مطالب في تونس باستعادة دور الدولة في مؤازرة الصحافيين

تونس - ضج الوسط الإعلامي التونسي بمقطع فيديو يظهر مقدمة نشرة أخبار في إذاعة تونسية خاصة في حالة من الإنهاك الشديد أثناء قراءتها الأخبار، واعتبر العديد من الصحافيين أنهم أصبحوا عاجزين عن مواجهة الضغوط المسلطة عليهم، مطالبين الدولة بحمايتهم.
وأثار مقطع الفيديو جدلا بين الصحافيين ومطالب بضرورة استعادة الدولة لدورها في الحماية الاجتماعية لأهل القطاع. وأعاد التذكير بدعوة رئيس مجلس نواب الشعب إلى التعامل الإيجابي مع المبادرة التشريعية المتعلقة بصندوق دعم استقلالية وسائل الإعلام وجودة مضامينها، والتي كان تقدم بها عدد من أعضاء مجلس نواب الشعب، والإسراع بإحالتها إلى اللجنة المختصة لمناقشتها نظرا لحاجة قطاع الإعلام الماسة والاستعجالية إليها.
وعلق أستاذ الإعلام صلاح الدين الدريدي على مقطع الفيديو قائلا إن "هذا من علامات عشرية الخراب الإعلامي. باسم حرية الإعلام.. الكرونيكور (المحللون) والمؤثرون وقارئات الفنجان أصبحوا في وضعية بورجوازية والصحافيون في وضعية بروليتاريا الصحافة التي لا صوت لها."
وشرح الدريدي في تصريحات لـ"العرب" أنه “بعد عام 2010 في إطار نظرة جديدة لإصلاح الإعلام ودوره كان الاتجاه العام يسير في اتجاه استبعاد الدولة من الإشراف على قطاع الصحافة والإعلام. كانت الفكرة السائدة حينها أن الدولة تقيد حرية الإعلام وأن الدولة ستكون إلى جانب الاستبداد.” وتابع الدريدي أن “الدولة اضطرت للتخلي عن دورها وتركت الإعلام يتطور بآلياته الداخلية التي ثبت سوؤها وفشلها.”
ويضيف الخبير الإعلامي أنه “حتى في المجتمعات الديمقراطية تتولى الدولة أدورا تنظيمية واجتماعية في الإعلام من خلال عدة هيئات ليكون لإعلام بذلك تحت سلطة الدولة بشكل أو بآخر".
ويرجع الدريدي تخلي الدولة عن دورها في تونس بـ"قصور الرؤية لدى خبراء الإعلام الذين لم يعوا أدوارها الحقيقية في الإعلام إذ أن لديها دور المراقبة والآخر تنظيمي وهو دور يخدم الصحافيين عادة". وأوضح الدريدي أن "الأخطاء في قطاع الإعلام ساهمت فيها ما يسمى البرجوازية الصحافية وهي فئة لا علاقة لها بالصحافة سيطرت على القطاع من خلال مساهمات الإشهار في غياب مراقبة من الدولة في مقابل ما يسمى بروليتاريا الصحافيين الذي يعيشون الأزمة".
وباتت “الكرونيك” صيحة تلفزيونية غزت البرامج ذات الطابع الترفيهي حتى أصبح فريق “الكرونيكور” ركيزتها وعصبها المحرّك. ولئن كان “الكرونيكور” في الأصل عبارة عن ضيف دائم للبرامج التلفزيونية يقدم ركنًا يوميًا أو أسبوعيًا بطريقة جادة أو هزلية، فإنّه في البرامج التلفزيونية التونسية عبارة عن رأس مال رمزي يستثمره مقدم البرامج أو صاحب المحطّة التلفزيونية لضمان أكبر نسب من المشاهدة للحصول على نصيب معتبر من الإعلانات.
ويتساءل الخبير أنه منذ 2010 في غياب الدولة وأي طرف له سلطة القرار “ماذا كان دور نقابة الصحافيين التونسيين وماذا قدمت للصحافيين، ينادون بتدخل الدولة وينادون باستبعادها في نفس الوقت ثم يحمّلونها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع ويطالبونها بإصلاحها حين تسوء.”
ويذكر في هذا السياق أنه “عند تولي الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي السلطة في 7 نوفمبر 1987 طالبت حينها جمعية الصحافيين التونسيين بموازنة سلّم رواتب الصحافيين بسلّم مهندسي الدولة، وهو ما وافقت عليه سلطة الإشراف.” وعدد الدريدي تدخلات وزارة الشؤون الاجتماعية في تونس التي كانت تقود المفاوضات جنبا إلى جنب مع النقابات ضد منظمة الأعراف لافتكاك رواتب مناسبة وامتيازات للصحافيين.
ويطالب الدريدي كما العديد من الصحافيين باستعادة دور الدولة الذي لا يعني السيطرة بل المشاركة في الإشراف على قطاع الإعلام في “مجتمع ديمقراطي مفتوح يلعب فيه المجتمع المدني دورا مهما.”
ويقول إن دور الدولة الأصلي يتمثل في مساعدات مباشرة وأخرى غير مباشرة وتتمثل المساعدات المباشرة في فكرة الصندوق المطروحة في مجلس النواب التي تقدم بها نواب في البرلمان مؤخرا حول مقترح قانون يدعم الإعلام ماديا ومهنيا، من خلال إحداث “صندوق دعم استقلالية وسائل الإعلام وجودة مضامينها”، وضبط شروط وطرق تدخّله.
ويمثل المشروع إحدى المبادرات الجدية التي تصب في اتجاه إخراج الإعلام من أزماته المزمنة منذ سنوات والتي أفقدته ثقة الجمهور وتأثيره على الرأي العام. أما المساعدات غير المباشرة فتتمثل في توفير امتيازات للصحافيين ووسائل الإعلام. ومن بين الآليات لمساعدة الإعلام العمومي إعادة توزيع الإشهار العمومي حسب معايير الجودة وخدمة قضايا المجتمع، والمساعدات التي تقدّمها الدولة للمؤسّسات الإعلاميّة على غرار المساعدات الماليّة المباشرة والتخفيضات على القيمة المضافة والإشهار الخاص.
ودعت الهياكل المهنية لقطاع الإعلام، في فبراير الماضي، للنظر في ما وصفته بـ”الوضع الخطير الذي تردت فيه مهنة الصحافة في تونس وطرق مواجهتها”، إلى اتخاذ جملة من الإجراءات لمجابهة واقع الإعلام التونسي. وقالت إنها منفتحة على السلطتين التنفيذية والتشريعية من أجل تحمل مسؤوليتهما التاريخية في حماية مهنة الصحافة من الاندثار، وإنها مؤمنة بالمقاربات التشاركية في حماية قطاع الإعلام من انهيار شامل ووشيك، مجددة دعوتها للإنصات لمشاغل أصحاب المهنة والقائمين عليها.
◙ من الآليات لمساعدة الإعلام العمومي إعادة توزيع الإشهار العمومي والمساعدات التي تقدمها الدولة للمؤسسات الإعلامية مثل المساعدات المالية المباشرة
ومن أبرز الإجراءات التي دعت إليها الهياكل المهنية ضرورة الإسراع بإصلاح قطاع الإعلام العمومي ليكون قاطرة الإعلام التونسي من خلال مقاربات تشاركية وناجعة “بعيدًا عن الأحادية والترقيعية، تمس حوكمته الداخلية وتنظيمه وتمويله واستقلاليته التحريرية بما في ذلك إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارته، وتنقيح أنظمته الأساسية حتى تتماشى مع الاتفاقيات المشتركة والقطاعية والخاصة".
وطالبت بتعيين مخاطب يتواصل معها “من أجل بناء مقاربة تشاركية لا تسعى فقط لبناء سياسة عمومية لقطاع الإعلام بل وبشكل استعجالي تعمل على الحد من انهيار شامل ستكون له آثار كارثية على الأوضاع العامة ببلادنا وعلى حالة السلم الاجتماعي.”
وأكدت على ضرورة وعي السلطتين التنفيذية والتشريعية بأدوار الإعلام وأهدافه، معتبرة أن الإعلام الخاص والعمومي والجمعيّاتي يمثّل مرفقًا عموميًا سياديًا يقدّم خدمة عامّة لعموم المواطنين لا بدّ للدولة أن تعمل على ضمان جودته وديمومته وتنوّعه، ومساعدته على تجاوز أزماته المالية التي يمر بها عبر عديد الآليات.
وبحسب متابعين للإعلام يمكن اعتبار سبب تفاقم مؤشرات انهيار المنظومة الإعلامية، في غياب سياسة عمومية منذ سنوات، لذلك تحتاج تونس إلى جهود مشتركة من الحكومة والهيئات المهنية والمجتمع المدني للعمل على تحسين وضع الإعلام، وتدعيم دوره في تعزيز الديمقراطية.
ويتلخّص انهيار المنظومة الإعلامية حسب تقدير أستاذ الإعلام والاتصال والباحث الصادق الحمامي في محورين اثنين وهما: عجز الصحافيين عن أداء مهامهم، وعدم قدرة المواطنين على تلقي خدمة إخبارية محترمة.
من جهتها، اعتبرت رئيسة مجلس الصحافة اعتدال المجبري، أن الانتهاكات الصارخة لأخلاقيات المهنة التي يرتكبها بعض “الدخلاء”على المهنة وبعض الصحافيين المبتدئين الذين يفتقرون للثقافة القانونية، يفسر “حالة الاحتراز” إزاء وسائل الإعلام، مؤكدة أن التحدي الراهن يتمثل في تحقيق المعادلة بين أخلاقيات الصحافة وحرية الصحافة، وهو ما يقتضي اليوم مراجعة أساليب التكوين وملاءمتها مع الواقع الجديد للقطاع.