معرض "حروف غامضة" لقاء فني بين زمنين وحضارتين

خالد الساعي يحاور بحروفه أحمد القرة حصاري من مسافة خمسة قرون.
الأربعاء 2023/12/27
إعادة استلهام أحمد القرة حصاري

الكثير من الفنانين التشكيليين يفضلون طمس مراجعهم والتجارب التي تأثروا بها، لكن الفنان السوري خالد الساعي لا ينخرط في هذا التمشي، بل يقر بكل تجربة أثرت فيه، ويحاول أن يخلق معها حوارية بصرية وفنية، في ربط بين الحاضر بكل قوته والماضي بأهمية كشوفاته، وفي هذا التمشي يأتي حواره الفني مع الخطاط التركي أحمد القرة حصاري في معرض جديد.

أفيون قرة حصار (تركيا) – سيفتتح الخميس في غاليري فادي آرت سبيس العالمية للفنون، بمدينة أفيون قرة حصار التركية، المعرض الفردي للفنان الحروفي السوري خالد الساعي، والذي يتواصل حتى السابع والعشرين من يناير المقبل.

وفي معرضه الجديد يواصل الساعي مشروعه الفني في التشابك مع التراث والماضي سواء الأدبي أو الثقافي أو الفني، وها هو يستلهم تجربة أحد الخطاطين الرواد في تركيا.

جسور فنية

المعرض يجسد لقاء فنان معاصر مع خطاط تاريخي وكيف للفن المعاصر أن يستلهم الأعمال التقليدية
المعرض يجسد لقاء فنان معاصر مع خطاط تاريخي وكيف للفن المعاصر أن يستلهم الأعمال التقليدية

المعرض بعنوان “حروف غامضة” وهو تكريم وإهداء واستلهام من الخطاط المبدع أحمد القرة حصاري (1468 – 1555)، ويضم عددا من الأعمال القماشية والورقية من القطع الكبير والمتوسط والصغير يتجاوز عددها 23 لوحة، بتقنيات الأكرليك والحبر والكولاج وتقنيات أخرى.

 ويمثل المعرض فرصة نادرة تتمثل في لقاء فنان حروفي معاصر مع خطاط تاريخي مبدع، وكيف للفن المعاصر أن يستلهم الأعمال التقليدية ويعود ليوظفها بلبوس جديد لكنه يمتد بجذوره وقيمته إلى الأصالة والفرادة، وهذا بمثابة جسر بين أصالة الماضي وتجدد الحاضر، وكيف لفنان معاصر أن يفترض لقاء تفاعليا مع فنان مترسخ في ذاكرة هذه المدينة، بل هو رمزها.

المعرض يمثل من ناحية أخرى حوارا فنيا بين الأنا والآخر، بين التركي و العربي. وهو بمثابة إعادة الجسور بين المجتمعين والحضارتين، بل يركز على التلاقيات والمشتركات.

قالت منسقة المعرض التركية بيستة كورسو إن “أعمال الخطاط القرة حصاري جزء من تراث هذه الأمة وهويتها، كما تمثل مرحلة مهمة ومضيئة من تاريخ البلاد، وقد رسخت القيم الكلاسيكية لهذا الفن، وهنا يأتي دور الفنان خالد الساعي كفنان له سمعة عالمية على قراءة هذا المنجز العريق، وإعادة استلهامه بلغة العصر”.

وقال فادي حلي، مؤسس الغاليري والإقامة الفنية، “أرادت فادي آرت سبيس لخالد الساعي أن يكون نجم باكورة نشاطاتها الثقافية المعنية بنشر الفن العربي المعاصر خارج حدودنا الجغرافية”.

وجاءت أعمال المعرض على سوية عالية وتفصيلية في إعادة استلهام أحمد القرة حصاري، وسيجد المهتم كيف أن الساعي درس كل تفصيلة خطية وجمالية عند الخطاط وجعل لها اقتراحات معاصرة لكنها آتية من صميم وجوهر الحرف والصيغ الجمالية، وسيكون أثر اللون الأزرق المستخدم في خطوط مسجد سليمان القانوني حاضرا وكذلك الأعمال الخطية في الأفاريز بالمسجد ذاته.

وستكون بسملة الحصاري الشهيرة حاضرة في أعمال الساعي، حتى أن بعض الأعمال جرى فيها تناوب بناء الخط بين خطوط الفنانين، كما لو أنهما أنجزا اللوحات معا.

حوار الحروف

حوار فني بين الأنا والآخر، بين التركي والعربي. وهو بمثابة إعادة الجسور بين المجتمعين والحضارتين
حوار فني بين الأنا والآخر، بين التركي والعربي. وهو بمثابة إعادة الجسور بين المجتمعين والحضارتين

في كل معرض جديد يؤكد خالد الساعي أنه تجربة تتفوق على ذاتها كل مرة، بالكشف البطيء الذي يشبه عمل الكيميائي، وبالتجديد النسبي في تشريح الحرف وأبعاده وثناياه. لقد كان بوسع الساعي أن ينهج نهج الخطاطين الكبار ويبقى في إطار الخط التقليدي المألوف، وهو علم قائم بحد ذاته له رواده ومتاحفه ومقتنوه في دول العالم، لكنه فضل التوجه نحو اللون بالتوازي مع الحرف. فأخذت تتشكل مع الزمن تجربة خاصة جدا لم يشهدها هذا الحقل في العصر الحديث وتجرأت على تطويع الخط العربي دون أن تهينه بكسره أو خدش تقاليده وقواعده المقدسة لدى الخطاطين، لكنها زجت به في عالم لوني جديد، وقد تأثر في ذلك بالخطاط حامد الأموي والخطاط سامي أفندي وأحمد القرى حصاري ومحمد أمين.

ويؤكد عمل الفنان أن الحرف هو الحضارة والهوية العربيتان. والخط مادة قابلة لاستيعاب كافة الحمولات والمعارف، في يقين من الفنان، الذي يذكّرنا بما قاله بيكاسو عما يمتلكه الحرف العربي، حيث ينقل عنه الساعي أنه كان يردد دوما “أردت الوصول إلى أقصى نقطة في الرسم، فوجدت أن الحرف العربي قد سبقني إليها. ومنذ أمد بعيد”.

ويخلق الفنان جسورا متينة مع الموروث مصرحا بالتجارب التي تأثر بها ومن أبرزها التركي أحمد القرة حصاري الذي يعود ليبني معه عوالم فنية حوارية مثيرة في معرضه الجديد.

ويذكر أن خالد الساعي فنان تشكيلي وحروفي، درس الفن في جامعة دمشق والخط في إسطنبول. أقام أكثر من ثلاثين معرضا فرديا وعددا كبيرا من المشاركات في المتاحف والملتقيات والصالات، منها في المتحف الوطني بدمشق، ومتحف الفن بون في ألمانيا، ومتحف جواتي روخو في المكسيك، والبيت العربي في مدريد، وكوزومز وورد في بلجيكا، والمجلس غاليري في دبي، وبينالي روما، وصالة غاتينو في كندا، وصالة بيج بوند في فرجينيا بالولايات المتحدة، وجويت آرت غاليري ويلسلي في بوسطن، والكثير من المشاركات في العالم.

وقام بتدريس الفن والخط في عدد من المؤسسات والجامعات مثل جامعة ميشيجان، وويلسلي كوليج، وجامعة ييل، والمؤسسة العربية الأوروبية في غرناطة، وأصيلة في المغرب، وغيرها.

​​​​فنان يبني جسرا بين أصالة الماضي وتجدد الحاضر
​​​​فنان يبني جسرا بين أصالة الماضي وتجدد الحاضر

أعماله مقتناة في عدد من المتاحف والمؤسسات والبنوك والمجموعات الخاصة مثل: المتحف البريطاني في لندن، ومتحف البرغامون في برلين، والبيت العربي في مدريد، ومتحف بويبلا في المكسيك، ومؤسسة أصيلة في المغرب، وقطر فاونديشن، ومتحف الشارقة للخط، ودويشة بنك، وبنك المشرق، وبنك قطر الأول، وقاعة روز رويز في لندن ودبي. والكثير منها ومن المجموعات الخاصة في مختلف أنحاء العالم.

وتحصّل الساعي على العديد من الجوائز، منها الجائزة الأولى لبنك البركة بإسطنبول، والجائزة الأولى في بينالي الشارقة لمرتين، والجائزة الأولى الحروفية في مهرجان الجزائر للخط – الدورة الثانية، والجائزة الأولى لخط الديواني الجلي في المسابقة الدولية لفن الخط بإسطنبول Ircica. ويعيش ويعمل بين الإمارات وفرنسا والولايات المتحدة.

14