معركة إرادات بين أقطاب السلطة في السودان.. فلمن الغلبة

يعكس الصراع الدائر حاليا في السودان حول “مجلس شركاء الفترة الانتقالية” أزمة ثقة متجذرة بين القوى المدنية والعسكرية، الأمر الذي يعزز الشكوك في مدى قدرة الطرفين على تمرير ما تبقى من الفترة الانتقالية بسلاسة.
الخرطوم – فجّر مجلس “شركاء الفترة الانتقالية” خلافا حادا بين أقطاب السلطة في السودان، وهم المكون العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير ومجلس الوزراء، إذ توالت بيانات رافضة ومتحفظة على قرار تكوينه.
وكان رئيس مجلس السيادة، الفريق عبدالفتاح البرهان، أعلن الأسبوع الماضي عن تشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية مكونا من 29 عضوا، ومنحه صلاحيات عديدة.
وسارعت الأطراف المدنية في السلطة الانتقالية إلى إعلان رفضها لهذا القرار، فيما تحفظ البعض على الطريقة التي تم بها تشكيل المجلس والصلاحيات الواسعة التي منحت له.
وتباينت الآراء بشأن المجلس، فالبعض وصفه بأنه “انقلاب” وآخرون اعتبروه “تغولا” على مستويات الحكم المعلومة في الفترة الانتقالية، وهي مجالس السيادة والوزراء والتشريعي، فيما تبناه جزء آخر رأى فيه حلا لإنهاء التضارب والانقسام المسجل خلال الفترة الأولى من المسار الانتقالي.
ويقول متابعون إن الخلاف الدائر يتجاوز في واقع الأمر مسألة المجلس إلى عملية شد حبال بين طرفي نقيض يحاول كل منهما فرض نفسه صاحب الكلمة الطولى في القرار السوداني.
ويشير المتابعون إلى أزمة ثقة متجذرة بين المكونين العسكري والمدني، وأن كل طرف يبدو متحفزا للانقضاض على الآخر الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان التكهن بمرور ما تبقى من الفترة الانتقالية بسلام.
وكان المجلس العسكري (المنحل) وقوى “إعلان الحرية والتغيير” وقعا في 17 أغسطس 2019، وثيقة دستورية بشأن تقاسم السلطة خلال الفترة الانتقالية.
وحددت الوثيقة تكوين المجلس التشريعي بعد 3 أشهر من بدء المرحلة الانتقالية، أي في يناير الماضي، لكنه لم يتشكل حتى الآن.
واعتمد مجلسا السيادة والوزراء في 2 نوفمبر الماضي، تعديلات للوثيقة، باسم “الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية (تعديل) لسنة 2020″، تتضمن تكوين “مجلس شركاء الفترة الانتقالية”.
ودعمت قوى الحرية والتغيير في البداية تشكيل هذا المجلس حتى أنها تولت مهمة تسمية الممثلين المدنيين داخله، بيد أنها تراجعت عن ذلك، مشككة في نوايا المكون العسكري، في ظل بنود تضمّنها التشكيل قابلة لتأويلات كثيرة.
واعتبرت قوى الحرية أن الغرض من مجلس الشركاء هو مزيد من التأجيل لتشكيل برلمان الفترة الانتقالية (المجلس التشريعي)، المنوط به سن القوانين.
ويضم مجلس الشركاء في عضويته، إلى جانب البرهان وأعضاء مجلس السيادة العسكريين الأربعة الآخرين، قائدا ثانيا “قوات الدعم السريع” (تابعة للجيش) عبدالرحيم دقلو، ورئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك. كما يضم 13 عضوا من قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم)، و5 من قيادات “الجبهة الثورية” (حركات مسلحة).
ووقعت الحكومة وممثلون عن “الجبهة الثورية” في 3 أكتوبر الماضي، اتفاق سلام في جوبا. ويختص مجلس الشركاء، وفق قرار البرهان، بتوجيه الفترة الانتقالية بما يخدم المصالح العليا للسودان، وحل التباينات في وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، وحشد الدعم اللازم لإنجاح الفترة الانتقالية وتنفيذ مهامها. ويتضمن القرار فقرة تنص على أن يُمنح المجلس أي سلطات أخرى لازمة لتنفيذ اختصاصاته وممارسة سلطاته.
وأثارت هذه المادة جدلا كبيرا ورفضا واسعا من مجلس الوزراء وقوى إعلان الحرية والتغيير. وسارع تجمع المهنيين السودانيين، أبرز مكونات التحالف المدني، الجمعة، إلى إعلان رفضه لتكوين مجلس الشركاء. واعتبر التجمع، في بيان، أن هذه الخطوة تمثل “التفافا جديدا” على تشكيل المجلس التشريعي.
وفي اليوم ذاته، أعلن مجلس الوزراء، عبر بيان، رفضه تكوين مجلس الشركاء، ودعا جميع الأطراف إلى مراجعة قرار تشكيله واختصاصاته، على ضوء الوثيقة الدستورية الحاكمة.
ودعت قوى إعلان الحرية والتغيير، في بيان السبت، إلى إلغاء المرسوم الصادر من البرهان، إلى حين تحقيق توافق بما يضمن تحقيق مهام الثورة. كذلك أعلنت “لجان المقاومة” التي قادت المظاهرات في الأحياء حتى سقوط البشير، رفضها لتشكيل المجلس ودعت إلى احتجاجات ضد أطراف السلطة الانتقالية.
الخلاف الدائر يتجاوز في واقع الأمر مسألة المجلس إلى عملية شد حبال بين طرفي نقيض يحاول كل منهما فرض نفسه صاحب الكلمة الطولى في القرار السوداني
وأمام تزايد موجة الرفض أطل البرهان السبت، مشددا على أن مجلس شركاء الفترة الانتقالية تم التوافق عليه مع مجلس الوزراء، وهو مقترح من قوى الحرية والتغيير. وأكد على أن مجلس الشركاء سيعمل على حل الخلافات بين أطراف السلطة الانتقالية، قائلا إنه “ليس أداة للوصاية على الدولة”.
وقال أمير بابكر عبدالله، كاتب ومحلل سياسي، إن مجلس شركاء الفترة الانتقالية منصوص عليه في الوثيقة الدستورية المعدلة لحل الخلافات بين شركاء السلطة، وليس للقيام بأدوار تشريعية أو تنفيذية. وأضاف بابكر “لكن يبقى السؤال هل هناك ضرورة لوجود مجلس شركاء الآن أم أن الأهمية هي لوجود المجلس التشريعي؟”.
وتابع “قرار رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان بشأن هذا المجلس فيه تغول على صلاحيات تنفيذية وتشريعية بعكس نصوص الوثيقة الدستورية، وهو ما ترفضه الأحزاب السياسية والسلطة التنفيذية”.
وأردف “لا أتوقع أن تتسع الخلافات بين أطراف السلطة بشأن المجلس إلى درجة أن يُلغى، والأرجح هو تحديد صلاحياته في حل الخلافات، وأن لا تكون له أدوار أخرى”.
ورأى مدير مشروع الفكر الديمقراطي (مؤسسة غير حكومية)، شمس الدين ضو البيت، أنه لم تكن هناك ضرورة لوجود بند دستوري بشأن هذا المجلس. وتابع “لا حاجة لوجود جسم تنسيقي تشاوري بين شركاء الفترة الانتقالية كجسم دستوري.. لأنه بطبيعته توافقي مدفوع بإرادة سياسية، فلا ضرورة لوضعه أصلا في الوثيقة الدستورية”.
وقال إن “الرفض الشعبي يتزايد بشأن هذا المجلس، والتراجع هو الخيار الأنسب حتى لا يكون هذا المجلس مصدر توتر خلال الفترة الانتقالية”. وتضمنت تعديلات الوثيقة الدستورية، في نوفمبر الماضي، تمديد المرحلة الانتقالية 14 شهرا، على أن تنتهي بإجراء انتخابات.