مظاهرات أنصار الحكم المدني والموالين للجيش تجتاح شوارع الخرطوم

الخرطوم - نزل الآلاف من أنصار الحكم المدني في السودان بعد ظهر الخميس وسط أجواء متوترة إلى شوارع الخرطوم، حيث يعتصم منذ ستة أيام مؤيدون لـ"حكومة عسكرية" يقولون إنها وحدها القادرة على إخراج البلاد من أزمتين اقتصادية وسياسية متفاقمتين، بينما أغلقت قوات الجيش والشرطة الطرق المؤدية إلى المقار الحكومية.
واختار المحتجون يوما له رمزية كبيرة في السودان، إذ يصادف ذكرى أول انتفاضة شعبية في السودان في الحادي والعشرين من أكتوبر 1964، التي أطاحت بحكم الجنرال إبراهيم عبود ومجلسه العسكري.
وتقدم تظاهرات الخرطوم رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، وعدد من الوزراء، من أبرزهم وزيرا شؤون مجلس الوزراء خالد عمر يوسف، والنقل ميرغني موسى.
وتتنامى المخاوف من حدوث صدامات بين الطرفين على الرغم من دعوات تهدئة أطلقها قادتهما والحكومة خلال الأيام الأخيرة.
ومنذ مساء الأربعاء، أعلنت وزارة التربية والتعليم أن الخميس يوم عطلة في جميع المدارس "حرصا على سلامة" التلاميذ والطلاب، كما أغلقت العديد من المحلات التجارية أبوابها منذ الصباح.
وانتشرت الشرطة لحماية المباني الحكومية تحسبا من اقتحامها وأعمال شغب، فيما أغلق الجيش كل الطرق المحيطة بمقر قيادته في وسط الخرطوم بوضع حواجز أسمنتية، ونشر جنود يحملون بنادق كلاشنيكوف.
وردد المتظاهرون شعارات منها "سلمية. سلمية"، و"ثوار أحرار.. حنكمل المشوار"، كما حملوا الأعلام الوطنية ورفعوا لافتات تطالب بالحكم المدني، منها "يا سلطة مدنية. يا ثورة أبدية"، و"كل السلطة في يد الشعب".
وخرج المتظاهرون بمدن الخرطوم وبحري وأم درمان وكسلا والقضارف وخشم القربة (شرق) والفاشر ونيالا والضعين والجنينة (غرب) وسنا وسنجة والدمازين (جنوب شرق) ومدني والمناقل (وسط) والأبيض والنهود (جنوب).
وانطلقت الاحتجاجات للمطالبة بحكم مدني وإنهاء الشراكة مع العسكريين في السلطة الانتقالية، واستكمال الانتقال السلمي الديمقراطي، ورفض دعوات تيار "الميثاق الوطني" والمكون العسكري في السلطة إلى حل الحكومة وتشكيل أخرى.
وسار مؤيدو الجيش من جهتهم على أحد الجسور في الخرطوم وهم يرفعون لافتات تحمل صور رئيس الوزراء حمدوك مع إشارة X عليها، في إشارة إلى مطلبهم حل حكومته.
وفي ساحة الاعتصام، حمل المحتجون الخميس أعلام السودان ورقصوا على أنغام موسيقى انبعثت من مكبرات صوت في المكان.
وقال حماد عبدالرحمن ذو السبعة وثلاثين عاما الذي يشارك في الاعتصام وقد ارتدى زيا سودانيا تقليديا هو عبارة عن جلباب أبيض مع عمامة على رأسه، "الناس الذين سيتظاهرون من حقّهم أن يعبّروا، لكننا نؤمن بأننا في الموقف الصحيح".
وأطاح الجيش في العام 2019 بنظام عمر البشير الذي حكم السودان لأكثر من ثلاثين عاما بقبضة من حديد، بعد انتفاضة شعبية عارمة استمرت شهورا، وتسلّم السلطة. لكن الاحتجاجات الشعبية استمرت مطالبة بسلطة مدنية وقد تخللتها اضطرابات وفض اعتصام بالقوة سقط خلاله قتلى وجرحى.
وفي أغسطس 2019، وقّع العسكريون والمدنيون (ائتلاف قوى الحرية والتغيير) الذين كانوا يقودون الحركة الاحتجاجية، اتفاقا لتقاسم السلطة نصّ على فترة انتقالية من ثلاث سنوات تم تمديدها لاحقا. وبموجب الاتفاق، تم تشكيل سلطة تنفيذية من الطرفين، على أن يتم تسليم الحكم لسلطة مدنية إثر انتخابات حرة في نهاية المرحلة الانتقالية.
وينقسم الفريقان الخميس، بعد أن تصاعدت الخلافات بين المدنيين الموجودين في السلطة، ما أضعف الدعم الذي يحظى به حمدوك، لتعلو أصوات تطالب "بحكومة عسكرية".
وعقد الطرفان الأربعاء مؤتمرين صحافيين في وقت متزامن تقريبا.
وقال مني مناوي الذي يرأس حركة تحرير السودان، وهو حاليا محافظ ولاية دارفور (غرب) "يوم الحادي والعشرين من أكتوبر هو يوم للتسامح مع الجميع وليس للتحريض".
وأكد وزير المال جبريل إبراهيم، المطالب أيضا بحكم عسكري، "نرفض بشكل حازم الاعتداءات أو اللجوء إلى أي شكل من أشكال العنف".
وقال ممثل لجان المقاومة المنظمة للاحتجاجات، المطالبة بحكم مدني، علي عمّار "موكبنا لن يقترب من القصر الجمهوري أو مجلس الوزراء حتى لا يحدث صدام مع المعتصمين. هذا ما يريده البعض، لكن ثورتنا بدأت سلمية ونريد لها أن تستمر سلمية".
وتشهد الخرطوم حراكا دبلوماسيا مكثفا، حيث وصلت إلى الخرطوم قبل يومين وزيرة الشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية البريطانية فيكي فورد.
وأكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان خلال لقائه بفورد، حرص القوات المسلحة والمكوّن المدني على "إنجاح الفترة الانتقالية وصولا إلى حكومة مدنية منتخبة تلبي تطلعات الشعب السوداني".
وشدد، وفق بيان صادر عن مكتب المجلس الإعلامي، على "الالتزام بالوثيقة الدستورية والحفاظ على الشراكة بين المكونين العسكري والمدني".
والتقى نائب المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي بيتون نوف عددا من المسؤولين، تمهيدا لزيارة المبعوث جيفري فيلتمان إلى الخرطوم نهاية الأسبوع.
ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية "سونا" عن نوف قوله الأربعاء إن واشنطن "كصديقة للانتقال إلى الحكم الديمقراطي المدني الكامل ستبذل جهدها للمساعدة في تجاوز الأزمة الراهنة، وذلك بفعل كل ما بوسعها لحل الخلافات بين الأطراف المختلفة".
ودعت سفارة الولايات المتحدة بالخرطوم المتظاهرين إلى الحفاظ على الطابع "السلمي" للاحتجاج.
وقالت السفارة في بيان "نشجّع المتظاهرين على السلمية ونذكّرهم بالدعم الأميركي القوي للانتقال الديمقراطي في السودان".