معركة صلاحيات بين هيئة الانتخابات والهياكل الإعلامية حول الانتخابات في تونس

صحافي يقاضي رئيس هيئة الانتخابات.
الجمعة 2024/08/09
خطوات جدلية

تونس - علقت اعتدال المجبري رئيسة مجلس الصحافة في تونس على دليل وسائل الإعلام للانتخابات الرئاسية 2024، الذي وضعته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، قائلة إن الأخيرة لم تتشاور مع الهياكل الإعلامية المعنية بتغطية المحطة الانتخابية المقبلة في إعداد الدليل، في انتقاد لاستحواذ الهيئة على الرقابة الإعلامية خلال هذه الفترة فيما يبدو سيناريو الخلاف يلوح في الأفق مع طرح الهياكل المهنية وثيقة جديدة بهذا الشأن.

وقالت المجبري “الجديد اليوم أن الولاية الكاملة تعود إلى هيئة الانتخابات وهو ما يؤثر على سلاسة التغطية.. ومن المفروض أننا نملك دروسا من انتخابات سابقة تؤخذ بعين الاعتبار”.

وأشارت إلى إصدار هيئة الانتخابات دليل وسائل الإعلام في الفترة والحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية 2024، مبينة أن الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعي والبصري (الهايكا) هي التي أصدرت الدليل خلال انتخابات 2014 و2019 بالتشاور مع هيئة الانتخابات، ولكن باتت الآن للهيئة الولاية الكاملة حيث أنها لم تتشاور مع أهل المهنة عند إصدار الدليل، وفق تأكيدها.

وكانت هيئة الانتخابات نشرت الاثنين “دليل وسائل الإعلام في الفترة والحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية 2024″، تضمّن جملة من القواعد والمحظورات التي يجب على المنصات الإعلامية والمرشحين الالتزام بها. وتضمن الدليل ثمانية محاور تتعلق بالمصطلحات والقواعد العامة المتعلقة بوسائل الإعلام وتعاملها مع المرشحين للانتخابات، فضلا عن بث ونشر نتائج سبر الآراء والإعلان عن نتائج الانتخابات، وقواعد التغطية الإعلامية وحضور المرشحين في وسائل الإعلام والمخالفات والعقوبات.

اعتدال المجبري: الجديد اليوم أن الولاية الكاملة تعود إلى هيئة الانتخابات وهو ما يؤثر على سلاسة التغطية
اعتدال المجبري: الجديد اليوم أن الولاية الكاملة تعود إلى هيئة الانتخابات وهو ما يؤثر على سلاسة التغطية

غير أن الهياكل الإعلامية في تونس قامت بمبادرة أخرى في مواجهة دليل هيئة الانتخابات؛ إذ قدمت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومجلس الصحافة، الاثنين، وثيقة توجيهية للصحافيين في تغطية الانتخابات الرئاسية.

وتأتي هذه المبادرة من قبل الائتلاف المكون للهياكل المهنية، الممثل عن الجمهور والصحافيين والطرف التعديلي الرقابي، حسب نقيب الصحافيين زياد دبار، كأحد الضمانات لمسار انتخابي أكثر توازنا وشفافية وتعددية.

وأشار دبار إلى أن هذه الوثيقة جاءت بهدف تنظيم العمل الصحفي من خلال بسط العناوين والقواعد الكبرى في تغطية الانتخابات الرئاسية، منوها بأن النقابة ستعقد الأسبوع المقبل عددا من الورشات التفاعلية لتحضير مخطط تغطية كامل لهذه الانتخابات.

وبين نقيب الصحافيين أن غياب الهايكا ترك فراغا كبيرا، مضيفا “لأول مرة منذ سنة 2011 نجد أنفسنا في وضعية صعبة جدا وهي غياب هيئة تعديلية”.

واعتبر دبار أن غياب الهيئة التعديلية بمباركة من طرف السلطة السياسية أعطى هيئة الانتخابات الولاية العامة على الانتخابات، مشيرا إلى أن “هيئة الانتخابات نصبت نفسها مفتشا حتى على ضمائر الصحافيين”.

وأكد أنه في ظل انتخابات حساسة ومفصلية في تاريخ البلاد ومناخ سياسي صعب، هناك العديد من الالتزامات المهنية التي وجب على الصحافيين الالتزام بها واحترامها.

وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد أثارت الجدل حول عدد من السياسيين الذين أعلنوا نيتهم الترشح لمنافسة الرئيس قيس سعيد في الانتخابات المقبلة، من بينهم رؤساء أحزاب مسجونون دون أحكام نهائية وآخرون مقيمون بالخارج. وقد أثار عدد ممن أعلنوا ترشحهم تخوفهم من عدم تكافؤ الفرص خصوصا من خلال التغطية الإعلامية، مع تحجيم دور الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري وسحب صلاحيات مراقبة التغطيات الإعلامية للانتخابات منها لصالح هيئة الانتخابات.

ويبدو أن هيئة الانتخابات تواجه انتقادات واسعة، فيما يحاول ممثلو المنظمات والهيئات الإعلامية عدم إفساح المجال لها للانفراد بمهمة الرقابة على التغطية الانتخابية، حيث أفادت المجبري الخميس بأن الفترة الانتخابية لا تقتصر على الحملة الانتخابية، مشددة على أهمية دور وسائل الإعلام التي تساهم بشكل محوري في إنجاح الانتخابات الرئاسية في علاقة بالناخبين.

وأضافت “ما ننتظره من وسائل الإعلام هو الحياد وأخذ مسافة من كل المترشحين دون استثناء بمن في ذلك رئيس الجمهورية بصفته مترشحا، في ظل وجود صعوبات في التمييز بين أنشطته كرئيس وكمترشح”.

النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومجلس الصحافة قدمت وثيقة توجيهية للصحافيين في تغطية الانتخابات

وتابعت قائلة “ننتظر أيضا من وسائل الإعلام المساواة بين المترشحين وتوفير المعلومة الدقيقة حول كل المسار الانتخابي والقوانين، والسعي إلى الحقيقية”.

وتحدثت عن القرار عدد 545 المتعلق بالتغطية الإعلامية للحملة الانتخابية وهو الإطار القانوني، مشيرة إلى توسيع قاعدة العقوبات، حيث كانت الهايكا تحيل إلى النيابة العمومية، فيما أضيفت الآن المجلة الجزائية والمرسوم 54 وهو ما يمثل ضغطا كبيرا على الصحافيين في ممارسة عملهم خاصة الميداني، حيث كان يفترض أن يكون تحت طائلة المرسوم 115.

وأضافت المجبري “على وسائل الإعلام أن تتثبت جيدا في الدليل”، مشيرة إلى الوثيقة التوجيهية الصادرة عن نقابة الصحافيين والتي تعد مهمة للغاية حيث تضمنت أخلاقيات المهنة والحقوق والواجبات بالنسبة إلى الصحافيين، وأيضا الصعوبات التي تواجههم في تغطية الانتخابات.

وأكدت أن هدف الهياكل هو إنجاح الانتخابات وإنارة الرأي العام، مضيفة “المسألة تعاونية وتشاركية ويفترض ألا تخضع لهذا الكم من العقوبات”.

وأبرزت أن هناك مبادئ متعلقة بالمؤسسة الإعلامية في ما يتعلق بالإشهار وسبر الآراء والخلط بين الإشهار والحملة الإعلامية، مشددة على أن حقوق الصحافيين ليست مدرجة بالشكل الكافي في دليل الهيئة.

ودخل الصحافي المعروف بانتقاداته للسلطة زياد الهاني على خط الجدل، وأفاد الأربعاء بأنه قدم شكوى لدى المحكمة الابتدائية بتونس ضد رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر.

وأوضح الهاني في تدوينة له على فيسبوك أنه “على إثر التهديدات التي وجهتها هيئة الانتخابات مؤخرًا لإذاعة موزاييك المحلية والصحافيتين آسيا العتروس وكوثر زنطور، ومن خلالهما لكل الصحافيين، أودعت (…) بواسطة المحامي محمد عبو في وكالة الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس، شكوى ضد رئيس هيئة الانتخابات”.

وأضاف الهاني أنه يطلب عن طريق الشكوى التي تقدم بها “تتبع رئيس هيئة الانتخابات طبقًا للفصل 14 من المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المتعلق بحرية الصحافة، والفصل 73 من المجلة الجزائية”.

وينص الفصل 14 من المرسوم عدد 115 لسنة 2011 على أنه “يعاقب كل من يخالف الفصول 11 و12 و13 من هذا المرسوم وكل من أهان صحافيّا أو تعدى عليه بالقول أو الإشارة أو الفعل أو التهديد حال مباشرته لعمله بعقوبة الاعتداء على شبه موظف عمومي المقررة بالفصل 123 من المجلة الجزائية”.

كما ينص الفصل 73 من المجلة الجزائية على أنه “يعاقب بالسجن بقية العمر وبخطية قدرها مئتا ألف دينار من يقبل بمناسبة ثورة أن يقيم نفسه بدل الهيئات الحاكمة المكوّنة بمقتضى القوانين”.

وتأتي الشكوى على إثر تلقي إذاعة موزاييك تنبيهًا من هيئة الانتخابات حول ما اعتبرته ”تعمد الإساءة والاستهزاء بالهيئة والمسار الانتخابي”.

واستندت هيئة الانتخابات في تنبيهها، وفق بيان للإذاعة، إلى تصريحات الصحافيتين كوثر زنطور وآسيا العتروس بتاريخ 24 يوليو في أحد برامج الإذاعة، معتبرة أنّ في ذلك خرقًا لقواعد وضوابط الفترة الانتخابية، وخاصة المتعلقة بواجب الحياد والموضوعية والتوازن في تغطية الشأن الانتخابي في برامج موزاييك الحوارية والسياسية وغياب الرأي المخالف، حسب ما جاء في تنبيه هيئة الانتخابات.

وقد عبرت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، في تعليقها على ذلك، عن رفضها لرقابة هيئة الانتخابات على المضامين الصحفية بما يتعارض مع صلاحياتها ويتناقض مع أحكام الدستور والمعايير الدولية في مجال حرية الصحافة والتعبير، حسب ما جاء في بيان لها.

5