معركة هندية شاقة لأخذ تاج النمو العالمي من الصين

تحقيق الهدف يحتاج إلى زيادة مخصصات التنمية وجعل القوانين أكثر مرونة لجذب المستثمرين وتحريك القطاعات.
الثلاثاء 2024/04/09
إطلاق شرارة المنافسة مسألة وقت

يجمع محللون على أن الهند أمامها مسار طويل من أجل إزاحة جارتها الصين عن قيادة نمو الاقتصاد العالمي، رغم أن لديها القدرة والإمكانيات لتجسيد هذه التطلعات بما يتناغم مع سياسة الغرب وخصوصا الأميركيين في وضع حد لتغول منافسهم التجاري الأول.

لندن - يتباطأ النمو في الصين، التي تنظر إليها الحكومات الغربية بشكل متزايد على أنها منافس وليس شريكا اقتصاديا، بينما يبرز على حدودها الجنوبية الغربية في الهند، اقتصاد صاعد آخر ليأخذ مكانه كمحرك النمو التالي في العالم.

وتسعى الهند إلى استغلال القيود والإجراءات الغربية المفروضة على ثاني أكبر اقتصاد في العالم بغية استقطاب المزيد من المستثمرين في صناعة واعدة من التكنولوجيا والسيارات والطائرات لمنافسة جارتها.

وفعليا، تشهد سوق الأوراق المالية في الهند ازدهارا، والاستثمار الأجنبي يتدفق، وتستعد الحكومات لتوقيع اتفاقيات تجارية جديدة مع السوق الشابة التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة.

وتتلقى شركات تصنيع الطائرات مثل شركة بوينغ طلبات قياسية، وتعمل شركة أبل على زيادة إنتاج هواتف أيفون، ويتبعها الموردون الذين تجمعوا لفترة طويلة حول ممرات التصنيع في جنوب الصين.

ورغم كل التفاؤل، فإن الاقتصاد الهندي الذي يبلغ حجمه 3.5 تريليون دولار لا يزال ضئيلا مقارنة بالصين العملاقة، التي تبلغ قيمة اقتصادها 17.8 تريليون دولار، ويقول الخبراء إن الأمر سيستغرق عمرا كاملا للحاق به.

الهند قد تصبح أكبر مساهم بحلول 2028 على أساس تعادل القوة الشرائية
الهند قد تصبح أكبر مساهم بحلول 2028 على أساس تعادل القوة الشرائية

وتبدو الطرق الرديئة والتعليم غير المكتمل والبيروقراطية ونقص العمال المهرة سوى عدد قليل من أوجه القصور العديدة التي تواجهها الشركات الغربية عند إنشاء متجر.

ولكن هناك إجراء واحد مهم، حيث يمكن للهند أن تتفوق على جارتها الشمالية بسرعة أكبر بكثير باعتبارها محرك النمو الاقتصادي العالمي.

وتعتقد البنوك الاستثمارية المتفائلة، مثل بنك باركليز، أن الهند قادرة على أن تصبح أكبر مساهم على مستوى العالم في النمو خلال الولاية المقبلة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي. ومن المتوقع على نطاق واسع أن يفوز حزبه في الانتخابات المقررة خلال أسابيع.

ويعتبر التحليل الحصري الذي أجرته بلومبرغ إيكونوميكس أكثر تفاؤلا، حيث وجد أن الهند يمكن أن تصل إلى هذا الإنجاز بحلول عام 2028 على أساس تعادل القوة الشرائية.

ولتحقيق هذه الغاية، يتعين على مودي أن يحقق أهدافا طموحة في أربعة مجالات تنموية بالغة الأهمية، عبر بناء بنية تحتية أفضل، وتوسيع مهارات ومشاركة قوة العمل، وبناء مدن أفضل لإيواء كل هؤلاء العمال، وإغراء المزيد من المصانع لتوفير فرص العمل لهم.

ووفقا لمؤشرات بلومبرغ إيكونوميكس، فإن الهند يمكن أن تصبح المساهم الأول في العالم في نمو الناتج المحلي الإجمالي في وقت مبكّر من عام 2028.

وفي أعقاب الإصلاحات التي شهدتها الصين في أواخر سبعينات القرن الماضي، والتي فتحت اقتصادها على العالم، بلغ متوسط نمو ناتجها المحلي الإجمالي 10 في المئة سنويا لمدة ثلاثة عقود من الزمن.

ويقول المختصون إن هذا ما جعلها نقطة جذب لرأس المال الأجنبي وأعطاها نفوذا أكبر على المسرح العالمي. وكان على كل شركة عالمية كبيرة أن تكون لديها إستراتيجية للصين.

ولكن ما يسمّى بمرحلة “المعجزة” من توسع الصين أصبحت الآن من الماضي، حيث تتقاطع أزمة العقارات مع المخاوف الغربية المتزايدة بشأن هيمنتها على سلاسل التوريد والتقدم في التقنيات الحساسة.

وهنا يأتي دور الهند، إذ تسعى حكومة مودي إلى جعل اقتصاد البلاد أكثر قدرة على المنافسة، وهو التحول الذي يجذب الشركات الغربية التي تتطلع إلى التنويع بعيدا عن الصين بحثا عن بئر عميقة من العمالة الرخيصة.

وجعل رئيس الوزراء الهندي من اقتصاد بلاده المتسارع جزءا رئيسيا من حملته الانتخابية، وتعهد في تجمع حاشد العام الماضي برفع اقتصاد البلاد “إلى المركز الأول في العالم” في حالة فوزه بولاية ثالثة.

وتظهر الأرقام أن مخصصات الحكومة للبنية التحتية تضاعفت أكثر من ثلاثة أضعاف عمّا كانت عليه قبل خمس سنوات لتبلغ أكثر من 11 تريليون روبية (132 مليار دولار) للسنة المالية 2025، وهو رقم قد يتجاوز 20 تريليون روبية إذا تمت إضافة إنفاق الولايات.

ومن المتوقع أن يستثمر مودي 143 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية من بينها 32 مليار دولار لتحسين السكك الحديد والطرق والموانئ والممرات المائية وغيرها من البنية التحتية الحيوية في السنوات الست حتى عام 2030.

3.5

تريليون دولار حجم الاقتصاد الهندي بينما حجم الاقتصاد الصيني 17.8 تريليون دولار

وفي الوقت نفسه، سعت حكومته إلى خفض التضخم من خلال حظر صادرات القمح والأرز. وفي وقت سابق من هذا العقد، أطلقت الحكومة برامج حوافز بنحو 2.7 تريليون روبية لتشجيع التصنيع المحلي، مع حصول الشركات على إعفاءات ضريبية، وتخفيض أسعار الأراضي، ورأس المال لإنشاء مصانع في الهند من الولايات أيضا.

وفي سيناريو الحالة الأساسية لبلومبرغ إيكونوميكس، سوف يتسارع نمو الاقتصاد الهندي إلى 9 في المئة بحلول نهاية العقد، في حين يتباطأ نمو الصين إلى 3.5 في المئة.

ويضع هذا الوضع الهند على المسار الصحيح لتجاوز الصين باعتبارها أكبر محرك للنمو في العالم بحلول عام 2028.

وحتى في ظل السيناريو الأكثر تشاؤما بما يتماشى مع توقعات صندوق النقد الدولي للسنوات الخمس المقبلة حيث يظل النمو أقل من 6.5 في المئة تتفوق الهند على مساهمة الصين في عام 2037.

وتبرز الهند باعتبارها الدولة الوحيدة التي يعدّ عدد سكانها كبيرا بالقدر الكافي لتعويض عمال المصانع المتقاعدين في الاقتصادات المتقدمة والصين.

وتشير التقديرات إلى أن نحو 48.6 مليون عامل من ذوي المهارات المتوسطة، الذين يعملون عادة في المصانع، سوف يتقاعدون من الصين والاقتصادات المتقدمة في الفترة من 2020 إلى 2040. وفي الفترة نفسها، ستضيف الهند 38.7 مليون من هؤلاء العمال.

10