معرض الكتاب بالرباط منصة جامعة وواجهة لتعدد الثقافات

ندوات المعرض تناقش قضايا الترجمة واللغة الأمازيغية والثقافة اليهودية المغربية.
الأربعاء 2023/06/07
الكتاب الجسر المثالي بين الثقافات

الرهان على الكتاب والصناعات المرتبطة به رهان لا ينفصل عن انشغالات التنمية الشاملة التي ينخرط فيها المغرب. وفي هذا التوجه مثل المعرض الدولي للنشر والكتاب المنعقد في دورة جديدة هذه الأيام منصة هامة لتثمين دور الكتاب الحضاري، سواء من خلال التركيز على الثقافة المحلية أو الانفتاح على المحيط الأفريقي.

الرباط – تتواصل فعاليات الدورة الثامنة والعشرين من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط إلى غاية الحادي عشر من يونيو الجاري، مستضيفة العديد من الوجوه الثقافية المغربية والعربية والعالمية، في برنامج ثقافي متنوع.

ويسعى المعرض من خلال برنامجه الثقافي إلى فتح آفاق النقاش حول الظواهر الثقافية المركزية، مثل الثقافة الأمازيغية والترجمة والثقافة الأفريقية وغيرها من المسائل التي تحتاج إلى البحث فيها.

الترجمة وإشكالياتها

المعرض يناقش تحديات الترجمة ويسلط الضوء على اللغة الأمازيغية وثقافة يهود المغرب
المعرض يناقش تحديات الترجمة ويسلط الضوء على اللغة الأمازيغية وثقافة يهود المغرب

ضمن فعاليات المعرض دعا مثقفون مغاربة وعرب إلى جعل الترجمة “خلاقة” قريبة من لغة المتلقي وثقافته، وألا تكون مجرد نقل بـ”أمانة” لنص أو خطاب ما.

وقال الروائي المغربي محمد الشيكر في ندوة عن “الترجمة والتأويل”، على هامش الدورة الثامنة والعشرين لمعرض الكتاب والنشر الدولي بالرباط، “الترجمة ليست مجرد نقل لنص أو خطاب أو مدونة ما من لغة إلى أخرى، كما أنها ليست مجرد تراوح بين لغتين”، معتبرا أن “كل ترجمة خلاقة إنما هي عملية استضافة للنص الذي يترجم إلى لغة أخرى”. وأضاف أن الترجمة الخلاقة “هي الترجمة التي تجعل النص قريبا من لغة المتلقي، ولكن كما هو بغيريته وغرابته”.

واعتبر شيكر أن “الترجمة الخلاقة هي الترجمة التي تزيح المترجم نفسه وتزيح القارئ الذي يتلقى الترجمة عن هويتهما وثقافتهما، وتجعلهما قريبين من النص في لغته الأصلية وفي ثقافته”.

كما قال الشاعر والمترجم الفلسطيني سامر أبوهواش خلال الندوة التي عقدت مؤخرا إن “النص المترجم متقن إلى درجة لا يعرف بأنه نص مترجم، وبذلك تحقق الغاية والمراد إذ تعاود إنتاج النص كأنك تكتبه لأول مرة”.

كما تحدث عن رأي الجاحظ، أحد كبار الأدباء في العصر العباسي، في الترجمة في كتاب “الحيوان”، حيث اعتبر من الاستحالة ترجمة الشعر العربي “بسبب إعجازه” في الأوزان والقوافي، فنقله إلى لغة أخرى “يفقده إعجازه”.

كما تحدث عن المترجم الإنجليزي وليام تيندال الذي أعدمته الكنيسة عام 1536 بسبب ترجمته الكتاب المقدس إلى الإنجليزية، و”بسبب كلمة ‘الهرطقة’ الكلمة الفضفاضة التي علق الآلاف بسببها على الصليب، والتي توازي كلمة الكفر بالترجمة وتجعل منهما جريمة واحدة”.

وأضاف “إشكالات نقل الكلمات كبيرة لأن كل كلمة في لغتها الأصلية لها ذاكرة مثقلة بالمعاني والرموز والمرجعيات الفكرية، وحين ننتقل من نص إلى لغة أخرى تفرض هذه الإشكالات على المترجم بأن يكون مؤولا”.

المعرض ملتقى للفاعلين في مجال صناعة الكتب من جميع أنحاء العالم يفتح آفاقا للتعاون بين المؤلفين والناشرين المشاركين

وتناول الناقد المغربي عبداللطيف محفوظ الدلالة والقيمة في ما يخص الألفاظ داخل لغة ما، وقال إن “الترجمة تصير إشكالية في بعض الحالات بالنسبة للغات أخرى لا تمتلك نفس الروح ونفس الشكل”.

وضرب مثلا بكلمة “الخوف” في اللغة العربية ومرادفاتها مثل “هاب التي لا نستعملها إلا إذا كنا إزاء ذات اعتبارية سامية إنسانية، وخشي وتوجس وغيرها”.

كما أعطى أمثلة من ترجمات مختلفة لنصوص الأديبين اللبنانيين ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران “فحتى وإن تُرجم المعنى بطريقة مختلفة عما أنتجه صاحب النص، وأفقد النص الأصلي بعض المعاني. لكن قد يضيف إلى النص المنقول معاني أخرى أكثر عمقا واتساعا”.

وقال الفيلسوف المغربي طه عبدالرحمن المختص في التراث العربي الإسلامي إن الترجمة هي مدخل للإبداع، وعاب على التراث الإسلامي الفلسفي “أنه ظل متحجرا ويكرر ما أنتجه أرسطو واليونانيون”.

وتابع أن “حتى الفلاسفة العرب الذين يترجمون لفلاسفة الحداثة، هناك اتفاق بينهما على أن الترجمة إبداع وتحرر”. وقد أدار الندوة الأكاديمي والباحث المغربي المختص في اللسانيات محمد الحيرش.

الثقافة الأفريقية

مثقفون عرب يدعون إلى ترجمة خلاقة
مثقفون عرب يدعون إلى ترجمة خلاقة

تشارك القارة الأفريقية في الدورة الحالية من المعرض بالعديد من العناوين البارزة. وفي جناح يعرض لأعمال أدبية من الكلاسيكيات، وأبحاث تاريخية وسوسيولوجية وموسوعات وكتب في أدب الناشئة والشباب، تحضر القارة الأفريقية في المعرض بكامل خبرتها ومعرفتها، مكرسة تموقعها باعتبارها مهدا للحضارات وبوتقة للتلاقح الثقافي بامتياز.

ويعتبر هذا الجناح الذي يوجد في قلب فضاء المعرض، أحد أكثر الأجنحة التي تحظى بإقبال الزوار. تكاد تكون أروقة الدول الأفريقية الحاضرة بالمعرض ممتلئة دائما، صباحا ومساء، فبفضل عرض وثائقي يغطي مختلف مجالات المعرفة، يمكن للزوار القيام بجولة للاطلاع على تاريخ وثقافة كل بلد على حدة.

في رواق السنغال بالمعرض، يقف بابا سامبا بادجي، مدير دار النشر “Maîtres du jeu”، ومواطنه الكاتب والناشر إدريسا سو غوركوديو، مبديين ترحيبا بأسئلة مع الجمهور الراغب في معرفة المزيد عن هذا البلد الصديق.

يقول سامبا بادجي في تصريح له إنه فخور بتمثيل السنغال، ولاسيما وزارة الثقافة، في هذا الحدث الثقافي الكبير في المغرب وأفريقيا، والذي ينظم في الرباط للسنة الثانية على التوالي. ويضيف الناشر السنغالي أن “بمجرد أن وصلنا هنا، أدركنا أن الرباط هي بالفعل مدينة أنوار وتستحق حقا لقبها كعاصمة الثقافة الأفريقية”.

تحضر القارة الأفريقية في المعرض بكامل خبرتها ومعرفتها مكرسة تموقعها باعتبارها مهدا للحضارات وبوتقة للتلاقح الثقافي

وفي معرض حديثه عن الثقافتين المغربية والسنغالية، قال الناشر إنهما “تشتركان في العديد من السمات”، منوها بإقبال الجمهور على رواق بلاده الذي يستقبل “ما لا يقل عن ثلاثين شخصا كل يوم”، مشددا على أن “البعض يقتني بعض الكتب بينما يطرح آخرون أسئلة حول البلد وجغرافيته وثقافته وغيرها، وهي أسئلة نجيب عليها بكل فرح”.

وتقول ياسمين إيزاكا كوباجيات، مديرة دار النشر “Graines de Pensée” ومقرها في لومي بالطوغو، إن المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط هو “الجسر المثالي بين شمال أفريقيا وجنوبها” بالنظر إلى أنه يمنح المغاربة والمغاربيين نافذة على إبداعات المؤلفين من جنوب القارة وشرقها، والعكس صحيح”.

وأكدت الناشرة أن المعرض الدولي للنشر والكتاب، باعتباره ملتقى للفاعلين في مجال صناعة الكتب من جميع أنحاء العالم، يوفر العديد من الفرص للاجتماعات والتواصل ويفتح آفاقا واسعة للتعاون والشراكة بين المؤلفين والناشرين المشاركين، مبرزة أنها تود بالخصوص الاطلاع على التجربة المغربية “المتطورة جدا” في مجال النشر الرقمي.

غير بعيد، ينهمك الكاتب النيجري بوبي هاما، مدير دار النشر “Editions du Sahel” مرتديا لباسا تقليديا واسعا أبيض اللون وغطاء رأس (كوفية) مشهور بغرب أفريقيا، في توقيع إهداء على أحد كتبه لواحدة من القراء.

في تصريح له يقول المؤلف الشاب إنه “تشرف” بزيارة الرباط لأول مرة لتمثيل بلاده في هذا الحدث الثقافي الكبير الذي “لا يختلف في شيء عن أكبر معارض الكتاب الدولية”.

وقال الكاتب والناشر النيجري إن الأيام الثلاثة الأولى من المعرض كانت غنية باللقاءات والتبادلات المثمرة مع مهنيي الكتب من المغرب وأفريقيا وأماكن أخرى، معربا عن رغبته في أن تكون لأفريقيا، في الدورات المقبلة، مساحة عرض أكبر من أجل السماح بمشاركة عدد أكبر من العارضين والقدرة على عكس كل تنوع وديناميكيات العرض الثقافي الأفريقي.

وكان وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي محمد مهدي بنسعيد أكد في ندوة صحفية خصصت لتقديم هذه الدورة من المعرض الدولي للنشر والكتاب أن الآداب الأفريقية ستكون حاضرة في دورة هذه السنة برواق كبير وبحضور ضيف خاص هو الأديب النيجيري المرموق وول سوينكا، الذي يعد أول أفريقي يفوز بجائزة نوبل للآداب (1986).

واعتبر الوزير أن حضور شخصية ثقافية وأدبية من هذا العيار إلى المعرض الدولي للنشر والكتاب، إضافة إلى الشخصيات الأفريقية المرموقة التي تتوافد على التظاهرات الدولية التي تنظم بالمملكة، يمثل تكريسا للحضور القوي للمغرب داخل القارة الأفريقية بقيادة العاهل المغربي الملك محمد السادس.

وكانت الآداب الأفريقية حلت السنة الماضية ضيف شرف على المعرض الدولي للنشر والكتاب في إطار فعاليات “الرباط عاصمة للثقافة الأفريقية”.

الأمازيغية واليهودية

حح

دعا المشاركون في مائدة مستديرة التأمت مؤخرا في إطار الدورة الثامنة والعشرين من المعرض، إلى إيلاء المزيد من الأهمية للغة والثقافة الأمازيغيتين. وأبرز المشاركون في هذه المائدة المستديرة حول موضوع “الوضع اللغوي في المغرب”، المنظمة من طرف وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ضرورة بلورة سياسة لغوية مضبوطة تضمن لمختلف التعبيرات، لاسيما الوطنية منها، وجودها وتطورها الوظيفي.

وفي هذا الإطار، أكد عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أحمد بوكوس أن الحقل اللغوي قد أضحى على المستوى العالمي سوقا مندمجة في سياق عولمة مبادلات الموارد المادية والرمزية، مضيفا أن قوانين اشتغال هذه السوق تقوم على احتدام المنافسة بين اللغات القوية من جهة، وعلى استضعاف اللغات الهشة من جهة أخرى، مما يؤدي قسرا إلى نكوص هذه الأخيرة وانقراضها التدريجي، وبالتالي الحد من التنوع اللغوي للبشرية.

ولفت بوكوس إلى أن الوعي الحداثي الذي شهده المغرب توج مع بداية الألفية الثانية بسن سياسة جديدة تستهدف التدبير المتفتح للتنوع الثقافي واللغوي عموما.

وترتكز هذه السياسة، يوضح بوكوس، على مرجعيات سيادية تتمثل في مختلف الخطب الملكية بدءا بخطاب أجدير لسنة 2001 إلى القرار الملكي مؤخرا الخاص بإقرار السنة الأمازيغية عيدا وطنيا، فضلا عن مرجعيات دستورية وقانونية تروم تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكذلك تدابير حكومية تسعى إلى تعميم تدريس الأمازيغية وإدماجها في المؤسسات.

الحديث عن المكون الثقافي المغربي اليهودي يقتضي منهجيا الإقرار بوجود التمايز ما بين المنتوج الثقافي اليهودي والمنتوج الثقافي الإسلامي، ومن ثمة الإقرار بتأثير العامل الديني في تكوين البعد الثقافي.

وبعد أن أكد أن مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حققت منجزات وازنة، خاصة في مجال تنميط خط “تيفيناغ” وتقعيد الإملائية والشروع في تهيئة متن اللغة وإعداد بحوث في حقول العلوم الإنسانية والاجتماعية، اعتبر بوكوس أن على الباحثين حل مشاكل تهيئة متن اللغة.

واعتبر اللساني عبدالقادر الفاسي الفهري أن العربية والأمازيغية لغتان رسميتان يتعين على أي خطة وطنية أن تدفع بهما إلى الأمام، طبقا لمقتضيات الدستور الذي يعد “دستورا متقدما”، حيث تشكلان مصدرا للثروة والوحدة، داعيا إلى النهوض بهما معا، خاصة عبر إرساء مؤسسات بحثية وتطبيقية تطويرية وطنية، تتماشى مع التطورات اللسانية والمعرفية والمجتمعية.

وبعد أن أبرز أنه يتعين على التنوع اللغوي أن يكون “منظما وليس فوضويا”، وأن يكون النظام اللغوي “منصفا لغويا”، سجل الفاسي الفهري أن دعم التنوع اللهجي لا يعني إقامة فسيفساء مبلقنة للمشهد اللغوي المغربي. ففي فرنسا، على سبيل المثال، يوجد حوالي 80 لهجة، ولكن اللغة الرسمية التي يدعمها الجميع واحدة.

ودعا المتخصص في الدراسات المعجمية عبدالعالي الودغيري إلى إيلاء أهمية كبيرة للغتين الرسميتين للبلاد، وعدم تهميشهما في أي سياسة لغوية، مشددا على ضرورة حماية وتنمية العربية والأمازيغية لتحتل مكانتهما بين لغات العالم، مثمنا دور اللغة العربية التي “لها تجربة حضارية وثقافية طويلة ولها دور كبير في التقدم الذي شهدته العلوم في وقتنا الراهن”.

وسجل الودغيري أن جميع الدول التي بلورت مخططا لغويا وضعت عدة اعتبارات لذلك، أهمها حماية لغاتها الوطنية وخصوصياتها الثقافية، مسجلا أنه “لا وجود لصراع بين الأمازيغية والعربية في المغرب”.

من ناحية أخرى فقد شكل دور المكون اليهودي في تاريخ المغرب محور ندوة نظمت مساء الاثنين بقاعة شالة بالرباط، ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب، تناولت الموضوع من زوايا متعددة، منها ما يتعلق بتاريخ الوجود اليهودي بالمغرب، والتطور التاريخي للإطار القانوني لتنظيم الطائفة اليهودية، والمكون العبري في تاريخ المغرب الثقافي، فضلا عن واقع حال تدريس اللغة العبرية بالجامعة المغربية.

وبهذه المناسبة، أشار أستاذ التاريخ المعاصر المختص في تاريخ اليهود المغاربة محمد براص، في مقاربة تاريخية، إلى أن يهود شمال أفريقيا هاجروا بشكل سلس نحو المدن الأندلسية المختلفة، والتي أصبحت مدن علم وثقافة وشعر، مضيفا أن الوضع السياسي والفكري بالأندلس انعكس على الوضع العلمي والثقافي بالمغرب الأقصى.

وأضاف أن على مر التاريخ، تبلور، إلى جانب المسلمين، بعد ثقافي عبري متعدد المشارب لم ينسجم داخليا بشكل سلس، بل تطلب الأمر تحولات عديدة في الزمن التاريخي، أعطت بعدا متقدما للمكون الثقافي اليهودي المغربي بعد الفترة الاستعمارية.

وشدد براص على أن الحديث عن المكون الثقافي المغربي اليهودي يقتضي منهجيا الإقرار بوجود التمايز ما بين المنتوج الثقافي اليهودي والمنتوج الثقافي الإسلامي، ومن ثمة الإقرار بتأثير العامل الديني في تكوين البعد الثقافي.

كما أكد أن المكون الثقافي المغربي اليهودي عرف انتشارا واسعا على المستوى العالمي، مبرزا أن انتشار المغاربة اليهود في العالم وفي فترات مختلفة كان له دور كبير في ما يتعلق بامتداد الثقافة المغربية – اليهودية عبر دول العالم، والاضطلاع بأدوار بارزة في الفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد.

وقال الباحث في تاريخ علاقات اليهود بالمسلمين في المغرب أمين الكوهن إن التطرق إلى مختلف المواضيع المرتبطة بالمكون اليهودي بالمغرب يعد أمرا مهما بالنظر إلى التأثير الذي ما زال قائما لهذا المكون.

وأبرز أن ظهير تنظيم الطائفة اليهودية وإحداث مؤسسة الديانة اليهودية المغربية، الذي صدر في الرابع والعشرين من أكتوبر 2022، أعطى أدوارا جديدة لهذا المكون.

13