معرض أبوظبي الدولي للكتاب.. رحلة في التاريخ وتطلع إلى المستقبل

المعرض يناقش واقع صناعة النشر بعد ثورة الذكاء الاصطناعي.
السبت 2023/05/27
المعرفة بين الماضي والحاضر

من أبرز ما يميز معرض أبوظبي الدولي للكتاب هو جمعه بين الماضي والحاضر وتطلعه إلى المستقبل من خلال المبادرات الجديدة والجلسات التي تناقش مستقبل الثقافة في العالم، وهذا ما يواصل ترسيخه في دورته الحالية الثانية والثلاثين من خلال احتفائه بالتراث البشري ونقاشه لأبرز الأسئلة المستقبلية.

أبوظبي - يوفر معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2023 بما يتضمنه من مخطوطات وكتب ووثائق نادرة تعود إلى حقب تاريخية من قرون مضت، إطلاله ثرية لجميع الزوار على العديد من الكنوز المعرفية، بما يسهم في تعزيز الوعي الثقافي وزيادة الشغف بالقراءة.

وعلى الجانب الآخر، يوفر المعرض لزوّاره لاسيما الأجيال الناشئة رحلة مليئة بالشغف إلى المستقبل، محورها الاستدامة، خاصة مع استعدادات دولة الإمارات لاستضافة الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “كوب 28” العام الجاري في مدينة إكسبو دبي.

التراث والمستقبل

المعرض يشهد مبادرات وفعاليات وندوات متنوعة تسلط الضوء على أفضل الممارسات العالمية لدعم توجهات الاستدامة في النشر
المعرض يشهد مبادرات وفعاليات وندوات متنوعة تسلط الضوء على أفضل الممارسات العالمية لدعم توجهات الاستدامة في النشر

وفي جناح مكتبة محمد بن راشد بمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، يطالع الزائر عن كثب مجموعة من المقتنيات النادرة، ومنها كتاب “ألف ليلة وليلة” (1839 – 1842)، وهو طبعة عربية نادرة وكاملة لقصص ألف ليلة وليلة نشرها السير وليم ماكنجتن في مدينة كلكتا، وترجمة لاتينية نادرة ومزينة بالرسوم لـ”القانون في الطب” (1562) لابن سينا، و”مقدمة ابن خلدون” طبعة باريس 1858، والتي تعد الطبعة الأولى للنص العربي، ونشرها المستشرق الفرنسي أتيين مارك كاترمير.

في جانب آخر بالمعرض، ينتقل الزائر إلى إحدى دور النشر العالمية ليتعرف إلى العشرات من الكتب والمخطوطات النادرة والتاريخية ومنها كتاب “هيبنروتوماشيا ” الذي نشر خلال المئة عام الأولى من اختراع الطباعة، وسلط الضوء على اللغة العربية كواحدة من أربع لغات مهمة في العالم، كما يعرض أول قاموس فرنسي – عربي طبع في العالم العربي وهو قاموس جان جوزيف مارسيل، الذي طبع في القاهرة عام 1798، وطبعة أولى نادرة جداً لرسالة ملاحية رائعة بقلم بيدرو دي ميدينا والتي تضمنت توجيهات للإبحار إلى أميركا، بالإضافة إلى العديد من المصاحف الأثرية.

وفي رحلة إلى المستقبل، يوفرها جناح وزارة التربية والتعليم بمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، يخوض الزوار تجربة تفاعلية شيقة بالاعتماد على الوسائل التكنولوجية الحديثة و”الميتافيرس” تتضمن أربعة مراحل، المرحلة الأولى عبر “الهولوغرام” وتعرّف المشاركين إلى أبرز الحلول الرقمية المعتمدة في الدولة ضمن المناهج التعليمية؛ بينما تقدم المرحلة الثانية لمحة عن آليات رقمنة المناهج التعليمية باستخدام الحلول التقنية المتقدمة لإنشاء محتوى تفاعلي ومبتكر، وتأخذ المشاركين في رحلة باللغة العربية في عالم الـ”ميتافيرس” حول مواضيع الاستدامة والمواطنة الصالحة.

قطاع النشر قد يتضرر كليا من ثورة الذكاء الاصطناعي وقد يستفيد منه في تحسين عملية إنتاج المحتوى ونشره

كما يواصل المشاركون رحلتهم التفاعلية في عالم الـ”ميتافيرس” في المرحلة الثالثة، من خلال قصة متعددة المسارات تحفّزهم على تحديد خياراتهم وسلوكياتهم المجتمعية في مواقف محددة؛ ليكون ختام الرحلة في مرحلتها الرابعة من خلال تعهد رقمي يؤكدون فيه التزامهم بتحقيق أهداف التنمية المستدامة في الدولة، وذلك لتحقيق أهداف هذه التجربة التفاعلية في تعزيز الوعي بالاستدامة في ضوء استعدادات الدولة لاستضافة مؤتمر الأطراف“كوب 28”.

ويقدم المعرض  عددا من المؤلفات النادرة، ومنها كتاب “أسرار البحر” (Dell’arcano del Mare) الضخم الذي يعرضه بالتعاون مع دار بيتر هارينجتون، والكتاب بقلم روبرت دادلي ويعود إلى القرن السابع عشر، وهو أول أطلس بحري للعالم بأسره، وأول أطلس بحري مطبوع يشمل مناطق خارج أوروبا، وقد تفوقت أعمال روبرت على جميع ما نُشر قبلها بالخرائط والرسوم البيانية.

ونُشر كتاب “أسرار البحر” لأول مرة في عام 1646، ووُصف بأنه “الأكثر فخامة على الإطلاق”، والأطلس البحري الأول في العالم، وأول مجلد يظهر التيارات والرياح السائدة، ومزايا “الملاحة حول الدائرة العظمى” (أقصر مسافة بين نقطتين على الكرة الأرضية)، وأول أطلس بحري من تأليف شخصية إنجليزية، على الرغم من إعداده خارج بلاده، وتحديداً في إيطاليا.

ويشهد معرض أبوظبي الدولي للكتاب مبادرات وفعاليات وندوات متنوعة تسلط الضوء على أفضل الممارسات العالمية لدعم توجهات الاستدامة في مجال النشر، إضافة إلى جلسات حوارية ومناقشات حول التغير المناخي وتعزيز الأمن الغذائي.

النشر والذكاء الاصطناعي

تثمين التراث الإنساني
تثمين التراث الإنساني

نظّم معرض أبوظبي الدولي للكتاب يومي الجمعة جلسة نقاشية حول مستقبل صناعة النشر في ضوء تطورات نظم الذكاء الاصطناعي. وناقش المتحدثون في الجلسة العديد من القضايا التي تخص قطاع النشر في ظل التطورات الحاصلة والمتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي من ناحية النشر وصناعة الكتب واتجاهات القراء.

 وعرض الدكتور إيهاب خليفة، الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي ومدير الجلسة، ثلاث سيناريوهات رئيسية لتأثير نظم الذكاء الاصطناعي على قطاع النشر، أولها سيناريو ثوري يتمثل في إمكانية اختفاء الكتب في المستقبل، فتصبح الكتب موجودة في المتاحف، مثلها مثل التليغراف والآلة الكاتبة قديما وتختفي معارض الكتب، لتصبح مهمة إنتاج المعرفة ونشرها موكلة لنظم ذكية مثل “تشات جي بي تي” أو “سيري” أو “مساعد جوجل”، وثانيها أنها ستظل موجودة ولكن سوف يزاحم الذكاء الاصطناعي الإنسان في عملية التأليف وإدارة المحتوى، فنجد أن هناك كتبا قد تم تأليفها وتحريرها بواسطة الذكاء الاصطناعي.

وقال خليفة إن السيناريو الثالث يتمثل في أن قطاع النشر سيستفيد من ثورة الذكاء الاصطناعي في تحسين عملية إنتاج المحتوى ونشره فتتحول دور النشر والمكتبات إلى نظم ذكية أكثر كفاءة وأكثر تفاعلا مع احتياجات القارئ، فلا مانع أن يقوم الكتاب مستقبلاً بالتفاعل مع القارئ، فتتغيّر المعلومات أو الأحداث داخل الكتاب وفقاً لعمر القارئ أو مشاعره تجاه تطور الأحداث.

من جانبه قال توماكس كوكس مدير شركة “أرك ووركس”، المتخصصة في تكنولوجيا النشر حول تأثيرات نظم الذكاء الاصطناعي على قطاع النشر، إن تأثيرات الذكاء الاصطناعي على قطاع النشر متعددة، بما في ذلك القدرة على تحرير المخطوطات وتلخيصها وأتمتة الترجمات وتحسين عملية التسويق، بل قد تصل قدرته إلى إنشاء محتوى لكتب كاملة.

وتساءل توماكس كوكس: هل سيقبل القراء المحتوى المؤلف من قبل الذكاء الاصطناعي؟ مشيرا إلى عدة تخوفات منها إمكانية إزاحة بعض الوظائف البشرية، خاصة المهام الروتينية والمتكررة، وكذلك إمكانية وجود محتوى رديء الجودة يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي.

حح

من ناحيته قال الدكتور أسامة إمام أستاذ نظم المعلومات وعميد كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي بجامعة حلوان إن قدرات الذكاء الاصطناعي في علمية إنشاء المحتوى وتنظيمه يجب أن تراعي عدة نقاط مهمة تضمن التغلب على المشكلات التي قد يقع فيها الذكاء الاصطناعي مثل التحيز والخطأ والمعلومات المضللة، ويتضمن ذلك القدرة على توفير مجموعة واسعة من البيانات الموثوقة والتعليم عليها لتحسين أداء النماذج الذكية وتقليل الأخطاء والتحيزات وبناء آليات مراقبة دقيقة للتحقق من جودة المحتوى المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي وتحليله للتحقق من الدقة والمصداقية والانحياز.

وتحدث خلال الجلسة عمار مرداوي، المؤسس المشارك والمدير العام لشركة “رفوف”، أول منصة عربية للكتب الإلكترونية والكتب الصوتية، مؤكدا أن الذكاء الاصطناعي بات يمتلك إمكانات هائلة لتحويل صناعة النشر، ليشمل جوانب مثل الكتابة والنشر والتسويق، فيمكن لنماذج اللغة الكبيرة مثل “تشات جي بي تي” إنشاء محتوى بسرعة عالية وإثراء الإبداع وتحسين جودة الكتابة.

وأشار إلى أن هذه التكنولوجيا قادرة على تطوير عملية النشر من خلال التنبؤ بنجاح الكتاب وأتمتة مهام التحرير والتدقيق الإملائي والنحوي بشكل آلي، موضحاً أنه يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل بيانات المستهلك في التسويق والتوزيع لتوقع أنماط الشراء وتحسين إستراتيجيات التوزيع، إلا أنه يجب على الصناعة معالجة تحديات مثل الاستغناء عن الوظائف والمسائل المتعلقة بحقوق النشر لضمان أن فوائد الذكاء الاصطناعي تتجاوز عيوبه.

وذكر أنه على الرغم من أن مكتب حقوق الطبع والنشر بالولايات المتحدة قد أعلن أن الأعمال التي تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي قد تكون مؤهلة لحماية حقوق الطبع والنشر، بشرط وجود مشاركة بشرية كبيرة، فإنه لا تزال الآثار القانونية والأخلاقية المترتبة عن حقوق التأليف والنشر للنصوص التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي موضع نقاش.

اقرأ أيضا:

12