معرض يستعيد حضور المغرب في لوحات الأميركي سي تومبلي

تثمين للتجربة الفنية والإبداعية لفنان أميركي كان مفتونا بالعصور القديمة الكلاسيكية وبثقافات القبائل الأمازيغية في المغرب.
الجمعة 2023/03/31
فنان ذو تجربة متمردة

الرباط - تنظم مؤسسة حدائق ماجوريل في مدينة مراكش معرضا مؤقتا للفنان الأميركي الشهير سي تومبلي يحمل عنوان “سي تومبلي، المغرب 1952 – 1953″، ويقدم مجموعة من الصور التي تعدّ بمثابة مرآة عاكسة لواقع المغرب في خمسينات القرن الماضي، التقطها الفنان الأميركي بدقة كبيرة وهو الذي استطاع خلال إقامته القصيرة في المغرب أن يخلد صورا جميلة لهذا الفضاء الجغرافي وكل خصوصياته.

ويأتي المعرض الذي يستمر حتى الثاني من يونيو المقبل لتقدير التجربة الفنية والإبداعية للفنان الأميركي إدوين باركر، الذي اشتهر باسم “سي تومبلي” وكان مفتونا بالعصور القديمة الكلاسيكية وبثقافات القبائل الأمازيغية في المغرب، حتى تعلم نطق كلمات من اللهجة المغربية، مثل “شكون” و”بزاف”.

المعرض نتاج تعاون بين ثلاث مؤسسات، وهي مؤسسة حدائق ماجوريل بمراكش، ومؤسستا سي تومبلي ونيكولا ديل روسيو، ويستعرض رسومات وصورا لهذا الفنان الذي قام مع الرسام روبرت راوشنبرغ باكتشاف المغرب والمدن التي تحظى بإقبال مكثف، على غرار طنجة والدار البيضاء ومراكش، وبعض المناطق الأمازيغية التي لا تزال غير معروفة نسبيًا في تيزنيت وورزازات، واختار أن يوثق مشاهد منها.

المعرض يتضمن رسومات وكتابات، بعضها مدرج في أجزاء، ويصف بدقة عالية ما أعجب به سي تومبلي
المعرض يتضمن رسومات وكتابات، بعضها مدرج في أجزاء، ويصف بدقة عالية ما أعجب به سي تومبلي

كما يتضمن المعرض مجموعة من الرسومات والكتابات، بعضها مكتوب على الورق والبعض الآخر مدرج في أجزاء، ويصف بدقة عالية ما أعجب به سي تومبلي، أحد أعظم فناني النصف الثاني من القرن العشرين.

 

ويشير المنظّمون إلى أن الفنان الراحل تلقّى في خريف عام 1952 منحة دراسية من “متحف فرجينيا للفنون الجميلة”، وغادر للمرّة الأولى في حياته نيويورك متوجّهاً إلى أوروبا وشمال أفريقيا، حيث سيلتقي مواطنه الفنان روبرت راوشنبرغ (1925 – 2008)، أحد أبرز روّاد البوب آرت، في الدار البيضاء.

وقد سافر الاثنان في نوفمبر من تلك السنة إلى مراكش وجبال الأطلس، ثم إلى طنجة ومنها إلى تطوان حيث زارا الكاتب الأميركي المقيم فيها بول بولز، وقام ثلاثتهم برحلات يومية إلى القرى المجاورة بين الآثار الفينيقية والرومانية.

وحين عاد سي تومبلي إلى روما في فبراير 1953 بدأ برسم بعض القطع الأثرية التي شاهدها في المغرب، نقلاً عن مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي التقطها خلال جولاته بين العديد من المواقع الأثرية، وهو ما فعله أيضاً راوشنبرغ، حيث أقاما معرضاً مشتركاً ضمّ تلك الأعمال في غاليري “ستايبل” بنيويورك بعد عدّة أشهر.

وفي هذا السياق قال ألكسيس سورنان، مدير المتاحف في مؤسسة حدائق ماجوريل في مراكش، ومتحف بيير بيرجي للفنون الأمازيغية، وإيف سان لوران، إن الإقامة القصيرة للفنان سي تومبلي في المغرب “مكنته من زيارة المدن البعيدة جغرافيا، مثل الدار البيضاء ومراكش، ثم الشمال عبر الريف وطنجة وتزنيت وورزازات”.

وأشار إلى أن شغف الفنان “جعله يتقاسم المنحة التي خصصتها له مؤسسة فيرجينيا للفنون الجميلة مع رفيقه روبرت راوشنبرغ، الذي قاسمه الشغف نفسه بالمغرب وخصوصياته”.

وأضاف سورنان أنهما تشاركا آلة التصوير ووثقا معًا ما اعتبرا أنه يستحق أن يتم توثيقه، مثل بقايا الآثار الأثرية والأحجار والأضرحة، والتي تشير في مجملها إلى الثقافة المغربية، بما في ذلك الأمازيغية، التي حضرت أيضا في كتابات سي تومبلي في “كراسة رسم شمال أفريقيا”؛ التسمية التي أطلقها على دفتره الذي تضمن هذه الرسوم، ويبرز فيها اهتمامه بالثقافة الأمازيغية من خلال نقله لوشوم ورموز تنتمي إليها.

هه

وتابع أن هذه الصور، مثل الرسومات التي تتخذ أشكالًا هندسية وتجريدية مختلفة، وتأتي وفق أشكال محددة، “تخبرنا عن الحياة اليومية في المغرب في خمسينات القرن الماضي”، مشيرًا إلى الاهتمام الكبير الذي أبداه الفنانان الأميركيان بالمغرب.

ويذكر أن تجربة التشكيلي الأميركي الراحل إدوين باركر (1928 – 2011) تصنف ضمن التيارات الفنية التي برزت في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وبدت متمردة على الكثير من المدارس والضوابط والأعراف التشكيلية القديمة، وغلب على معظمها التجريد في تجاوزٍ لمفهوم محاكاة الطبيعية.

درس الفنان في عدد من الكليات الفنية الأميركية كما سافر بكثافة إلى دول أوروبا. وقد عرض أحد أعماله في بينالي البندقية عام 1964 قبل أن يبدأ بالابتعاد عن التعبيرية والشروع في إنجاز أعمال تجريدية صارت تميزه.

متحف اللوفر بباريس يعرض أحد أعماله الأخيرة وهو رسم كبير على أحد السقوف الواسعة

وضيّف متحف تيت مودرن للفن الحديث في لندن أحد أهم معارضه الفنية في عام 2008 وعرض ضمن هذا المعرض عمله الشهير “الفصول الأربعة”، وهو رسم مكون من أربعة أجزاء رسمت بين عامي 1993 و1994.

وقام سي تومبلي برسم أحد السقوف الكبيرة في متحف اللوفر ضمن واحدة من لوحاته ليكون بذلك أول فنان يقوم برسم أحد السقوف في متحف اللوفر بعد الفنان جورج براك في الخمسينات من القرن الماضي.

كما يعرض متحف اللوفر بباريس أحد أعماله الأخيرة وهو رسم كبير على أحد السقوف الواسعة. وقد بيعت لوحات سي تومبلي بالملايين من الدولارات في مزادات بيع الأعمال الفنية.

ويعرف سي تومبلي بأنه يميل إلى الرومانسية، حيث اقتبس في العديد من أعماله مقاطع من نصوص لشعراء أميركيين، تصاحبها رموز من الأساطير والميثولوجيا القديمة، وقد ضمّنها في كتاباته على الجدران وأعماله الغرافيتية ورسوماته بالزيت أو الرصاص أو أقلام الشمع.

14