معركة في الجزائر بين مؤثري مواقع التواصل والصحافيين

قوانين الإعلام عاجزة عن ضبط الفوضى.
الجمعة 2024/07/05
من يضمن حرية الإعلام

تثار ضجة واسعة في الوسط الإعلامي الجزائري على خلفية دخول مؤثري الشبكات الاجتماعية حقل التقديم التلفزيوني دون مؤهلات بل لغرض تجاري بحت ما قوبل باستهجان شعبي وصحافي، واستياء من قبل الهيئات المعنية بالعمل الصحفي التي تطالب بوضع حد للفوضى والإساءة للمهنة.

الجزائر - برزت ظاهرة تحول مؤثري الشبكات الاجتماعية في الجزائر إلى وجوه إعلامية في الجزائر رغم عدم توفر شروط الممارسة المهنية والخبرة الصحافية في استغلال للفوضى القائمة في قطاع الصحافة الجزائرية والخلط القائم بين النشاط الصحفي الذي يخضع لضوابط مهنية وقانونية، وبين النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي.

وعبّرت المنظمة الوطنية للصحافيين الجزائريين في بيان عن قلق بالغ إزاء تطورات شهدتها الصحافة الجزائرية في الفترة الأخيرة، تتعلق “بظهور أشخاص، يدّعون زورا وبهتانا الانتماء لمهنة الصحافة المحددة بوضوح في القانون العضوي المتعلق بالإعلام”، مشيرةً إلى أن “الأدهى أن هؤلاء أصيبوا بهستيريا كبيرة، من خلال تهجمهم بالسب والشتم والطعن في شرف أهل المهنة ما يمثل سابقة خطيرة لم تشهدها الساحة الإعلامية من قبل”.

جاء بيان المنظمة على خلفية تصريحات مثيرة للجدل أطلقها مغني راب سابق وممثل فكاهي، لقيت رواجا على مواقع التواصل الاجتماعي. واستغل المؤثران شهرتهما لتقديم برامج تلفزيونية اجتماعية في قنوات محلية. كما أثيرت ضجة واسعة بعد الاعتراض على تعيين مغني الراب السابق محمد عبيدات في خلية الإعلام في مطار الجزائر الدولي، ما قوبل باستهجان شعبي وصحفي أدى إلى إلغاء تعيينه.

وفي وقت سابق أثار إعلان انضمام إحدى فنانات الراي الجزائري إلى طاقم قناة تلفزيونية خاصة لتقديم برنامج فني، استياء بين أوساط رواد مواقع التواصل الاجتماعي عامة وخريجي الإعلام والصحافة خاصة، مع أن هذه الخطوة لم تكن الأولى من نوعها على مستوى القنوات الخاصة التي عرفت استقطابا واسعا لمشاهير الفن، والرياضة والشبكات الاجتماعية.

ويقول صحافيون أن بعض وسائل الإعلام غذت الظاهرة المسيئة للمهنة إذ أن العديد من القنوات هي مجرد مشروع تجاري يعتمد على نسبة المشاهدة، مما يفسر اعتماد البرامج على الموديل ومدونات الانستغرام في الموضة والجمال كمقدمات برامج، وتركيز القنوات الخاصة على هذه الشخصيات يفتح المجال لظهور دخلاء على المهنة على حساب المعلومة والذوق العام، ليصبح الإعلام مهنة من لا مهنة له، وهذا ما يحدث اختلالا في منظومة القيم وعدم احترام للمهنة والعلم وأهل الاختصاص، على حد قولهم.

مطالبات بمقاطعة كل مؤسسة إعلامية توظف دخلاء الإعلام، في ظل صمت رهيب من الأسرة الإعلامية حول الوضع السائد في القطاع خاصة السمعي البصري

ويحذر هؤلاء من أن يصبح الإنتاج الإعلامي في الجزائر مشروعا اقتصاديا تُرصد له ميزانيات مالية ضخمة، وهدفه تجاري بحت لمستثمرين أدركوا أهمية ذلك القطاع الحيوي الذي يدرّ الأرباح. وحتى المرأة كمقدمة برامج يتم التعامل معها مثل أية سلعة، وهو ما دفع بعض مشاهير الشبكات الاجتماعية إلى التهجم على الصحافيين بالسب والشتم، والطعن في شرف أهل المهنة ما يمثل سابقة خطيرة لم تشهدها الساحة الإعلامية من قبل.

ويطالب الصحافي وسيم مرزوق في منشور على انستغرام بـ”مقاطعة كل مؤسسة إعلامية توظف دخلاء الإعلام، في ظل صمت رهيب من الأسرة الإعلامية حول الوضع السائد في القطاع خاصة السمعي البصري، وتوجد بعض الأطراف تستغل القطاع لتوظيف تافهي تيك توك الراقصين والرقصات وللأسف يقال أنهم مؤثرون ومؤثرات، فلا خير في أمة تتأثر بأشخاص دون وعي”. وأضاف أن ذلك ليس غيرة بل من “منطق يجب أن نمشي عليه من أجل إصلاح ما أفسده كل مسؤول عن هذه المهازل التي دخلت منازل جل الشعب الجزائري من خلال الشاشة التلفزيونية”.

وتابع “عار كبير عليكم أنكم أعطيتم الأهمية لنشر الجهل والأمية والفساد الأخلاقي في مجتمعا، وتجاهلتم إصلاح المجتمع من خلال التوعية وإعداد مواد إعلامية تنور الأمة الجزائرية. نحن في حرب إعلامية بين أهل المجال والدخلاء عليه، نكون أو لا نكون .حان وقت تطهير مهنة المتاعب من المهازل التي تنشر بتدفق كبير عبر الشبكات البرامجية التي تمثل الشخصية الجزائرية”.

واعتبرت المنظمة الوطنية للصحافيين الجزائريين، أن خرجات هذه الأطراف التي تتهجم عليهم، يندرج ضمن نشر خطاب الكراهية الذي حذر منه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مرارا وتكرارا، وقد تم سن قانون يُجرم مظاهر العنصرية والجهوية ودحض خطاب الكراهية، وعليه تحتفظ المنظمة بحقها في التأسيس كطرف مدني ضد كل من يشوه عمدا صورة الإعلام الوطني، والدفاع عن أي صحافي يكون عرضة للاعتداءات اللفظية أو الجسدية خلال تأدية مهامه.

وطالبت بوضع حد لظاهرة الدخلاء على مهنة الصحافة في البلاد وإنهاء الانتساب العشوائي، والإسراع في تطبيق قانون الإعلام الجديد الذي يحدّد تعريفاً واضحاً للصحافي وشروط الانتساب وأخلاقيات الممارسة المهنية. واعتبرت أن بعض هؤلاء المنتسبين إلى الصحافة الجزائرية “بطريقة غير قانونية”، “يتعمّدون المساس بكرامة الصحافيين”، و”هو ما يتطلب تدخّلاً عاجلاً من السلطات الوصية”، على غرار السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري المطالبة بالتحرك، و”العمل على وقف أي تجاوزات تمس بشرف الصحافيين وتشوه صورة مهنة الصحافة النبيلة”.

وطالبت المنظمة مسؤولي المؤسسات الإعلامية بـ”التحلي بالمهنية وأخلاقيات الصحافة، وتفادي منح الفرصة لمثل هؤلاء للتعدي على الأسرة الإعلامية من منابرها”، وحذّرت من أن بعض هذه التهجمات قد تدخل ضمن خطاب الكراهية ضد الصحافيين، وأعلنت أنها سوف تؤسّس طرفاً مدنياً للدفاع عن أي صحافي يكون عرضة للاعتداءات اللفظية أو الجسدية خلال تأدية مهامه.

حح

وحثّت الحكومة على الإسراع في إصدار القانون الأساسي الذي ينظّم الصحافة الجزائرية ويحدّد مهامها بشكل أدق. واعتبرت أن “الإسراع في إنشاء مجلس أعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة بالشكل المنصوص عليه في القانون العضوي للإعلام من شأنه ضبط العديد من الإشكالات المتعلقة بآداب وأخلاقيات المهنة”. وقد تجسد ذلك في القانون العضوي المتعلق بالإعلام وقانوني الصحافة المكتوبة والإلكترونية والنشاط السمعي البصري ومشروع قانون الصحافي الذي أكد وزير الاتصال، محمد لعڤاب أنه يخضع للروتوشات الأخيرة.

وقد انبثقت عن القوانين الجديدة المنظمة للمهنة هيئات جديدة، يتعلق الأمر بسلطة ضبط الصحافة المكتوبة والإلكترونية، السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري ومجلس أخلاقيات المهنة، وقبل ذلك أطلقت سنة 2020 ورشات تتعلق بإصلاح “شامل” لقطاع الإعلام، سبقت إعادة تكييف قوانين مع متطلبات المهنة التي تعرف تطورات تكنولوجية سريعة وأفرزت معضلات حقيقية بحاجة إلى تكييف تشريعي ومهني. وتنتظر الأسرة الإعلامية مشروع القانون الأساسي للصحفي، الذي يعد بمثابة دستور للمهنة، حيث يشمل جميع مهن الصحافة والمنتسبين إليها ويحدد الحقوق والواجبات ويضبط الكثير من المفاهيم والممارسات المتعلقة بصفة مباشرة بمهنة الصحفي.

وتروج السلطة للقانون بأنه يشكل دعامة حقيقية لقوانين الإعلام، حيث سيراعي جميع ضوابط المهنة، كما سيضمن حقوق مهنيي القطاع، من خلال إلزام أرباب المؤسسات الإعلامية بتحسين الحياة الاجتماعية للصحافي مع فتح الباب لتكوين نقابات شرسة في الإعلام تعيد التوازن للقطاع. كما سيكون القانون ضربة قاصمة للمؤسسات الإعلامية أو أربابها الذين تهربوا لسنوات من إمضاء الاتفاقيات الجماعية واحتكروا أرباح الإشهار دون الإعلاميين في القطاع الخاص، مع عدم تحسين أوضاع الصحافيين.

5