معايير تركية مثيرة للجدل تربك تدفق الأموال الساخنة

التدخلات غير المدروسة للحكومة في السوق تُفقد ثقة المستثمرين.
الأربعاء 2023/02/22
دعم مُقنع لمشكلة مزمنة

يُجمع محللون على أن المعايير التركية المثيرة للجدل والهادفة إلى تحفيز تدفق الأموال الساخنة إلى السوق المحلية تنسف كافة المحاولات التي تسعى للتأكيد على أن البلاد قادرة على الحفاظ على جاذبية المستثمرين الذين باتوا يعزفون عن المجازفة في بيئة أعمال ليست مستقرة.

إسطنبول- تبدلت أحوال أسواق الأسهم والمال في تركيا والتي كانت إلى وقت قريب قبل كارثة الزلزال إحدى الدعائم الاقتصادية التي تعول عليها الحكومة لتنشيط الأعمال بعدما باتت خاضعة الآن للأهواء السياسية للدولة.

وضخت الحكومة سيولة مالية وخططت لموجة صعود حققت فيها أسهم مؤشر بورصة إسطنبول المعياري بي.آي.أس.تي 100 مكاسب تبلغ 20 مليار دولار على مدار ثلاثة أيام، من خلال سلسلة متتابعة من التغييرات المدروسة.

ونظريا، لا يزال المؤشر بالقرب من أعلى مستوى له على الإطلاق، لكن في الواقع، ابتعدت أنقرة خطوة أخرى عن الوضع الطبيعي لعالم المال.

ولفانغو بيكولي: لم تعد هناك سوق فأنقرة تتحايل حتى تبدو الأمور طبيعية
ولفانغو بيكولي: لم تعد هناك سوق فأنقرة تتحايل حتى تبدو الأمور طبيعية

ويرى المستثمرون في نيويورك ولندن ومناطق أخرى أنهم لا يودون الاستثمار في سوق أسهم تتغير فيها القواعد وفقا لمن يوجد في موقع السلطة.

وأكدوا أنه من الصعب معرفة ما إذا كانت المناورات الحكومية تعمل كحل مؤقت خلال فترات الأزمة، أو أنها لعبة سياسية للحفاظ على ارتفاع أسعار الأصول قبل خوض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانتخابات في مايو المقبل.

واعتبر ولفانغو بيكولي الرئيس المشارك في تينيو إنتليجنس تعليقا على تدخل الحكومة أنه “لم تعد هناك سوق”.

ونسبت وكالة بلومبيرغ إلى بيكولي قوله إن “الأمر بأكمله يتعلق بالأهداف السياسية قصيرة الأجل وبالتدخل المتواصل من جانب السلطات، التي تستخدم كل أنواع الحيل حتى تبدو الأمور طبيعية”.

وسعى صانعو السياسات للقيام بعدد من المبادرات لتعزيز البورصة مؤخرا، من خلال توجيه صناديق المعاشات الخاصة والبنوك الحكومية لشراء الأسهم وإلغاء الضرائب على عمليات إعادة شراء الشركات لأسهمها.

وكخطوة دائمة، يخطط صندوق الثروة السيادي بتركيا لإنشاء آلية جديدة تتيح للحكومة شراء الأسهم في أوقات تتسم بالتقلبات الشديدة.

ويحذر بعض المستثمرين من التفسير المبالغ فيه للتغييرات التي حدثت بعد أيام من تأثر البلاد بأسوأ زلزال منذ عقود.

ويرون أن الوضع ربما يكون مؤقتاً فقط، وأشبه بقطع التيار في حالة وجود ضغط في السوق، وليس علامةً على أن الحكومة تود لعب دور نشط في التداول.

وقال نيناد دينيك محلل أسواق الأسهم في بنك جوليوس بير إن “الإجراءات قصيرة الأمد لإعادة توازن السوق وتقليص التقلبات بعد الزلزال المفجع تبدو مُبررة في الأغلب”. وتوقع مخاطر محدودة من سياسة غير مرغوب فيها للتدخل.

ويفسر المستثمرون الأكثر تشاؤما تغيرات سوق الأسهم كأحد أشكال توسع السيطرة الحكومية التركية، التي تتغلغل بالفعل في عملة البلاد وسوق السندات فيها.

نك ستادميلر: التدخل المستمر لن يحافظ على ارتفاع مستوى سوق المال
نك ستادميلر: التدخل المستمر لن يحافظ على ارتفاع مستوى سوق المال

وتبنّت الحكومة أساليب غير تقليدية بشكل متزايد منذ انتخاب أردوغان خلال 2018 في تطور محوري، ما منحه قوة هائلة في النظام الرئاسي الجديد.

وتراوحت الأساليب بين خفض الفائدة في فترة كان التضخم خلالها في خانة العشرات إلى تعديل القواعد التنظيمية للقطاع المصرفي لدعم الليرة من باب خلفي.

ونتج عن ذلك هروب الأموال الأجنبية من السوق المحلية، التي كانت يوماً ما الوجهة المفضلة لمستثمري الأسواق الناشئة بسبب سياساتها للأسواق الحرة.

ووفقا لبيانات من تاكاسبانك الذي يتولى أعمال المقاصة، يملك المستثمرون الأجانب الآن نحو 30 في المئة فقط من الأصول التركية، مقارنة بمتوسط بلغ 60 في المئة على مدار العقدين الماضيين،

أما في سوق السندات، فتقترب الملكية الأجنبية من واحد في المئة فقط، بانخفاض من حوالي 28 في المئة تم تسجيلها في عام 2013.

وتمثل الشركات المحلية نحو 0.5 في المئة من مؤشر أم.أس.سي.آي للأسواق الناشئة، ما يضعها في المستوى نفسه مع تشيلي التي يبلغ حجم اقتصادها نحو نصف نظيره التركي.

ورفعت الإجراءات الطارئة مؤشر بي.آي.أس.تي 100 حوالي 12 في المئة بعد أيام من حدوث الزلزال مطلع هذا الشهر، وبلغت قيمة المؤشر أكثر من الضعف بالليرة منذ بداية 2022.

وتمثل الأسهم والذهب بعض الملاذات المنطقية القليلة المتبقية للادخار بالبلاد، إذ تُبقي الحكومة على أسعار الفائدة والإيداع منخفضة بأدوات مصطنعة وتحقق السندات عوائد أقل بكثير من التضخم.

وبالنسبة إلى المستثمرين الدوليين، رفعت التغيرات في سوق الأسهم التركية من مخاطر تسبب القواعد التنظيمية في تحويل الدولة إلى سوق مغلقة بشكل أكبر، وأن تصبح أكثر ملاءمة للاستثمار المحلي فحسب.

وقبل أن يضرب الزلزال البلاد، كان مؤشر بي.آي.أس.تي 100 أسوأ المؤشرات أداءً في أسواق الأسهم العالمية خلال العام الجاري.

صندوق الثروة السيادي بتركيا يخطط لإنشاء آلية جديدة تتيح للحكومة شراء الأسهم في أوقات تتسم بالتقلبات الشديدة

ويرى نك ستادميلر مدير قسم تطوير المنتجات في ميدلي غلوبال أدفايزرز بنيويورك أن الحكومة ستواجه صعوبات في الحفاظ على سوق الأسهم عند مستوى مرتفع من خلال تدخلها المستمر.

وقال “المشكلة هي أن سوق الأسهم تحتاج بشكل شبه مؤكد إلى الإقبال على الشراء من جديد لكي تظل عند مستويات مرتفعة”. وأضاف “سيحتاج المسؤولون إلى الاستمرار في التدخل لمنع انهيار سوق الأسهم، ما قد يضر بمعنويات المستهلكين وإنفاقهم”.

ولم يبال مستثمرون آخرون بالمخاوف المتعلقة بالاستثمار في تركيا، قائلين إنها جزء من المخاطر المرتبطة بالأسواق الناشئة.

وقال كارلوس هاردنبرغ مدير المحافظ في موبيوس كابيتال بارتنرز إنه يحافظ على حيازات الأسهم التركية كما هي، وينتظر ليرى نتيجة الانتخابات.

وأضاف “رأينا ذلك في دول أخرى أيضاً، والإجراءات مؤقتة ومن الواضح أن على السلطات الابتعاد عن السوق بشكل عام، لأن ذلك سيتسبب في فقدان الثقة”.

10