معضلات تواجه إستراتيجية الأمم المتحدة للتعافي المبكر في سوريا

دمشق - أعلن المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا آدم عبدالمولى، إطلاق الخطة الأممية لإستراتيجية التعافي المبكر للأعوام الخمسة القادمة، لاستعادة البلاد مكانتها وخاصة بالتعليم والصحة، غير أن شكوكا تحوم حول إمكانية تطبيق هذه الاستراتيجية على كامل الأراضي السورية في ظل الصراع المستمر.
وتعيش البلاد انهيارات على كل الصعد، جعلت الهجرة هاجس الشباب بأي طريقة، وهو ما جعل الداعمين والمانحين يفكرون في تغيير الإستراتيجية، والتحول من “إعادة الإعمار” إلى “التعافي المبكِر”، بحيث صار “التعافي” نهجاً مركزياً في سياسات المانحين الدوليين في تعاطيهم مع الأزمة السورية.
وفي مؤتمر صحفي بدمشق، قال المسؤول الأممي، إن سوريا كانت تنتج 97 في المئة من حاجاتها الدوائية وتصدّر الدواء إلى 50 دولة أخرى، ولم تكن لديها ديون خارجية، إضافة إلى اكتفائها الذاتي من الغذاء، وكل ذلك يأتي من الطاقات التي يمتلكها الإنسان السوري وقدرته على الإنتاج وسياسة الدولة قبل بدء الأزمة.
وأضاف عبدالمولى، إن الأزمة في سوريا المستمرة منذ العام 2011 خلّفت عواقب مدمرة على البلاد والشعب السوري، خاصة الفئات الأكثر ضعفاً وتهميشاً، كالسكان النازحين، إذ نشأت عن ذلك احتياجات إنسانية طويلة الأمد ومتعددة الأوجه.
وتراجعت مؤشرات التنمية في سوريا حيث ما يزال أكثر من مليون و700 ألف شخص في العام 2024 بحاجة إلى مساعدات منقذة للأرواح ومستدامة.
وظهر مصطلح “التعافي المبكِر” للمرة الأولى في قرار الأمم المتحدة رقم 636 لعام2021، ووافق عليه مجلس الأمن كجزء من حل وسط أكبر بشأن المساعدات الإنسانية لسوريا. ووفق الهيئة الأممية، فإن الغالبية العظمى من السوريين يواجهون تحديات تتعلق بتلبية الحاجات الأساسية، وتظهر بيانات الأمم المتحدة أن 90 في المئة من السوريين بحاجة إلى الغذاء والمأوى، والرعاية الصحية، والمياه، والصرف الصحي.
إصلاح وترميم البنية التحتية والخدمات الأساسية في كامل سوريا مهمة صعبة التحقيق في ظل استمرار الصراع
وخلال “مؤتمر بروكسيل” في أبريل ومايو لعام 2024، تم تعميم نهج “التعافي المبكِر” في كامل سوريا، ورغم أنه لم يحقق الهدف الذي كان يطمح إليه بالنسبة للتمويل، وهو 7 مليار يورو، فإنه بالمقابل قد حقق جانباً مهماً، هو التوافق على تحويل نهج “التعافي المبكِر” إلى عنوان ثابت، في أعمال المجتمع المدني السوري، ومعه النظام والمعارضات للسنوات التالية.
وبحسب عبدالمولى فإن إستراتيجية التعافي المبكر تغطي كامل سوريا من خلال نهج قائم على المناطق، وتنطوي على إطار متوسط الأجل ومتعدد السنوات للتخطيط وإعداد البرامج بهدف تعزيز التغيير النوعي والقابل للقياس والموائم لمختلف السياقات التشغيلية في كل المناطق السورية.
ويتعلق التعافي المبكر بعملية إصلاح وترميم البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والرعاية الصحية، بهدف مساعدة المتضررين على استعادة قدرتهم على الاكتفاء الذاتي بشكل مستدام. وذلك بدلاً من الاعتماد المستمر على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
وحددت إستراتيجية التعافي المبكر 4 مجالات متكاملة ويعزز بعضها بعضاً، بالإضافة إلى عنصر تمكيني رئيسي باعتبارها جميعا العناصر الأساسية والمحفزة في بناء المرونة على المدى المتوسط للأشخاص والمجتمعات في سوريا، حسب عبدالمولى الذي قال “سيكون إعطاء الأولوية للصحة والتغذية أمراً لابدّ منه لإنقاذ الأرواح وتعزيز رفاه الأشخاص”، لافتاً إلى أن ضمان الوصول إلى التعليم عالي الجودة يُسهم في بناء الرأسمال البشري وتعزيز القدرات المحلية بشكل أكبر، ما يساهم في التخفيف من تواتر الاحتياجات الإنسانية العاجلة، وخفض تكلفة المساعدات الإنسانية على مدى أطول.
الإستراتيجية ستبدأ بإنشاء صندوق مخصص يمكّن الأمم المتحدة والجهات الفاعلة في المجال الإنساني من تقديم المنح والمساعدات للتعافي المبكر على المدى المتوسط
وأضاف أن تحسين خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة العامة سيكون ضرورياً لتعزيز الصحة العامة والحد من انتشار الأمراض.
وستبدأ الإستراتيجية بإنشاء صندوق مخصص يمكّن الأمم المتحدة والجهات الفاعلة في المجال الإنساني من تقديم المنح والمساعدات للتعافي المبكر على المدى المتوسط، ليتكامل مع غيره من الصناديق المشتركة القائمة على البلدان ويتآزر معها كصندوق التمويل الإنساني لسوريا. وأشار إلى أن أهمية إنشاء الصندوق تأتي من توجيه مصادر التمويل نحو قطاعات محددة تخدم الإستراتيجية المرجوة من إقامته وإحداث تأثير نوعي وملحوظ.
ولفت عبدالمولى إلى أن الصندوق بحاجة إلى تسجيل لدى المكتب المختص لتسجيل الصناديق في نيويورك ليتم بعد ذلك التعاقد المباشر مع المانحين لتقديم التبرعات والمساهمات، هذا من الجهة الخارجية، أما “محلياً فينحصر دورنا في إنشاء البرامج التي تبدأ صياغتها من اليوم وكل ما وجدت الحاجة للتمويل يتم الإرسال إلى نيويورك لتقوم بدورها بتقديم الأموال للجهة المنفذة.”
وتتولى لجنةٌ توجيهية يرأسها المنسق العام للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية ومنسق الشؤون الإنسانية الإقليمي تحديد الاتجاه الإستراتيجي لصندوق التعافي المبكر وتقديم الرقابة الفنية وممارسة المساءلة الشاملة عن الصندوق، ويكتمل هيكل الإدارة بلجنة فنية تتألف من كبار الخبراء الفنيين من الجهات المشاركة في عموم سوريا، تتلقى دعمها من أمانة الصندوق التي تدير العمليات اليومية، وفق ما ذكر عبدالمولى.
لكن ثمة معضلات تواجه نهج “التعافي المبكر”، إذ يعتمد على النهوض بالأعمال التجارية القائمة والاقتصادات المحلية في المناطق التي تفتقر حتى إلى أبسط الخدمات الأساسية، علاوة على أن هذا المصطلح يفتقر لتعريفٍ دقيقٍ وموحّد. ورغم محاولات عدم تسييسه والعمل به ليصبح حلاً عمليّاً، إلّا أن تساؤلات عديدة تطرح عما إذا كان نهج “التعافي المبكر” قابلا للتطبيق ومدى فاعليته في مواجهة التحديات التي تواجهها سوريا.
ووفق تقرير لمعهد واشنطن، فإن أهداف “التعافي المبكر” تركز بشكلٍ كبيرٍ على دعم الخدمات المحليّة والانتقال إلى مرحلة تفعيل الاقتصاد الداخليّ والقطاع العام. لكن هذه الأهداف شبه مستحيلة التحقيق ما لم يتحقق الاستقرار، وإن جزئيّاً، في كافة المناطق السوريّة وضمان سهولة الانتقال بينها. فاستمرار روسيا باستهداف مناطق شمال غرب سوريا، وإصرار تركيا على مواصلة استهداف مناطق شمال وشرق سوريا والبنية التحتيّة ومصادر الطاقة فيها، سيعيقان أيّ تقدمٍ نحو عملية التعافي، وبالتالي ستبقى هذه المناطق معرّضة دائماً لفقدان الخدمات الأساسيّة عدا صعوبة حصولها على المساعدات الضرورية، ولذلك يتوجّب أن تشمل عملية التعافي مساعيَ سياسيّة دوليّة للضغط على كافة الأطراف لضمان عدم التصعيد، وضرورة تجنيب المدنيين، والبنى التحتيّة أيّ استهداف.