معركة جديدة حول حقوق النشر والتأليف بين المبدعين والذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي يدخل مجال الإبداع ويهدد المؤلفين والفنانين والقانون هو الحل.
الخميس 2023/03/09
أي قانون يمنع الذكاء الاصطناعي من نهب المؤلفين

لا ينفك المبدعون وغيرهم من شتى أنحاء العالم عن المطالبة بضرورة توحيد الجهود وإيجاد تشريعات عالمية لحماية حقوق الملكية الفكرية في كافة مجالاتها تتناسب مع التغيرات المتسارعة في ظل الانتشار الكبير لاستخدام الإنترنت والتطبيقات الجديدة، إضافة إلى التقنيات الحديثة. وهو مسار متداخل للغاية ويحتاج إلى جهود مشتركة لمواجهته.

باريس – غير الذكاء الاصطناعي الكثير من المفاهيم حول الإبداع، فقد دخل في إنتاج الرسومات والنصوص الأدبية والموسيقى وغيرها من الممارسات التي كانت لوقت قريب حكرا على البشر.

التغييرات التي طرأت بسبب الذكاء الاصطناعي ومنجزاته طرحت تحديات معقدة أمام المبدعين حول حقوقهم وملكياتهم الفكرية التي لا يجادل أحد في جدارة العناية بها وصونها.

نهب الآخرين

لمواجهة الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم أعمالهم لتوليد محتوى، بدأ المؤلفون والفنانون أخيرا في رفع دعاوى لحماية حقوقهم، إلا أنّ معاركهم القضائية لن تكون سهلة. ففي أوروبا كما في أميركا الشمالية، يميل القانون إلى تأييد الذكاء الاصطناعي مع أن الوضع قد يتغير، بحسب محامين.

رفض منح أي حقوق نشر لقصص فكاهية أنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة يبيّن حجم الرهان القانوني

وفي يناير، في الولايات المتحدة، قدم ثلاثة فنانين شكوى ضد شركات “ستايبل ديفيوجن” و”ميدجورني” و”ديفاينت آرت”، فيما اشتكت وكالة التصوير “غيتي” ضد “ستايبل ديفيوجن”. ويحتج المدعون على حق الذكاء الاصطناعي في معالجة مليارات من النصوص أو الصور، ما سمح بـ”تلقين” هذه التكنولوجيا لبناء قدراتها.

وفي أوروبا، تتيح مذكرة أوروبية صادرة عام 2019، اعتُمدت في 22 دولة بينها فرنسا، هذا الحق في التنقيب عن البيانات، بما في ذلك المحتوى المحمي بحقوق الطبع والنشر، إذا كانت هذه البيانات متاحة للجمهور، إلا إذا اعترض صاحب الحقوق صراحة.

يقول المحامي شارل بوفييه من شركة “راسين” للمحاماة إن “هذا الاستثناء على حق المؤلف، المعد خصيصا للسماح بتطوير هذه التقنيات، لم يلاحظه أحد نسبيا”.

ويؤكد أن “لأغراض البحث، هذا الاستثناء مطلق، من دون معارضة محتملة. ولكن للأغراض التجارية، يمكن لأصحاب الحقوق رفضه والإشارة إليه في الشروط العامة للموقع، على سبيل المثال”.

وتكمن الصعوبة في ضمان احترام رغبتهم. إذ يتساءل المحامي بيار بيرو من شركة “أوغوست دوبوزي” للمحاماة “كيف يمكن معرفة ما إذا استُخدم عمل ما في مرحلة التلقين الآلي للذكاء الاصطناعي؟”.

ويجيز القانون الأميركي أيضا التنقيب عن البيانات للاستخدام العادل، ما كُرّس خلال دعوى قضائية ضد غوغل مرتبطة بالتحويل الرقمي للكتب فازت بها المجموعة الأميركية العملاقة.

وبالنسبة إلى المحتوى الذي تم إنشاؤه، فإن الوضع القانوني صعب. فهل يمكن تصنيفه ضمن خانة عمليات التزييف، خصوصاً إذا طلب مستخدم من برمجية الذكاء الاصطناعي عملا “بأسلوب” المؤلف أو يقلد شعارا معينا؟

ولا يعترف القانون الفرنسي والأوروبي، مثل القانون الأميركي، بالتزييف إلا في حالة وجود نسخة من عمل محدد. ويقول المحامي إريك باربري من شركة “راسين” للمحاماة “لا يمكن حماية أي نوع أدبي أو أسلوب أو فكرة بموجب حقوق النشر”.

رفض مكتب حقوق الطبع والنشر في الولايات المتحدة منح أي حقوق نشر لقصص فكاهية أنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي

من ناحية أخرى، إذا تم التعرف على المصدر بوضوح في الصورة التي أُنشئت، فإن هذا السؤال يطرح تلقائيا. وفي أوروبا، يمكن لمفهوم “التطفل” أن يحمي الفنانين الذين تُنسخ أعمالهم بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو يعاقب على “نهب” جهود الآخرين.

ويمنح هذا القانون الفرنسي الحق في الحصول على تعويضات إذا ثبت أن عمليات النسخ تسببت بأرباح فائتة لأصحاب الحقوق.

وفي الآونة الأخيرة، فازت دور أزياء فاخرة في دعاوى ضد جهات عاملة في قطاع الموضة بتهمة سرقة عناصر من “عالمها”، وفق المحامي مارك موسيه من شركة “أوغوست دوبوزي” للمحاماة.

أخيراً، هناك مسألة الاستخدام التجاري لهذا المحتوى. لمن يعود هذا الحق؟ وهل يمكن بيعه والإفادة من حقوق الطبع والنشر؟

بدايةً، يرى المحامون أن الذكاء الاصطناعي ليس مالكا ولا مؤلفا ولا مسؤولا. ويقول المحامي بيرو “تشير أنظمة الذكاء الاصطناعي في شروطها العامة إلى أن المستخدم وحده هو المسؤول عن طريقة استخدام المحتوى”، لذلك “لا يوجد ما يمنع من تسويقه”.

هل يجب أن يُذكر صراحة أن المحتوى متأتٍ من تقنيات الذكاء الاصطناعي؟ قد يكون هذا هو الحال بهدف إعلام المستهلكين. ويمكن أن تنص مذكرة أوروبية مستقبلية عن الذكاء الاصطناعي على موجب يتعلق بالشفافية.

ويبقى موضوع حقوق التأليف والنشر، حيث يحدد القانون الفرنسي والأوروبي أنه لا يمكن الاستفادة من هذا الحق إلا إذا كان العمل المعني أصلياً ويعبر عن شخصية المؤلف. و”هذا يعني أن المؤلف شخص طبيعي”، وفق المحامي بوفييه. ويؤكد المحامي باربري أنه “سيكون معقداً لمستخدمي الذكاء الاصطناعي أن يقدّموا أنفسهم كمؤلفين بكل معنى الكلمة”.

ولم تتخذ أي محكمة في أوروبا قرارا بعد في هذا الشأن، ولكن في الولايات المتحدة رفض مكتب حقوق الطبع والنشر أخيراً منح أي حقوق نشر لقصص فكاهية أنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي.

مثال الصورة

منتجات الذكاء الاصطناعي ستتبع المسار الذي سلكه التصوير الفوتوغرافي، الذي بقي يُعتبر نتاجاً لأداة وليس عملاً
منتجات الذكاء الاصطناعي ستتبع المسار الذي سلكه التصوير الفوتوغرافي، الذي بقي يُعتبر نتاجاً لأداة وليس عملاً

ويبدو من الصعب تحديد قانون واضح ومتفق عليه حول استخدامات الذكاء الاصطناعي الذي دخل عالم التأليف الأدبي والرسم والموسيقى وغيرها من الأنماط الإبداعية، علاوة على دوره الأساسي في البحث والنقد.

ويوضح المحامي بيرو أن ما وقع في الولايات المتحدة من رفض منح حقوق الملكية الفكرية للذكاء الاصطناعي “هو النهج الذي يمكن أن تتبعه المحاكم الأوروبية. مع تحفظ واحد”.

ويستشهد بحالة “مسرح أوبرا الفضاء”، وهي صورة أنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي وفازت بمسابقة في سبتمبر. وقد أمضى منتج الصورة 80 ساعة في تنقيحها للوصول إلى المنتج النهائي.

ويوضح بيرو “يمكننا أن نعتبر في هذه الحالة أن المستخدم كان له دور رئيسي وأن هناك مجالاً لحقوق الطبع والنشر”، متحدثاً عن الجهود المبذول في “الإشراف والاختيار والتحليل”.

وبالتالي، فإن منتجات الذكاء الاصطناعي ستتبع المسار الذي سلكه التصوير الفوتوغرافي الذي بقي يُعتبر نتاجاً لأداة وليس عملاً حتى صدور حكم من محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي في عام 2011 اعترف بالمصورين على أنهم أصحاب “خيارات إبداعية”.

12