معركة الفاشر تثير أزمة بين الدعم السريع والمجتمع الدولي

مخاوف سودانية من اندلاع نزاعات ذات طبيعة انفصالية.
الثلاثاء 2025/04/15
مأساة تتجدد

يقود سقوط مدينة الفاشر في يد قوات الدعم السريع إلى تغيير كلي في موازين القوى بإقليم دارفور الذي يحظى بأهمية إستراتيجية، ويؤثر على وضع السودان ككل، وقد يفتح الباب أمام بروز نزاعات جديدة ذات طبيعة انفصالية.

الخرطوم - عكست إدانات عربية ودولية لاستهداف قوات الدعم السريع معسكر زمزم للنازحين على تخوم مدينة الفاشر في شمال دارفور، مخاوف من اتساع نطاق الصراع في السودان وخروجه عن السيطرة، وسط رفض عام لجرائم ارتكبت بحق مدنيين أخيرا، ما يضاعف من الضغوط على الدعم السريع التي تريد استعادة توازنها عسكريا بالسيطرة على الفاشر بعد انتصارات حققها الجيش في الخرطوم.

وأعربت وزارة الخارجية الأميركية عن قلقها إزاء تقارير أفادت بشن قوات الدعم السريع هجمات على مخيمي زمزم وأبوشوك للنازحين ومدينة الفاشر، مشددة على ضرورة أن تفي الأطراف المتحاربة في السودان بالتزاماتها، ودعت لحماية المدنيين وفتح ممرات لتمكين وصول المساعدات والمرور الآمن.

وصدرت إدانات من جهات عديدة، مثل مصر والإمارات والسعودية وقطر والأردن والأمم المتحدة، ما يبرهن أن الأزمات الإنسانية الصعبة التي يعانيها السودانيون باتت محل اهتمام عربي ودولي، مع تزايد تشريد نازحين فروا من الصراع الضاري في البلاد.

وتزايدت الحشود العسكرية من قبل الدعم السريع على تخوم مدينة الفاشر التي يتحصن داخلها الجيش وحلفاؤه من عناصر الحركات المسلحة التي تشكل قوة مشتركة.

عبدالواحد إبراهيم: الدعم السريع قد تسيطر على مدينة الفاشر في أي لحظة
عبدالواحد إبراهيم: الدعم السريع قد تسيطر على مدينة الفاشر في أي لحظة

وتفسر الإدانات الدولية بأن سقوط مدينة الفاشر في يد الدعم السريع يقود إلى تغيير موازين القوى في إقليم يحظى بأهمية إستراتيجية، ويؤثر على وضع السودان ككل، ويفتح الباب لصراع وقوده حركات مسلحة لها جيوش قد تحاول تحقيق مكاسب، بعيدا عن سياقات الحرب بين الجيش والدعم السريع، ما يفضي إلى مزيد من الفوضى الأمنية.

ويؤكد الاهتمام الخارجي بما يحدث في السودان أن الذهاب باتجاه المفاوضات السياسية وصد محاولات فصل دارفور، أمر متفق عليه ضمنيا، كي لا يؤدي الموقف إلى اندلاع نزاعات ذات طبيعة انفصالية، خاصة أن الدعم السريع تنتظر حسم معركة الفاشر للإعلان عن حكومة موازية، يتم التجهيز لها حاليا في العاصمة الكينية نيروبي.

ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش هجمات الدعم السريع بأنها “انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني،” مشددا على ضرورة محاسبة مرتكبي هذه الجرائم وضمان وصول آمن ودون عوائق إلى مخيم زمزم ومحيطه، ودعت الأمم المتحدة إلى وقف فوري للأعمال العدائية وحماية المدنيين وعمال الإغاثة.

وقال المحلل السياسي السوداني عبدالواحد إبراهيم إن ما حدث في معسكر زمزم للنازحين جريمة حرب ضد الإنسانية وتهجير متكرر لمن عانوا ويلات الحروب في دارفور منذ أن اندلعت عام 2003، والآن يتم إعادة الكرة مرة أخرى تجاه مئات الآلاف من المواطنين، ويكشف ذلك عن إصرار الدعم السريع على الاستمرار في استهداف المدنيين لتحقيق أهداف عسكرية، والأمر الإيجابي الوحيد أن هذه الجرائم قد توقظ ضمير المجتمع الدولي الذي تخلى عن السودان.

وأضاف إبراهيم في تصريح لـ”العرب” أن تحالفات الدعم السريع التقليدية مع بعض الدول الأفريقية لن تتأثر كثيرا، لكنها ستواجه بالمزيد من الضغوط الدولية، لأن علاقاتها القوية مع دول الاتحاد الأوروبي تراجعت بشكل كبير منذ اندلاع الحرب، وكانت الدعم السريع تقوم بدور إيجابي في منع الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وتوجد حاليا سيولة كبيرة على الحدود، وتصاعد في أعداد المهاجرين السودانيين.

وأشار إلى أن الترويج لفكرة أن الحواضن الاجتماعية في دارفور مؤيدة جميعها للدعم السريع ليس صحيحا، فهناك قبائل في جنوب كردفان ودارفور لا تنظر بإيجابية إلى هذه القوات، ما يضاعف حدة الغضب الشعبي جراء ما ترتكبه، وذلك لا يلغي أن الدعم السريع قد تسيطر على مدينة الفاشر في أي لحظة.

وسيطرت قوات الدعم السريع على معسكر زمزم للاجئين، ونشرت وحدات بهدف حماية المدنيين والعاملين في المجال الطبي الإنساني داخل المخيم الذي يأوي نازحين في شمال دارفور، لكن جرى استخدام المعسكر كقاعدة عسكرية واستغلال المدنيين كدرع بشري، وهذا الأمر يُعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني.

شريف عثمان: ضرورة تفكيك شراكات الجيش مع التنظيمات الإسلامية
شريف عثمان: ضرورة تفكيك شراكات الجيش مع التنظيمات الإسلامية

ويمكن أن تترك معركة الفاشر تأثيرها على شكل وهوية الجيش السوداني، لأن توالي مناشدات الحركات المسلحة للقوات بأن تقدم المساندة اللازمة لها يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هناك رغبة لدى التنظيمات الإسلامية المتوغلة داخل بنية الجيش بأن يبقى مؤسسة قومية تتعامل مع جميع السودانيين سواسية، أم أن خطته قامت على تحرير ولايات الوسط والشمال وترك دارفور لمصيرها مع قرب سيطرة الدعم السريع على الإقليم.

وذكر القيادي في تحالف “صمود” شريف عثمان أن انتهاكات الدعم السريع الآن ستكون لها آثار سلبية على سمعتها في الخارج، وما حدث مؤخراً لا يعفي الأطراف (الجيش) التي رفضت السلام في مفاوضات جدة 1 و2 والمنامة وجنيف بدفع من الحركة الإسلامية المتحالفة مع الجيش وتورطت في عملية تسليح المدنيين في معسكر زمزم، وما يتعرض له أبناء الفاشر من معاناة بسبب الإصرار على المسار العسكري.

ولفت عثمان في تصريح لـ”العرب” إلى أن دارفور ساحة لنزاعات متكررة بين المتصارعين على السلطة في الخرطوم، والكلفة الإنسانية كبيرة للغاية وترتب عليها أكثر من 300 ألف قتيل، وتحاول القوى المدنية بقيادة تحالف “صمود” أن لا يكون الإقليم ساحة جديدة للصراع والضغط على الطرفين المتحاربين للرضوخ للسلام.

وأكد أن المعارك الدائرة لن تعوق الحلول السياسية، ومن الضروري إقناع من قطعوا الطريق على محاولات التسوية سابقا بتغيير مواقفهم، لأن ذلك بوابة مهمة لإنهاء الصراع، ويتطلب الأمر تفكيك شراكات الجيش مع التنظيمات الإسلامية.

2