصول إلى الانتخابات "حلم قد يتحقق في 2025".
وأرجع ذلك إلى أن "جميع أطراف النزاع جربت كل الطرق للسيطرة، ومنها القوة، وفشلت جميعا، لذلك هي في حالة يأس الآن وتعلم أنه لا حل سوى الانتخابات".
وأضاف أن "الوضع الاقتصادي المتأزم سبب آخر، فالشعب يعيش أزمة اقتصادية خانقة ولن يحتمل كثيرا، وبالتالي الخوف من غضب الشعب سيكون المحرك المقبل للسياسيين والقادة ليتفقوا على الانتخابات".
و"الاجتماع الأخير بين أعضاء مجلسي النواب والدولة في المغرب خير دليل، فهم يعرفون جيدا أن الشعب لن يحتمل أكثر من ذلك"، وفق زيو.
وتابع "كما أن المجتمع الدولي عامل دافع لبلوغ الانتخابات، فالدول صاحبة المصلحة لن تسمح بمزيد من الأزمات والتوترات في ليبيا (البلد الغني بالنفط)".
في المقابل، يرى الدبلوماسي الليبي السابق عبدالله المصراتي أن بلوغ الانتخابات العام المقبل "أمر لن يحدث أبدا".
وقال المصراتي للأناضول إن "الأسباب التي أدت لفشل الانتخابات قبل ثلاثة أعوام لا تزال موجودة، بل أُضيفت لها أسباب أخرى، فكيف ستحدث الانتخابات؟!".
واعتبر أن "أحد أهم الأسباب هو الأسماء المرشحة لرئاسة البلاد في الانتخابات الماضية، وعلى رأسهم سيف الإسلام القذافي".
وزاد بأن "سبب فشل الانتخابات السابقة هو ترشح سيف الإسلام لكون الدول الغربية التي أطاحت بوالده في 2011 لن تسمح له بتولي الحكم، فهذا يعني أنهم كانوا على خطأ بإسقاط نظام حكم والده الذي كان جزءا منه".
وأضاف المصراتي أن "الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، كانت أول المعارضين لإجراء الانتخابات قبل 3 أعوام، لأنها علمت أن حظوظ سيف الإسلام في الفوز كانت كبيرة جدا جدا".
ومن بين أسباب استبعاد إجراء انتخابات في 2025، وفق المصراتي، هو "الصراع الأميركي الروسي، فلا يمكن حل الخلافات الليبية والوصول للانتخابات إلا بعد حل الخلافات الدولية".
وتابع "من تقود حاليا الجهود الأممية لإيصال ليبيا إلى الانتخابات هي الولايات المتحدة، عبر المبعوثة الأميركية بالإنابة ستيفاني خوري، لذلك عارضت روسيا مبادرة خوري، لأنها تعلم أنه حال نجاحها ستفقد موسكو مكانتها الحالية في ليبيا".
و"الجميع يعلم أن ليبيا حاليا ساحة للصراع الدولي، ولذلك من المستحيل أن يسمح أي من أقطاب الصراع الدولي للآخر أن يتنصر عليه، لأنه يعلم جيدا أن المنتصر سيستحوذ على ليبيا بشكل كامل"، كما ختم المصراتي.