معارضون سوريون: تجاهل مجرمي الحرب يعادل تبرئة نظام الأسد

اللاجئون السوريون منقسمون حول مصير المنشقين عن النظام بين المطالبة بمحاكمتهم على أساس مجرمي حرب وبين معاملتهم كشهود.
الثلاثاء 2020/12/01
أول محاكمة لضباط منشقين عن النظام السوري

دمشق – تباينت مواقف اللاجئين السوريين ومن يعيشون في المنفى حول مصير المنشقين من قوات الأمن السورية عن نظام الأسد، بين من يطالب بمحاكمتهم على اعتبارهم مجرمي حرب وبين من يدعو إلى معاملتهم كشهود في مسعى لتقديم كبار المسؤولين للعدالة.

في ألمانيا، التي تؤوي 600 ألف لاجئ سوري، استخدم مدعون عامون قوانين الولاية القضائية الدولية التي تسمح لهم بملاحقة الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في أي مكان بالعالم سعيا لتحقيق العدالة لضحايا التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء على أيدي قوات الأسد.

وفي أول قضية تُرفع أمام محكمة ألمانية، بدأت في شهر أبريل محاكمة اثنين من الضباط السابقين في المخابرات السورية بتهم تتعلق بالتعذيب والاعتداء الجنسي.

ويخضع أنور رسلان وإياد الغريب للمحاكمة بعدة تهم بناء على ادعاءات من الضحايا والشهود، ومن بينهم المحامي أنور البني والمخرج فراس فياض وآخرون وامرأتان حيث قاد رسلان قسم التحقيقات في الفرع 251 التابع للمخابرات السورية، الذي أدار سجنا في منطقة دمشق.

وكان المشتبه بهما قد انشقا في 2012 ومُنحا حق اللجوء في ألمانيا. ويتساءل الكثير من السوريين المقيمين في ألمانيا حاليا هل المنشقون أصدقاء أم أعداء؟

قال فواز تللو، وهو معارض سوري مخضرم، "المحاكمة في ألمانيا خطأ استراتيجي وأخلاقي. لقد خاطر المنشقون بحياتهم للانضمام إلى المعارضة وتشويه سمعة النظام".

وتساءل تللو "من الذي في عقله السليم سوف ينشق الآن عندما يرى أن الأشخاص الذين انشقوا في الأشهر الأولى من الثورة يخضعون للمحاكمة؟ المحاكمات تتم بعد انتهاء الحرب ليس الآن".

ولطالما رفضت الحكومة السورية التقارير التي تحدثت عن تعذيب وعمليات قتل خارج نطاق القانون وثقتها جماعات دولية لحقوق الإنسان.

محمود العبدالله، وهو عقيد سابق من قوات النخبة في الفرقة الرابعة بالجيش السوري، واحد من مئات المنشقين الذين أدلوا بشهاداتهم أمام مسؤولين قضائيين ألمان وفرنسيين يجمعون أدلة عن جرائم مزعومة على يد الحكومة السورية خلال الحرب التي لم تضع أوزارها بعد.

ويقول العبدالله إن البطاقة العسكرية التي تحدد رتبته هي أثمن المتعلقات القليلة التي كان يحملها عندما غادر سوريا قبل نحو ست سنوات.

صورة

ويضيف أن قطعة الورق الوردية المغلفة بالبلاستيك تلك أعطت المزيد من المصداقية للشهادات التي أدلى بها في فرنسا وألمانيا ضد الحكومة السورية.

وتابع العبدالله (56 عاما)، وهو أب لخمسة أبناء، بينما يلف سيجارة في شقة متواضعة بمدينة جيرا في شرق ألمانيا حيث يعيش مع زوجته، "رأيت الكثير من الإجرام، جنودا عُدموا لرفضهم إطلاق النار على المتظاهرين وقصفا مدفعيا ثقيلا على مناطق مدنية".

وأردف "ما زلت أتذكر الليلة التي قررت فيها الانشقاق، 13 فبراير 2012. كنت أصلي في غرفتي في قاعدة الصابورة العسكرية (غرب دمشق)، الأنوار كانت منطفئة، وقلت: يا ربي لا أريد المشاركة في مثل هذه الجرائم، من فضلك ساعدني على الخروج من هنا".

وأشاد نشطاء بالمحاكمة في ألمانيا باعتبارها خطوة أولى نحو تحقيق العدالة للألوف من السوريين الذين قالوا إنهم تعرضوا للتعذيب في منشآت حكومية، بعد فشل محاولات إنشاء محكمة دولية لسوريا.

وقال أنور البني من المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان الذي يمثل ضحايا في محاكمة التعذيب "لا يحق لأي شخص أن يقول للضحايا أن لا يسعوا لتحقيق العدالة"، مضيفا أن "ْتجاهل مجرمي الحرب المشتبه بهم يعادل تبرئة نظام الأسد".

والمُدعى عليه الرئيسي في المحاكمة، وهو أنور.آر، متهم بارتكاب 58 جريمة قتل في سجن بدمشق، حيث يقول ممثلو الادعاء إن أربعة آلاف على الأقل من نشطاء المعارضة عُذبوا فيه عامي 2011 و2012. وقد أنكر جميع التهم المنسوبة له.

وقد كان عقيدا بالمخابرات لكنه فر إلى تركيا في 2012 حيث أصبح ناشطا في الجيش السوري الحر المعارض. ووصل إلى ألمانيا في 2014 ومُنح حق اللجوء.

وقال تللو إن أنور.آر كان عضوا في وفد للمعارضة في محادثات أُجريت تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف قبل حوالي ست سنوات بهدف إنهاء الصراع ، الأمر الذي يجعل محاكمته مسألة فيها "تحقير" لجماعات المعارضة المتصارعة في ما بينها.

وتساءل عقيد الجيش السابق العبدالله عما إذا كان من الواقعي أن يُحاكم كل من ارتكب جريمة.

وردا على سؤال عما إذا كان يخشى توجيه اتهامات له، قال العبدالله إن ضميره مرتاح، وأضاف أنه قاتل قوات الأسد وتنظيم داعش قبل أن يفر إلى تركيا.

وتابع "الثورة السورية لم تربح الحرب بعد. حتى لو فعلنا ذلك يجب أن يكون هناك نوع من العفو العام، ويجب محاكمة الأسد وكبار معاونيه وأتباعه".