معركة إدلب رهينة الحسابات الروسية والتركية

تصعيد الجيش السوري قد يتحول إلى هجوم واسع على منطقة إدلب خصوصا أن موسكو وأنقرة لا ترغبان حاليا في أي توتر على علاقتهما.
الخميس 2019/05/30
إدلب تحت المجهر

دمشق - يكثف الجيش السوري وحليفته روسيا منذ أسابيع ضغوطهما على الفصائل الجهادية والمعارضة في محافظة إدلب وجوارها بشن ضربات جوية يومية مركزة تتبعها اشتباكات وتقدم محدود على الأرض، ما يطرح العديد من التساؤلات حول أن ما يجري أهو تمهيد لعملية عسكرية شاملة أم أن الهدف منه السيطرة على بعض المناطق الاستراتيجية؟

وتسيطر هيئة تحرير الشام التي تقودها جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) على الجزء الأكبر من محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حماة وحلب واللاذقية المجاورة، كما تتواجد في المنطقة فصائل إسلامية مقاتلة أخرى أقل نفوذا.

وتخضع المنطقة المستهدفة لاتفاق روسي- تركي ينص على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كيلومترا تفصل بين القوات الحكومية والفصائل الجهادية والمقاتلة، لم يتم استكمال تنفيذه. وتتهم دمشق أنقرة بالتلكؤ في تطبيقه.

وشهدت المنطقة هدوءا نسبيا بعد توقيع الاتفاق في سبتمبر الماضي، إلا أن الجيش صعّد منذ فبراير الماضي قصفه قبل أن تنضم الطائرات الروسية إليه لاحقا. وازدادت وتيرة القصف بشكل كبير منذ نهاية شهر أبريل الفائت.

ومنذ ذلك الحين، أسفر القصف السوري والروسي عن مقتل نحو 280 مدنيا، بينهم العشرات من الأطفال، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان. كما دفع التصعيد بنحو 270 ألف شخص إلى الفرار نحو مناطق أكثر أمنا غالبيتها بالقرب من الحدود التركية، بحسب تقارير للأمم المتحدة.

وطال القصف 23 منشأة طبية، وقد خرجت 19 منها عن الخدمة. وبالتزامن مع القصف، تدور اشتباكات في ريف حماة الشمالي حيث تمكن الجيش خلال الأسابيع الماضية من السيطرة على بلدتين رئيسيتين فيه محاذيتين لإدلب. ويشكك محللون متابعون للشأن السوري في أن يتحول التصعيد الحالي إلى هجوم واسع للقوات الحكومية على منطقة إدلب المحاذية لتركيا، خصوصا أن موسكو وأنقرة لا ترغبان حاليا في أي توتر على علاقتهما.

ويقول الباحث في مركز “سنتوري فاونديشن” الأميركي، أرون لوند “أشك بشدة أن يكون الهدف من الهجوم الحالي هو السيطرة على كامل منطقة إدلب”، فتركيا، التي تستضيف أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري، لا تزال تقف ضد أي هجوم واسع.

ويوضح أن “استعادة كامل المنطقة سيشكل ضغطا كبيرا على تركيا التي ستحاول مقاومته بالتأكيد”، وذلك يعود بشكل أساسي إلى خشيتها من أن يؤدي إلى موجة نزوح ضخمة جدا بالقرب من حدودها.

استمرار القتال حتى تتوصل روسيا وتركيا إلى اتفاق جديد
استمرار القتال حتى تتوصل روسيا وتركيا إلى اتفاق جديد

وكان يفترض وفق الاتفاق الروسي التركي أن تنسحب الفصائل الجهادية من المنطقة المنزوعة السلاح، بعد سحب الأسلحة الثقيلة منها، وأن تنشر تركيا كذلك المزيد من نقاط المراقبة فيها لضمان تنفيذ الاتفاق الذي يتضمن أيضا إعادة العمل بالطرقات الرئيسية.

ونشرت تركيا نقاط مراقبة، إلا أن الجهاديين لم ينسحبوا من المنطقة ولا تتمّ إعادة العمل بالطرقات الرئيسية التي تمر بإدلب وصولا إلى المناطق التي تحت سيطرة الحكومة السورية.

ويقلل الباحث في مركز عمران للدراسات، ومقر إسطنبول، نوار أوليفر من إمكانية توسع نطاق الهجوم الحالي، مشيرا إلى أنه بالرغم من ذلك “لا تزال النقاط التركية موجودة كما ترسل أنقرة تعزيزات إليها”.

وبالنتيجة، يقول إن “اتفاق خفض التصعيد لا يزال موجودا، لم يُلغَ لكنه يمر بمطبات”.

ويرى محللون أن تركيا وروسيا لا تريدان سقوط الاتفاق، بل ما يجري العمل عليه اليوم هو التوصل إلى تنازلات من الطرفين، وقد يتضمن ذلك، بحسب أرون لوند، سيطرة القوات الحكومية على مناطق معينة، او أن تتدخل تركيا ضد مجموعات جهادية معينة.

ويقول أرون لوند “أتوقع أن يستمر القتال حتى تتوصل روسيا وتركيا إلى اتفاق جديد أو إلى نوع ما من وقف إطلاق النار… في النهاية أتوقع التوصل إلى معادلة جديدة”.

وبالنتيجة، يرجح المحللون أن تقتصر العملية على سيطرة القوات الحكومية على مناطق محدودة. ويقول سام هيلر، الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، “عوضا عن هجوم كامل، يبدو أن دمشق وموسكو تسعيان للسيطرة على مناطق معينة من أطراف منطقة إدلب”، بينها منطقة سهل الغاب.

وسهل الغاب، هي منطقة زراعية تقع معظمها في شمال حماة وتمتد إلى جنوب غرب إدلب، ومن شأن السيطرة عليها، وفق هيلر، أن تخلق “مساحة أكبر بين مناطق سيطرة الفصائل وتلك التي تسيطر عليها الحكومة وتتعرض لقذائف الفصائل”.

وتكمن أهمية تلك المنطقة في قربها من محافظة اللاذقية والساحل، المعقل الأساسي للطائفة العلوية التي يتحدر منها الرئيس السوري بشار الأسد، وحيث تقع قاعدة حميميم الجوية الروسية والتي تتعرض بين الحين والآخر لقصف من قبل الفصائل.

وقد تهدف قوات النظام أيضا، وفق هيلر، إلى الضغط على تركيا لتنفيذ اتفاق سبتمبر في ما يتعلق بإعادة فتح وضمان أمن طريقين رئيسين، أبرزهما الأوتوستراد الدولي حلب- دمشق الذي يمر بجنوب وشرق إدلب.

وعلى مدى السنوات الماضية، وفي إطار عمليات عسكرية عدة، سيطرت القوات الحكومية على الجزء الأكبر من هذا الأوتوستراد الدولي الذي يصل بين الحدود التركية شمالا والأردنية جنوبا.

وقال مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي الثلاثاء إن دمشق “لن تألو جهدا لتخليص مواطنيها في إدلب من سيطرة التنظيمات الإرهابية”.

2