معرض الكتاب بالرباط يناقش قضايا النقد بين الأجيال والأجناس

تواصل الدورة التاسعة والعشرون للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط فعالياتها الثقافية بمشاركة مغربية وعربية ودولية، مثيرة أهم القضايا الفكرية والأدبية. وقد كان النقد على رأس اهتمامات المعرض في دورته الحالية مخصصا له عددا من الجلسات.
الرباط - في إطار تعرضه لأبرز القضايا الجدلية المثارة بالساحة الثقافية ناقش المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط الأحد الرهانات والتحولات المتعلقة بالكتابة النسوية من خلال ندوة بعنوان “تجارب في النقد النسوي” بمشاركة باحثين ونقاد من المغرب ومصر والسعودية.
واستهلت الأكاديمية والناقدة السعودية أسماء الأحمدي مداخلتها في الندوة بالحديث عن تجربة المرأة السعودية في الكتابة ومسارها منذ ستينات القرن الماضي.
النقد النسوي
قالت الأحمدي إن في البداية عندما بدأت المرأة تكتب “كان يطلق على كتاباتها، يوميات أو مذكرات أو اعترافات، دونما اعتراف بأنها نصوص روائية أو كتابة أدبية”.
وأضافت أن “مع بداية الألفية الجديدة، ظهرت الكثير من الكتابات الروائية النسائية تتحدث في الأغلب على إشكاليات المرأة أو القضايا العالقة”.
وأوضحت أن المرأة “تمر بإشكاليات على مستوى الجسد، من حمل وإجهاض ورضاعة، كل ذلك لا يمكن للرجل أن يشعره أو يتبينه أو ربما يمكن أن يقوم بعكسه في النصوص التي يعمل عليها، حتى وإن اجتهد في ذلك يبقى كل هذا مغيبا ومسكوتا عنه”.
وانتهت إلى القول إن “النقد النسوي يتناول قضية المرأة سواء كانت اجتماعية، ثقافية، سياسية، أو اقتصادية.. لكن بلسانها، على اعتبار أن المرأة أكثر تحسسا وقربا من إشكالياتها”.
من جانبها، ركزت الروائية والناقدة المصرية شيرين أبوالنجا على مصطلح “جينوكريتيك” قائلة إنه ظهر في عام 1979 وكان يهدف إلى تناول “المسكوت عنه في الكتابات النسائية، هذه الكتابات المهملة سواء عن عمد أو بدون قصد”.
كما ربطت بين ظهور النقد النسوي في العالم العربي والإرهاصات الأولى لثقافة نقد الصورة، وبالتالي “تطور إلى صورة المرأة”.
واستعرضت بعض التجارب منها تجربة الروائية والناقدة المصرية لطيفة الزيات التي كتبت عن صور المرأة في القصص والروايات العربية.
الحوار بين الجيل القديم والجيل الجديد من النقاد أصبح يعرف نوعا من التعثرات بسبب التطور التكنولوجي
أما بالنسبة إلى الاتجاه النقدي، فقسمته المتحدثة المصرية إلى ثلاثة “الأول تأييد للكتابة النسائية في معناه الحقيقي، وهو ما ظهر جليا في اتجاه الناقدة المغربية رشيدة بنمسعود، والاتجاه الثاني تأييد النقد النسوي والكتابة النسوية لكن بشروط، تقضي بأن هناك خصوصية للكتابة النسائية لكنها تزول بمجرد زوال الشرط التاريخي، أما الثالث فيقول إن الأدب أدب وليس هناك أدب ذكوري أو أدب نسائي”.
وتحدثت عن بعض المحطات التاريخية في النقد النسوي بالعالم العربي، كسقوط بغداد عام 2003، والربيع العربي في 2011، وظهور مصطلح “تأثير الحرب على النساء”.
ونوهت برواية المغربية عائشة البصري “الحياة من دوني” التي حصلت على جائزة معرض الشارقة للكتاب، وكانت تتناول تجارب نساء مغتصبات في الحرب.
وخلصت إلى ضرورة “توثيق تطور النقد النسوي منذ أن ظهر إلى اللحظة، لأن فيه توثيقا لتطور مجتمعاتنا وتطورات وضعية النساء فيه”.
أما الناقد والأكاديمي المغربي حسن اليملاحي فتحدث عن تجربة النقد المغربي قائلا إنه “شهد تراكما كبيرا، سمح للقارئ المغربي والعربي بالتعرف عن كثب على مجموعة من المؤلفات من روايات وقصة وسيرة ذاتية”.
وأضاف أنه “لم يكن لهذه الحركية أن تعرف تطورا لولا الانفتاح على المناهج الغربية ومشاريع الترجمة الفردية” مستشهدا بتجارب مجموعة من النقاد أمثال محمد برادة وإبراهيم الحجري ورشيد بنحدو وغيرهم.
وقال إنه “لم يكن بمقدور رقعة هذا النشر أن تنتشر لولا ولوج كاتبات مغربيات لهذا النوع من الكتابة، أمثال رشيدة بنمسعود وفاطمة كدو وزهور كرام وسعاد الناصر”.
أجيال النقاد
في جلسة أخرى ضمن فعاليات الدورة الـ29 من المعرض الدولي للنشر والكتاب، ناقش أكاديميون وباحثون خلال ندوة أدبية نظمت مساء الأحد بالرباط، قضايا النقد المغربي بين حصيلة الرواد وتطلعات الشباب.
وأكد المشاركون في الندوة، التي نظمتها وزارة الشباب والثقافة والتواصل، أن الحوار بين الجيل القديم والجيل الجديد أصبح يعرف نوعا من التعثرات بسبب التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي، محاولين الإجابة على عدد من الإشكاليات المرتبطة بمدى استفادة الجيل الجديد من جيل الرواد في النقد المغربي، وأيضا القيمة المضافة التي يمكن إضافتها إلى النقد المغربي خاصة والعربي عموما.
وفي هذا الصدد، تطرق أستاذ الدراسات النقدية والثقافية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة أحمد الجرطي، في مداخلته، إلى التمثل والتجاوز اللذين يشكلان أرضية أساسية في العملية النقدية الأدبية التي تميزت بها الأجيال السابقة من النقاد والرواد، مشيرا إلى الإشكاليات الأساسية التي يواجهها النقد المغربي، الذي يسعى إلى وضع مدخل أساسي من أجل تجديد الدرس النقدي لمواكبة التحولات الثقافية والحضارية، وكذلك التحولات التي يعرفها النص الأدبي المغربي.
وأوضح الجرطي أن النقد الأدبي هو نقد متواصل وهو عبارة عن سلسلة مترابطة ومتكاملة من العناصر الأدبية التي تشكل وجهة حقيقية للأجيال المتعاقبة من النقاد الرواد، مبرزا أن “النقد كان دائما يواكب ويجيب عن الأسئلة التي تطرح باستمرار حول النقد والإبداع الذي كان له دور أساسي في تحريك آلية الاشتغال عند الناقد وتطوير أدواته”.
من جهته، سلط أستاذ النقد الأدبي الحديث بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة أسامة الصغير في السياق ذاته، الضوء على العلاقة بين الأجيال على مستوى الفكر والدراسات النقدية المغربية، متحدثا عن نوعية العلاقة التي تربط بين رواد النقد الأدبي الحديث في المغرب، لاسيما بين المؤسسين والجيل الراهن في ما يتعلق بمحاولاته البحثية النقدية.
وأبرز الصغير أن “التغيير الحاصل بين جيل الرواد وجيل الشباب ظهر على الساحة النقدية الأدبية بسبب نوع من التراجع على مستوى أدوار المجتمع المدني والجمعيات الثقافية التي كانت بمثابة جسر يربط بين الجيلين”، مضيفا أن “البدائل والوسائط المعرفية الحديثة هي التي أثرت على هذه العلاقة”.
كما فتح المتحدث نفسه آفاق النقاش حول ملامح محاولات النقاد الشباب من أجل رسم خطوات خاصة بهم، وذلك في إطار السياق الثقافي والأسئلة التي يفرضها مجال النقد الأدبي بصفة عامة.
وتتواصل فعاليات الدورة التاسعة والعشرين من المعرض الدولي للنشر والكتاب، التي تنظمها وزارة الشباب والثقافة والتواصل، إلى غاية التاسع عشر من مايو الجاري، إذ يعرف هذا الموعد الثقافي مشاركة 743 عارضا من 48 دولة، ويقدم للقراء 100 ألف عنوان، في ثلاثة ملايين نسخة، مع نقاشات تتخلل 241 فقرة ثقافية.