معرض الرباط يقتفي أثر إدمون عمران المالح في الأدب المغربي

يحتفي المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط بأهم الرموز الأدبية والثقافية، وخاصة تلك التي كان لها تأثيرها في تحفيز الحراك الثقافي والتلاحم مع قضايا شعوبها، وهو ما ينطبق على العديد من الأسماء في عالم الفكر والأدب في المغرب، ومن بينها الكاتب والمفكر المغربي الراحل إدمون عمران المالح الذي يعتبر من أهم الأقلام المنتصرة للإنسان والمناضلة بقوة ضد الاستعمار والمنحازة إلى التحرر وكل القضايا العادلة.
الرباط - مقتفيا أثر الرموز المؤثرة في الأدب المغربي، أقام المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط ندوة لمناقشة سيرة ومسيرة الكاتب والمفكر المغربي من أصل يهودي إدمون عمران المالح من خلال كتاب “ثورة الذاكرة واستعادة الذات” للناقد والروائي والمترجم محمد برادة.
ويستعيد برادة في كتابه تفاصيل من حياة المالح الكاتب والمثقف الدؤوب، متناولا خفايا من حياته وأدبه وفكره في نوع من التذكر والاستعادة التي يدونها بنفسه الروائي.
من السياسة إلى الإبداع
كان المالح مطلعا على محيطه الأدبي وروايته الأولى تكشف عن نضج في الكتابة ومعرفة بخفايا المجتمع المغربي
قال برادة في الندوة التي أقيمت أخيرا بالمعرض لمناقشة كتابه، الصادر عن دار نشر كراس المتوحد، إن تجربة إدمون عمران المالح نقطة فارقة ومتميزة في تاريخ الأدب المغربي.
وكتب في تقديمه للكتاب “عمران المالح يشكل تجربة جديدة في الأدب المغربي، لسبب أنه أمضى سنوات مناضلا في الحزب الشيوعي المغربي (الذي سيتحول فيما بعد إلى حزب التقدم والاشتراكية).. مشدودا إلى الطوباوية متمثلة في الفكر الماركسي آنذاك”.
وأضاف “لكنه بسفره إلى إحدى المؤتمرات الشيوعية في أوروبا الشرقية، كانت الأخبار تتسرب عن فظاعات جوزيف ستالين. وعندئذ قرر الانسحاب من العمل السياسي نهائيا ومتابعة تدريسه للفلسفة في الدار البيضاء، ليسافر بعدها إلى باريس، وتعاوده شجون ودوافع الإبداع الأدبي، حيث تفرغ للقراءة زمنا قبل أن ينشر أول رواية له ’المجرى الثابت’ عام 1980 وهو ابن ستين عاما”.
وأشار برادة في الندوة إلى أنه عُرف عن عمران المالح مناهضته للمشروع الصهيوني، واختار البقاء في بلده المغرب في أوج نشاط ترحيل الصهيونية لليهود العرب نحو إسرائيل.
وقال برادة إن المالح كان يعتبر “اقتلاع اليهود المغاربة من وطنهم الأم للالتحاق بإسرائيل جريمة”.
وأضاف “كان (المالح) مطلعا على أهم الإبداعات الأدبية المغربية، ومن ثم جاءت روايته الأولى لتكشف عن نضج كبير في الكتابة والتعرف على المجتمع المغربي، إذ عبرت هذه التجربة عما لا يمكن أن نجده في الخطابات السياسية المألوفة”.

الكتاب يتناول خفايا من حياة وأدب إدمون عمران المالح
وأوضح أن الرواية عند المالح “عبرت عن ذاكرة متحررة من القيود، كما عبرت أيضا عن تجربة لغوية متميزة إلى جانب لغته الفرنسية الدقيقة والشعرية”.
وقال إن “التجربة الروائية لعمران المالح تكشف عن شهادة سياسية ضمنية لأن في روايته الأولى، بدأها بآخر يهودي يدفن في مقبرة أصيلة (شمال المغرب)”.
وقال برادة إن “عمران المالح بانتقاله من مجال العمل السياسي المباشر إلى مجال الإبداع، برهن وأكد على أن الأدب يستطيع أن يعبر عن أشياء لا يمكن أن يعبر عنها الخطاب السياسي أو الأيديولوجي المباشر، ففي الأدب هناك إمكانات للتعبير تستطيع أن تصور حالات الإحساس والمشاعر”.
تنقلات في المكان
كان المالح يصر دائما على أنه مغربي يهودي، لا يهودي مغربي، فقد نشأ في جو لا نعرة تعكر صفوه، الكل فيه مغربي، أيا كان عرقه أو دينه أو لغته.
ولد المالح في 30 مارس 1917 بمدينة أسفي الساحلية الصغيرة الهادئة المطلة على المحيط الأطلسي وتوفي في 15 نوفمبر 2010 في مدينة الرباط. وما بين التاريخين رحلة طويلة من العطاء والتنقلات المكانية والفكرية.
اشتغل المالح فترة أواخر الخمسينيات من القرن الماضي أستاذا للفلسفة بالدار البيضاء، وبالموازاة، صحافيا في جريدة “ليسبوار”. كان يكتب باسم مستعار؛ هو عيسى العبدي، وقد راوحت مواضيع مقالاته بين الثقافي والفني والاجتماعي والسياسي. والعديد من أعمال المالح، لاحقا، تناولت قضية الشعب الفلسطيني، وقد رفض أن تترجم إلى العبرية حتى لا تتاجر إسرائيل بأفكاره.
أواخر الستينيات فارق تراب المغرب متجها إلى فرنسا، نظرا إلى خلافه مع السلطة السياسية المغربية آنذاك، لكنه ظل يقول “أحمل بلدي المغرب أينما ذهبت”. غير أنه عاد إلى المغرب عام 2000، بعيد الانفراج الحقوقي الذي عرفه الأخير.
هذه التنقلات كان لها انعكاس هام على فكره ورؤاه في مؤلفات كتب أغلبها بالفرنسية وبالدارجة المغربية أحيانا.
النفس الصوفي
قال برادة أن المالح كان متأثرا بالفيلسوف اليهودي الألماني والتر بنيامين، الذي كان يعتبر الفكر الماركسي الفلسفي غير كاف، بل انفتح على الثقافة الصوفية المستمدة من الأديان كاليهودية والإسلام والمسيحية، لأن “هناك أبعادا نفسية لا يمكن التعبير عنها مباشرة بلغة العقل، وهي نفسها الفكرة التي نجدها عند المالح. فكان المالح يقول إنه في الكتابة الأدبية هناك أشياء لا يمكن إدراكها بالعقل والمناهج ولكن بالإحساس”.
وتابع قائلا “المالح كان متشبثا بالبعد الصوفي في كتاباته” مشيرا إلى أن “تجربته حملت إلى الحقل الأدبي المغربي عناصر إخصاب وغنى وانفتاح جدير بالتحليل والاستيعاب”.
وللمالح عدة مؤلفات بالفرنسية تُرجم معظمها إلى العربية منها “آيلان، أو ليل الحكي” و”ألف عام بيوم واحد” و”عودة أبو الحكي” و”حقيبة سيدي معاشو” و”المقهى الأزرق” و”رسائل إلى نفسي” وغيرها، قبل أن يتوفى في نوفمبر 2010 عن 93 عاما ويدفن بمدينة الصويرة على المحيط الأطلسي كما أوصى.
واعتبر مدير الندوة بمعرض النشر والكتاب في الرباط المترجم والباحث المغربي عبدالغفار سويرجي أن كتاب برادة عن عمران المالح “مهم للطلبة والباحثين، باحتوائه على دراسات يمكن أن تنير لهم طرق البحث”.