معركة الأخبار المفبركة تعطل حملة التطعيم ضد كورونا في إسرائيل

أحد معالم الواقع الجديد، الذي أفرزته أزمة تفشي الجائحة حول العالم، يتجسد في جنوح الناس إلى استقاء المعلومات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت سمة لنشر الأخبار المضللة. ويبدو أن تلك المنصات أثرت كثيرا على الحملات المتعلقة بالتطعيم ضد فايروس كورونا وجعلت من جهود الجهات الصحية أمام معركة أخرى لا تقل حدة عن المعارك في الجبهات الأخرى.
القدس- غرقت مواقع التواصل الاجتماعي بسيل من الأخبار المفبركة مع تفشّي جائحة كوفيد – 19 قبل نحو عام من الآن، ويبدو أن الأمر نفسه يتكرر ويلقي بظلاله اليوم على حملات التطعيم في العديد من دول العالم والتي أدت إلى تباطؤ في وتيرتها على نحو غير متوقع.
وفي الشرق الأوسط، تلقي إسرائيل باللوم على المعلومات الخاطئة، التي تنتشر في الإنترنت، في تراجع إقبال الإسرائيليين على تلقي اللقاح رغم أن معدلات التطعيم هي من بين أعلى المعدلات في العالم، وتترقب العديد من الدول التجربة الإسرائيلية لفهم ما قد ينتظر البشرية في المستقبل.
وتتبع وزارة الصحة الإسرائيلية سياسة الثواب والعقاب في الوقت الذي تحاول فيه إقناع الرافضين لتلقي التطعيم. وقد عيّنت فريق عمل رقمي لمواجهة الادعاءات الزائفة حول اللقاحات، بينما تلجأ الحكومات المحلية إلى منسقي الأغاني ومانحي الطعام المجاني لجذب الناس إلى مراكز التطعيم.
ويقول إسحاق شرف وإيلان بن زيون وهما مراسلا وكالة أسشويتد برس من القدس إنه يمكن قريبًا أن تصبح الحفلات الموسيقية والمتاحف محظورة على هؤلاء الذين لم يتلقوا اللقاح. وقد أعلن وزير الصحة يولي إدلشتاين على تويتر “أن القرار لك إذا كنت تريد أن تصبح جزءًا من الاحتفال أم ستتخلف عن الركب. فقط اذهب وتلقّى التطعيم”!
ومنذ إطلاق حملة لقاح ضد فايروس كورونا في ديسمبر الماضي، تلقى أكثر من ربع الإسرائيليين أي نحو 2.5 مليون شخص جرعتين من لقاح “فايزر”، بينما أكثر من 44 في المئة حصلوا على الجرعة الأولى، وفقاً لوزارة الصحة.
لكن حدث ما يبعث على القلق بعد أن شهدت إسرائيل انخفاضًا في معدلات التطعيم منذ إتاحة اللقاح للجميع فوق سن 16 هذا الشهر. ومنذ بداية الشهر الجاري، بلغ متوسط عدد التطعيمات في إسرائيل 106 آلاف لقاح يوميًا، وهو انخفاض من المعدل اليومي لشهر يناير الذي بلغ 127 ألف تطعيم يوميا.
ويعد إحجام بعض الشرائح المجتمعية عن التطعيم سبباً رئيسياً وراء استمرار ارتفاع معدلات الإصابة، في إسرائيل البالغ عدد سكانها 9.3 مليون نسمة، لتصل إلى أكثر من 5 آلاف حالة إصابة جديدة كل يوم خلال الأسبوع الماضي. وفي الإجمال، سجلت إسرائيل أكثر من 723 ألف حالة إصابة بالفايروس منذ بداية الوباء وما يقرب من 5400 حالة وفاة، أي أكثر من 20 في المئة منهم في الشهر الماضي.
وفي الأسبوع الماضي، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي علق آماله في إعادة انتخابه على حملة التطعيم، إن “العقبة الوحيدة التي تقف أمام إكمال المهمة”، التي وفرت لها الحكومة الملايين من الدولارات في جهودها لتثقيف الإسرائيليين هي “الأخبار الكاذبة والمعتقدات الخرافية التي يشاهدها الجمهور على الإنترنت”.
وكانت المهمة معقدة لأن شرائح المجتمع المختلفة قاومت دعوات التطعيم لأسباب مختلفة، فقد دعا بعض القادة الدينيين المتشددين والمؤثرين أتباعهم إلى عدم تلقي التطعيم. وفي غضون ذلك، تنعدم ثقة الأقلية العربية في إسرائيل في القيادة اليهودية. وكثيرا ما يعتقد الإسرائيليون الأصغر سنا أنهم لن يصابوا بعدوى الفايروس.
وتقول إيناف شيمرون، نائبة مدير العلاقات الدولية بوزارة الصحة، إن الوزارة تعمل مع الأطباء والزعماء الدينيين لمواجهة انتشار المعلومات الخاطئة، مثل الادعاءات بأن اللقاح يمكن أن يسبب العقم.
وتدير الوزارة مركز قيادة يضم 11 متتبعا سيتم دعمه بأشخاص آخرين، يراقبون نشاط الشبكات الاجتماعية بحثًا عن منشورات ضد التطعيم باللغات العبرية والروسية والأمهرية والعربية والإنجليزية.
وتؤكد شيمرون أن المركز ينبه وزارة العدل إلى أي معلومات خاطئة، لإزالتها على الفور. وقالت “لقد اتصلنا بالشرطة مرات عديدة على أساس أن الادعاءات الكاذبة تشكل خطراً على الصحة العامة”.
وفي المجتمع المتشدد، حيث يكون استخدام الإنترنت منخفضا إلى حد كبير، تكون الاستجابة عادة بعيدة عن استخدام التكنولوجيا، حيث ينشر الحاخامات المعادون للتلقيح ادعاءات كاذبة على اللافتات التي تستخدم عادة لنشر الرسائل بين أتباعهم، في المقابل تستخدم الوزارة اللافتات الخاصة بها.
ونشر الحاخام يوفال هكوهين أشيروف، وهو واعظ يهودي شهير له الكثير من المتابعين على الإنترنت، والذي صرح بأن الفايروسات لا تسبب الأمراض، العديد من مقاطع الفيديو التي لا تشجع على تلقي اللقاح والتي حظيت بالآلاف من المشاهدات.
كما زعم مقطع فيديو حديث كذبا أن لقاح كورونا يسبب الوفاة. وظهر أشيروف من خلاله يقول “لماذا تهرول لتلقي التطعيم؟ دعونا نفعل ذلك بعد نصف عام آخر. ربما. دعونا نرى ما سيحدث. لماذا يجب على السويسريين والصينيين استخدامنا كخنازير تجارب ليروا ماذا سيحدث”؟
وبينما لم يتضح ما إذا كان قد تم حذف مقطع أشيروف، يؤكد أفيشاي ماتيا، وهو ناشط آخر في مجال معارضة اللقاحات، أن حساباته على فيسبوك وتويتر التي تحظى بالآلاف من المتابعين تم تعليقها هذا الشهر فيما وصفه “برد فعل عنيف من قبل عمالقة التكنولوجيا بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ومجموعات أخرى”.
وزعم ماتيا خطأً أن لقاح فايزر هو “عقار تجريبي” يتم اختباره على المواطنين الإسرائيليين، بينما تم منحه الموافقة على الاستخدام الطارئ في الولايات المتحدة وأوروبا. وفي مقابل الحصول على كميات كافية لشعبها، وافقت إسرائيل على مشاركة البيانات مع شركة فايزر، رغم أنها لا تجري أي تجارب.
ولمواجهة الأخبار المضللة، رصدت الحكومة حوافز للذين يتلقون اللقاح. وقالت وزارتا الصحة والثقافة الأحد الماضي، إن “المتاحف والمكتبات وأماكن الحفلات الموسيقية وغيرها من الفعاليات الثقافية ستفتح في وقت لاحق من هذا الشهر ولكن فقط لأولئك الذين تم تطعيمهم”.
وتعمل وزارة الصحة على تجنيد العشرات من المؤثرين الإسرائيليين على الشبكات الاجتماعية للترويج للتطعيم بالتنسيق مع حملة مقاطع الفيديو الخاصة بها على الإنترنت. وأظهرت إحدى الرسائل الصادرة في يوم عيد الحب رجلا يقدم لصديقته صندوقًا صغيرًا يبدو أنه يحتوي على خاتم خطوبة، وهو يسألها “هل ستتلقين التطعيم معي؟”، وهو يفتح الصندوق لتجد حبيبته به قنينة لقاح.
وزارة الصحة تدير مركز قيادة يضم 11 متتبعا سيتم دعمه بأشخاص آخرين، يراقبون نشاط الشبكات الاجتماعية بحثًا عن منشورات ضد التطعيم باللغات العبرية والروسية والأمهرية والعربية والإنجليزية
وحاولت مدينة بني براك المتشددة تشجيع التطعيم من خلال تقديم الطعام المجاني للذين يتم تطعيمهم. وقال متحدث باسم البلدية إن “تقديم الطعام المجاني الخميس جلب ثلاثة أضعاف العدد المعتاد من المستفيدين”.
واستعانت حولون، وهي إحدى ضواحي تل أبيب، بمساعدة منسقي الأغاني ومقيمي الأجواء الاحتفالية لجذب هؤلاء الذين تزيد أعمارهم عن 16 عاماً لتلقي التطعيمات. وتظهر أرقام الوزارة أن الإسرائيليين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و30 عامًا قد تم تطعيمهم بمستويات أقل بكثير من المعدل الوطني.
ومع ذلك، بالنسبة إلى العديد من الإسرائيليين الشباب ومتوسطي العمر، كان توفر اللقاحات حافزًا كافياً لحجز أماكنهم في صفوف التطعيمات. وفي مركز تطعيم في تل أبيب، قالت موران كيريت إن صديقًا لها أقنعها بالذهاب لأن “فايروس كورونا لم يختف إلى الآن. وإذا لم ينته الفايروس، فأنا هنا إذاً لآخذ التطعيم”.