معرض عمّان للكتاب يحتفي بالبعد العروبي للثقافة الكويتية

يحافظ معرض عمّان الدولي للكتاب في دورته الحالية على شعاره الدائم “القدس عاصمة فلسطين”، مع تقديمه لبرنامج فعاليات ينطلق من بعد قيمي عروبي وعالمي، وهو ما فتح من خلاله الأبواب على قضايا ثقافية وحضارية وفنية وحتى سياسية عربية، وهو ما انخرط فيه برنامج ضيف الشرف الذي يستضيف الكويت.
عمان- حظي البرنامج الثقافي المرافق لفعاليات “معرض عمّان للكتاب” في دورته الحادية والعشرين، الذي تتقدمه دولة الكويت ضيف شرف المعرض هذا العام باهتمام كبير لتوفيرها نظرة معمقة حول الثقافة الكويتية ورموزها، علاوة على تميّز مفردات البرنامج بالعمق العروبي والقومي.
وبعد حلقة نقاش حول قضايا الفنون الدرامية في الكويت، قدم المعرض حلقتين أخريين حول الكاتب الكويتي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، وندوة أخرى عن البعد العروبي للثقافة الكويتية في علاقتها بالقضية الفلسطينية بشكل خاص.
الكويت وفلسطين
تضمن برنامج فعاليات “القدس في عيون الكويت” الذي أقيم مساء الثلاثاء في موقع المعرض بالمركز العالمي للمعارض مكة مول، معرض صور وطوابع تحمل اسم فلسطين، ومحاضرة عن بريد الكويت وفلسطين قدمها الباحث عيسى دشتي، ومحاضرة بعنوان “حضور القضية الفلسطينية في الرواية الكويتية” للناشر والكاتب فهد الهندال.
وفي مداخلته ركز الهندال على نموذج الروائي إسماعيل فهد إسماعيل، وقال “إن فلسطين ليست قضية سياسية، وإنما هي تاريخ وهوية ووعي لكل منابع الإبداع في الأدب العربي بما يواكب تاريخها العريق. ولهذا، كانت فلسطين وما تزال ملهمة في الأدب العالمي والعربي على مختلف الأصعدة الفنية، بما خطه ويخطه من إبداعات في سبيل إحياء المكان عبر الإنسان بمختلف معالمه، صوره، حالاته، ظروفه، قضاياه، وعوالمه الداخلية”.
وأشار إلى أنه في الكويت، كان لفلسطين صوتها الحاضر في الأدب عبر الشعر والسرد، مسلطا الضوء على حضورها في السرد الروائي، ولو لم يكن كحضورها الغزير في الشعر الكويتي.
وقال الهندال “يعتبر الكاتب الراحل إسماعيل فهد إسماعيل المؤسس الفعلي والفني للرواية في الكويت مطلع السبعينات، ولهذا يعتبر أكثر من حرص على حضور فلسطين إنسانيا في أعماله، عبر شخصيات فلسطينية، إما واقعية كناجي العلي في روايتي ‘في حضرة العنقاء والخل الوفي’ و’على عهدة حنظلة’، أو شخصيات متخيلة مشاركة في رواية ‘الشياح’ ورواية ‘الحادثة 67’ بما تعبر عن الإنسان الفلسطيني الواقع تحت مطرقة الشتات وسندان السلطة مما يعبر عن واقع عربي حتمي ومستحق، يستظل به الكاتب العربي نشر قضاياه، مخاطبا الجيل الآتي من الكتاب والقراء في أهمية تمركز هذا الجرح العربي في كتاباتهم”.
بدوره أطّر أمين سر الجمعية الكويتية لهواة الطوابع والعملات عيسى دشتي تاريخ العلاقات الكويتية الفلسطينية.
وكشف دشتي عن صدور مجموعة طوابع تذكارية جديدة، تؤكد استمرار الكويت في مناصرة الشعب الفلسطيني، معرجا على تأسيس البريد الكويتي، ونشاطاته المختلفة وصدور مجموعات الطوابع البريدية.
وبين أن وصول الفلسطينيين إلى دولة الكويت في ثلاثينات القرن الماضي ساهم في تأسيس خط بريدي بين الفلسطينيين العاملين في الكويت وعائلاتهم وهو الأمر الذي أدى إلى تدشين خط بريدي بين البلدين، عكره انتهاء الانتداب البريطاني لفلسطين والاحتلال الإسرائيلي.
وأشار إلى أن البريد الكويتي استقل عن التبعية البريطانية عام 1958 وفي العام التالي تم تأميم إدارة البريد الكويتي، ومنذ ذلك الوقت صدرت 28 مجموعة بريدية تنتصر للشعب الفلسطيني ونضاله لاستعادة حقوقه المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
احتفاء بفهد إسماعيل
في ندوة أخرى منفصلة وقع الاحتفاء بتجربة الكاتب إسماعيل فهد إسماعيل، إذ قال فهد الهندال إن الكاتب الراحل تمتع بسرد قصصي لافت بتقنياته الفنية من لغة وسرد ومكان وزمن وشخصية.
وقال الهندال في ورقته المعنونة بـ”الإنسان المتشظي عند إسماعيل فهد إسماعيل” إن أعمال الكاتب الراحل جاءت على مستوى الحدث والشخصية والمكان والزمان، وأنها كفيلة لكي تتحول إلى أعمال روائية متكاملة، ومنها رواية “مسك” الصادرة عام 2009.
وأضاف الهندال “في كتابي ‘إسماعيل فهد إسماعيل ضفاف أخرى’، وهو كتاب ضم حوارا مطولا معه تناول سيرته الكتابية والقصة والرواية لديه، كان لدي سؤال مستمر، لماذا اقتصر على ما هو منشور في ثلاث مجموعات قصصية ‘بقعة داكنة’، ‘الأقفاص واللغة المشركة’، ‘ما لا يراه نائم’، في حين أنه لديه العديد من مخطوطات لقصص لم تنشر بعد، ومنها ما لم يرغب بنشره أي أعدمت، فلماذا اكتفى اسماعيل حتى هذه اللحظة بهذه المجموعات القصصية الثلاث لمنجزه القصصي؟”.
◙ إسماعيل فهد إسماعيل يعرف في المشهد الثقافي العربي بحضوره في حركة إرساء تيار الوعي في الرواية العربية
وكانت إجابة إسماعيل “في الستينات وإلى منتصف السبعينات، ما كان يمر علي أسبوع إلا وكتبت فيه قصة، وإلا كنت سأشعر بالذنب، والكثير من هذه القصص نُشر في حينه، في مجلات ودوريات أكثرها عراقية. بعضها لاقى استحسانا، بعضها مُنع وبعضها اجتُزئت منه أشياء لأسباب رقابية، البعض نشرته هنا في الكويت في مجلة الرائد التابعة لمؤسسة المرزوق الصحافية أيام ما كانت تصدر في الستينات من خلال مراسلتي لها”.
وبين الهندال أن “المتابع للفن القصصي لإسماعيل، يجد أن السرد بتقنياته الفنية (اللغة، السرد، المكان، الزمن والشخصية)، شكل عوامل أساسية في تكوين ملامح عالم القصة لديه، والذي يقترب في كينونته إلى أسس لعالم روائي مصغر داخله. ولأن القصة فن أدبي قديم سبق الرواية في الكويت، فإنه يعد المشكّل الحديث الأول لبقية الفنون السردية لدى إسماعيل، كالرواية والمسرح والدراما التلفزيونية والسينمائية، بما يجسد حضور الإنسان المتشظي كطاحونة سرده المستمر منذ القصة، ولا يمكن التخلي أو التنازل عن هذه الفكرة، لكونه محور القص والحدث والسرد”.
وكان الكاتب والروائي جهاد الرنتيسي قدم الهندال بقوله “حدد فهد إسماعيل ملامح لغته وسرده منذ روايته الأولى ‘كانت السماء زرقاء’ التي أحدثت صدى واسعا عند صدورها، ليعرف في المشهد الثقافي العربي بحضوره في حركة إرساء تيار الوعي في الرواية العربية وظل علامة فارقة يدرسها النقاد، يلتقطها المبدعون، ويتأثرون بها”.
وأشار الرنتيسي إلى أن تجربة إسماعيل تحتاج إلى ورشات أوسع لتناول تجربته من مختلف جوانبها، مؤكدا أنه يستحق أن يخلد اسمه على منصات شوارع المدن العربية.