معاناة الأسرة من الإدمان زادت بتنوع المواد المحفزة عليه

البحث عن بدائل للاندماج الاجتماعي يوقع كثيرين تحت طائلة الإدمان، وأفضل الحلول لعلاج الإدمان تكون باستخدام العلاج السلوكي المعرفي للمساعدة في تجنب التحفيزات.
الأحد 2019/01/13
خاضعات للرغبة في التسوق
 

توسعت دائرة المواد المسببة للإدمان لتتجاوز المواد الكحولية والتدخين والمخدرات وتشمل السكريات ووسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية والتسوق إلى درجة أصبح فيها أغلب أفراد المجتمع والأسرة الواحدة ضحايا للإدمان. ويلفت العلماء إلى أن الانفتاح في عالم التسويق والترويج وكثرة العوامل المحفزة والمثيرة للرغبة الشديدة إلى جانب فقدان الروابط الاجتماعية لقوتها التي تعطي معنى للحياة تقف وراء زيادة أعداد المدمنين في العالم.

لندن - أصبح الكثير من الأشخاص في قبضة مجموعة واسعة من المواد المؤدّية إلى الإدمان، من السكريات إلى وسائل التواصل الاجتماعي والتسوق وغيرها وأصبحت التأثيرات السلبية للإدمان بارزة ومعروفة لدى غالبية الناس سواء على المستوى الشخصي من النواحي الجسدية والنفسية والعقلية والسلوكية أو على مستوى العلاقات الأسرية والاجتماعية.

وقدمت مفوضة الأطفال في المملكة المتحدة آن لونغ فيلد تقريرا حول تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب في أوائل العام 2018. وقالت فيه إنّ “بعض الأطفال أصبحوا مدمنين تقريبا على ‘الإعجابات’ كشكل من أشكال الإنجاز الاجتماعي".

 ولاحظت المفوضة في تقريرها أن الوصول إلى المواد المسببة للإدمان أصبح سهلا ومتاحا هذه الأيام، من السكّريات والإنترنت إلى القمار والمخدرات، حيث أصبحت متوفرة أكثر مما كانت عليه في الماضي. هذا يعني أن المزيد من الناس أصبحوا تحت طائلة الإدمان.

وكانت المجتمعات تنظر إلى الإدمان على أنه اضطراب مرتبط بمواد يتم استهلاكها، مثل الكحول والمخدرات لكن عندما أصبحت لائحة المواد المسببة للإدمان أكثر اتساعا، لتشمل الحلويات والتسوّق ووسائل التواصل الاجتماعي تغيرت هذه النظرة، ومع هذا التطوّر، افتتحت هذه السنة أول عيادة لمعالجة إدمان الإنترنت في المملكة المتحدة، في إطار الخدمة الصحية الوطنية. وأدرجت منظمة الصحة العالمية إدمان الألعاب الإلكترونية ضمن لائحة أنواع الإدمان الرئيسية.

من الصعب التغاضي عن حقيقة أن العديد من عوامل الإثارة المحفزة على الإدمان متوفرة اليوم عبر لمسة لإحدى الشاشات الإلكترونية. وقد وجدت مؤسسة أديونشن الخيرية ضد الإدمان في دراساتها أن الآباء يتعاملون مع أطفالهم المراهقين الذين يدمنون على وسائل التواصل الاجتماعي كما أنهم مدمنون على المخدرات.

الآباء يتعاملون مع أطفالهم المراهقين الذين يدمنون على وسائل التواصل الاجتماعي كما أنهم مدمنون على المخدرات

كما ظهرت لدى الآباء نسبة مماثلة من المعاناة عند مقارنة المخاوف المتعلقة بالألعاب الإلكترونية بتلك المرتبطة بالمخدرات.

ولا يتفق الجميع حول تحديد الاضطرابات السلوكية التي يمكن اعتبارها من مؤشرات الإدمان رغم تطابق معظم المعايير القياسية لتشخيص الإدمان. ويقول مايكل لينسكي، أستاذ متخصص في الإدمان بكلية كينجز كوليدج في لندن لصحيفة الغاردين البريطانية “إذا أصبح المراهق سريع الانفعال عند اختصار جلسة اللعب مثلا، فهناك نقاش حول ما إذا كان هذا نوعا من الإدمان”.

واعتبرت أبحاث في مجال علم الأعصاب أن جميع أنواع الإدمان تتعلق بإفراز نفس المادة الكيميائية في الدماغ، وهي الدوبامين، التي تقود إلى الرغبة الشديدة التي لا يمكن كبتها. وقد أصبح العالم، في القرن الحادي والعشرين، يشهد مصادر كثيرة للمحفزات، خاصة من خلال حملات التسويق التي تعمل على أنظمة الدوبامين وجعلها “أكثر حساسية”.

ويؤكد لينسكي، هذا الاستنتاج قائلا “لقد ازداد عدد المواد التي يدمن الناس عليها. فبالنسبة لجيل والدي، كانت الخيارات الوحيدة هي التبغ والكحول. الآن نجد المزيد من الأدوية المسببة للإدمان بسبب تركيبتها، إلى جانب تشجيع الاستخدام المطول لأشياء أخرى مثل الإنترنت”.

وينظر إلى العديد من هذه الأنواع من الإدمان على أنها سلوكية أكثر منها جسدية، ولكن العواقب يمكن أن تكون خطيرة في الجانبين. ويعتبر القمار أطول إدمان سلوكي ثابت، وقد تم الاعتراف به طبيا منذ العام 2013 لأن معدلات الانتحار بين المقامرين المدمنين مرتفعة.

 وتقول الخبيرة الاستشارية في الطب النفسي هنرييتا جونز، “أرى الطلاب المقامرين الذين ينقطعون عن الجامعة لأنهم لا يستطيعون التوفيق بين إدمانهم وحياتهم الجامعية. وأرى أشخاصا مدمنين على التسوق يعانون من ديون كثيرة لأنهم لم يستطيعوا منع أنفسهم من شراء ثلاثة فساتين مختلفة مثلا. وفي النهاية تعاني عائلاتهم معهم”.

وتضيف جونز إنّ الإدمان قد ينتقل أحيانا نحو مجالات أخرى، على سبيل المثال، “لقد رأيت مريضا يعاني من اضطراب نحو الألعاب، ثم تحول إلى إنفاق المال على الملابس. يمكنك تحويل السلوك الإدماني بطريقة أو بأخرى، وهذه حالة مرضية لا نعرف عنها الكثير في الوقت الحالي".

هوس التسوق وإدمان الشراء
هوس التسوق وإدمان الشراء

ووصف تيري روبنسون، الأستاذ في علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة ميشيغان، مع زميله كينت بيردج، الدوبامين بأنه مادة كيميائية عصبية مسؤولة عن الرغبة الشديدة. ويعتقد أن مناقشة دلالات الإدمان أمر غير مفيد. ويوضح بيردج “سواء كان الأمر يتعلق بالعقاقير أو القمار أو أي شيء آخر، فأنت تنظر إلى اضطرابات بالتحكم في الدوافع حيث يواجه الأشخاص صعوبة في الامتناع عن الاستخدام المكثّف لبعض المواد. هناك بالتأكيد أوجه تشابه من حيث الآليات النفسية والبيولوجية العصبية المعنية. أصبحت بيئتنا الحديثة محشوة بمحفزات لكن لا يقدّر الناس قوة الإشارات في توليد حالات تحفيزية".

من جانبه يوافق لينسكي، مضيفا أن “بعضا من التسويق وتصميم ماكينات القمار يعد خطوة متقدمة في ابتكار طرق لجذب المستخدمين وتعزيز الدوبامين لديهم”. وزرّ “الإعجاب”، في وسائل التواصل الاجتماعي، هو مثال مشابه لذلك.

وتوجد نظرية أخرى حول عوامل تنويع السلوكيات المسببة للإدمان تنبع من سلسلة من التجارب التي أجريت في كندا في أواخر السبعينات من القرن الماضي والمعروفة باسم “رات بارك”، أين وجد عالم النفس بروس أليكساندر أن الفئران المعزولة في أقفاص فارغة مع خيار شرب مياه بسيطة أو مخدرة، أصبحت مدمنة على الهيروين بسهولة. أي أن السياق يقود إلى الإدمان، وليس الدواء وحده.

ويقول بروس إنّ “العالم الحديث يكسر جميع أنواع التقاليد والأديان التي جعلت الحياة متكاملة ومليئة في الماضي. علينا أن نعيد تركيبة المجتمع، مع التأكد من وجود اتصالات كافية للبشر مع بعضهم البعض حتى لا يحتاجوا إلى إيجاد بدائل للحياة في الإدمان".

 ويضيف أنّ المنظمات في المملكة المتحدة تبحث سبلا لتوحيد المدمنين في مجموعات وتزرعها في المجتمعات المحلية، لمساعدة هؤلاء الأفراد على إيجاد حياة ذات معنى.

ويعتبر الباحثون أن أفضل الحلول لعلاج الإدمان السلوكي تكون باستخدام العلاج السلوكي المعرفي للمساعدة في تجنب التحفيزات (على سبيل المثال، اتخاذ مسار مختلف إلى المنزل حتى لا تمر بمتاجر الملابس)، ومكافأة السلوك الجيد، وإعادة التأكيد والتذكير على ما يخسره الناس بسبب الإدمان. وقد ساعد التأمل بعض الأفراد على الحد من تعاطي المخدرات. وفي الواقع، وجد بعض المدمنين هذه الطريقة أكثر فعالية من العلاج السلوكي المعرفي.

21