معضلة الأمن الغذائي المحتدة تهدد حياة الملايين من السوريين

انخفاض مساحة الأراضي المزروعة بالقمح في العام الحالي من 1.5 مليون هكتار إلى 1.2 مليون هكتار.
الجمعة 2022/08/26
انحسار المحاصيل والقادم أسوأ

دمشق - تسبب انخفاض المساحات المزروعة في سوريا جرّاء الحرب وحالة الجفاف، التي مرت بها البلاد خلال الشتاء الماضي، في نقص شديد في كمية المحصول من القمح.

وهذا النقص ينذر بعام جديد من الشح في المادة الأساسية، يتجاوز الأعوام السابقة، في وقت كان القمح حتى قبل أسابيع قليلة يشكل أزمة نقص على المستوى العالمي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

وكان إنتاج سوريا من القمح قبل عام 2011، يبلغ نحو 4 ملايين طن سنوياً، وهو مقدار كان يفيض عن حاجة البلاد، ما جعلها مصدّرة لهذه المادة.

وبحسب ما نقلت وسائل إعلام النظام السوري عن مسؤولين في حكومته، فإن مساحة الأراضي المزروعة بالقمح هذا العام انخفضت من 1.5 مليون هكتار إلى 1.2 مليون هكتار.

وتشير بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، إلى أن إنتاج سوريا من القمح في العام الماضي انخفض إلى 1.05 مليون طن.

وشهدت سوريا في 2021 أقل نسبة لإنتاج القمح منذ 50 عاماً، بسبب القحط وارتفاع أسعار المواد والظروف الاقتصادية السيئة، وفق تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو).

وبسبب ذلك، يستورد نظام الرئيس السوري بشار الأسد سنوياً 1.5 مليون طن من القمح لتغطية النقص في معروض القمح، حيث أن أغلب الكميات المستوردة تأتي من روسيا.

سوريا في صدارة الدول العشر الأوائل الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي بسبب الحرب والجفاف

وذكرت مصادر مطلعة، أن النظام وقوات سوريا الديمقراطية دخلا في منافسة لشراء القمح من الفلاحين في مناطق سيطرة التنظيم.

وفي حين وضع النظام سعر 2000 ليرة سورية للكيلوغرام في مناطق سيطرته، إلا أنه رفع السعر إلى 2100 ليرة سورية لكيلوغرام القمح القادم في مناطق سيطرة التنظيم.

ورد التنظيم على أسعار النظام، وقام بعرض مبلغ في أواخر مايو الماضي عند مستوى 2200 ليرة سورية للكيلوغرام (الدولار الواحد يساوي 4450 ليرة سورية).

كما وضع التنظيم شروطاً لنقل القمح إلى مناطق سيطرة النظام، ما أجبر المزارعين على بيع القمح إلى التنظيم الذي قام بتخزينه في 28 صومعة في مناطق سيطرته.

وفي المقابل يتبع للنظام 13 صومعة للقمح، 3 منها في القامشلي، ويقوم بنقلها إلى غرب الفرات عبر مدينة منبج.

وتقع أكثر من نصف الأراضي القابلة للزراعة في سوريا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية حيث توصف محافظة الحسكة بأنها مستودع القمح في البلاد.

وبحسب وزارة الزراعة التابعة للنظام فإن الأراضي المزروعة بالقمح في محافظة الحسكة لم تتجاوز 324 ألف هكتار.

ويعود انخفاض المحصول في المحافظة التي كان يخرج منها 65 في المئة من قمح البلاد قبل 2011، إلى حالة الجفاف والحرب الدائرة في البلاد.

90

في المئة من السوريين، يعيشون تحت خط الفقر، بينهم نحو 60 في المئة يعانون من انعدام الأمن الغذائي

وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية المعارضة في وقت سابق أنها خزنت 400 ألف طن من القمح في مستودعاتها، إلا أن هذه الكمية غير كافية لسكان المنطقة والتي تحتاج إلى 200 ألف طن إضافية على الأقل لسد الطلب خلال العام.

وأما من جهة النظام وبحسب وسائل الإعلام التابعة له، فإن كمية محصول القمح في مناطق سيطرته والقمح الذي جلبه من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بلغ 513 ألف طن.

وهذا الرقم، أقل بكثير من مليوني طن اللازمة لسد حاجة السكان في مناطق سيطرته خلال العام، ما سيضطره إلى الاستيراد مجدداً لتعويض النقص.

وفي نهاية فبراير الماضي، بينت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة، جويس مسويا، أن السوريين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية الآن أكثر من أي وقت مضى، موضحة أن 14.6 مليون سوري سيعتمدون على المساعدة في العام 2022، بزيادة 9 في المئة عن عام 2021، وزيادة بنسبة 32 في المئة عن عام 2020.

وأشارت مسويا، إلى أن سوريا الآن تحتل المرتبة الأولى بين الدول العشر الأكثر انعداما للأمن الغذائي على مستوى العالم، حيث يعاني 12 مليون شخص من وصول محدود أو غير مؤكد إلى الغذاء، بحسب تقرير للأمم المتحدة.

ولفت تقرير، إلى أن 90 في المئة من السوريين، يعيشون تحت خط الفقر، بينهم نحو 60 في المئة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وذلك استنادا على أرقام الأمم المتحدة.

ويقول الباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية، حسن الشاغل، إن الدول التي تعيش في حالة حرب يتأثر فيها الأمن الغذائي بشكل سلبي وبشكل كبير، ولكن مع الغزو الروسي لأوكرانيا، زادت حدة المشكلة الغذائية في العالم، ما أنتج دولا تتأثر مباشرة بهذه الأزمة كسوريا.

وأشار الشاغل إلى أنه بالنسبة إلى تصنيف سوريا بأنها من أكثر الدول تأثرا بالأزمة الغذائية، فذلك يعود إلى عدة أسباب، منها الحرائق التي تصيب المحاصيل الزراعية، أما السبب الثاني فهو “الحمائية”، بمعنى أن غالبية دول العالم تتبع الآن نظام الحمائية والذي يعني أن كل دولة توقف تصدير السلع الغذائية مثل القمح والأرز، وهذا سيؤثر على السوق الدولي، ويخفّض مستوى العرض.

ويؤثر الجفاف طويل الأمد على سوريا خلال الفترة المقبلة، بالتزامن مع تدهور الأوضاع المعيشية وازدياد مخاطر سوء الأمن الغذائي في البلاد، ما يؤشر بشكل كبير على أوضاع كارثية تهدد السوريين، لاسيما وأن مخاطر حدوث مجاعة في سوريا باتت تقترب أكثر وفق ما أشارت إليه تقارير دولية في الآونة الأخيرة.

وحذر تقرير، عن “مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ” في الاتحاد الأوروبي، من موجة جفاف شديدة وطويلة الأثر في سوريا، بسبب تفاقم نقص المياه في ظل الظروف غير العادية خلال موسم الأمطار.

وكشف المركز الدولي، أن التنبؤات الموسمية لـ “المنظمة العالمية للأرصاد الجوية”، تشير إلى أن سوريا تعاني من الجفاف ونقص المياه الشديد والطويل الأمد، في ظل ارتفاع غير طبيعي في درجات الحرارة.

ونوّه التقرير الدولي، إلى أن الجفاف الذي يمتد لعدة سنوات، وندرة المياه والغذاء والطاقة، وتكاليفها المرتفعة، “يعزز كل منهما الآخر، ويعمق أزمة الأمن الغذائي في سوريا”.

2