مطالب بالإفراج عن قيادي إخواني تحرج القاهرة ولجنة العفو الرئاسي

أحرجت دعوة إلى الإفراج عن القيادي الإخواني منعم أبوالفتوح بسبب تدهور حالته الصحية تبناها عدد من السياسيين والإعلاميين الحكومة المصرية ولجنة العفو الرئاسي. وبين رافض لمطالب الإفراج وداعم لها اختلفت الآراء وتعددت.
القاهرة - شكل ما يعرف بـ"الوصية"، التي كتبها المرشح الرئاسي السابق والقيادي الإخواني عبدالمنعم أبوالفتوح من داخل محبسه بعد تدهور حالته الصحية، حرجا للجنة العفو الرئاسي، وترفض الحكومة المصرية الاستجابة لمطالبات الإفراج عنه خشية وقوعها في فخ يقود إلى توالي الضغوط عليها للإفراج عن قيادات أخرى.
وتم الإفراج عن العشرات من المحبوسين على ذمة قضايا رأي من خلال قناة لجنة العفو الرئاسي، التي جرى تفعيل عملها منذ ثلاثة أشهر.
وقال ابن أبوالفتوح على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك الثلاثاء إن والده كتب وصيته في رسالته الأخيرة للعائلة، وإن حالته الصحية كما هي "لم يطرأ عليها تحسن وأن الأسرة أخذت بكل الأسباب والسبل لرفع الظلم عنه من دون جدوى".
وأثارت دعوة عدد من السياسيين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى الإفراج الصحي عن أبوالفتوح أخيرا جدلا سياسيا بين مؤيدين للخطوة لارتباطها بأبعاد إنسانية وبين معارضين رأوا أن تنظيم الإخوان اعتاد على تلك الممارسات عندما يريد أن يمارس ضغوطه على النظام المصري، وأن خطاب المظلومية يجذب دائما عددا من السياسيين غير المحسوبين على الجماعة إليها.
وقال الموقعون على البيان إنهم تابعوا بقلق كبير ما نقله السياسي المصري لأسرته الفترة الماضية، وما عبّر عنه في آخر جلسات محاكمته من تعرضه للموت البطيء في محبسه، نتيجة استمرار الإهمال الطبي، خاصة مع ما تردد حول تعرضه لأزمات صحية متلاحقة وامتناع أطباء السجن عن كتابة توصيات تقتضيها حالته وتستدعي نقله إلى مستشفى من دون تعليمات سابقة.

وواجه هؤلاء، وبينهم شخصيات غير محسوبة على المعارضة المتعاطفة مع الإخوان مثل الكاتب الصحافي عبدالله السناوي وعضو لجنة العفو الرئاسي طارق العوضي والإعلامية دينا عبدالرحمن، اتهامات عديدة من جانب إعلاميين قريبين من الحكومة بالانحياز لتنظيم الإخوان وقياداته، ما يشير إلى ضرورة التعامل عبر الأطر القانونية التي تتيح للسجين الحصول على رعايته الصحية داخل محبسه.
وتنطلق رؤية الرافضين للتعاطف مع أبوالفتوح من أن التعامل مع سجناء الرأي، والذين تسعى لجنة العفو الرئاسي للإفراج عنهم، يختلف عمن يواجهون اتهامات ترتبط بالإرهاب والانضمام إلى تنظيمات محظورة، لأن الأجهزة الأمنية رصدت تحركات للقيادي المنشق عن الجماعة مع أعضاء التنظيم بالخارج قبل إلقاء القبض عليه.
ويشير هؤلاء إلى أن المطالبات بالإفراج عن محبوسين ينتمون إلى جماعة الإخوان تزايدت مع إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، دون أن تبدي الجماعة مؤشرات تثبت تراجعها عن استخدام العنف والاعتراف بالنظام المصري، وتصر على تحقيق مكاسب بلا تنازلات سياسية، وتوظف جهات عدة للضغط على القاهرة.
وأكد عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) جورج إسحاق والذي وقع على بيان الإفراج لـ"العرب"، أن التعاطف مع أبوالفتوح ينبع من حالته الصحية الصعبة وإقدامه على كتابة وصيته، ما يبرهن على أنه بحاجة إلى رعاية طبية فائقة ونقله إلى أحد المستشفيات لتلقي العلاج، وإن لم تكن هناك نية للإفراج عنه، وبالتالي فالموقعون لهم أهداف إنسانية نبيلة بعيدا عن أي مواقف سياسية.
وكشفت مصادر حكومية عن تلقي عبدالمنعم أبوالفتوح كافة أنواع الرعاية الصحية في محبسه المجهز طبيا، وأن ما يتردد حول تردي حالته بسبب عدم الاهتمام هو من قبيل الدعاية السياسية للضغط على النظام المصري واستنفار المنظمات الحقوقية.
وأوضح إسحاق في تصريح لـ"العرب" أن لجنة العفو الرئاسي والمجلس القومي لحقوق الإنسان يعتزمان التقدم بمطالبات للإفراج عمن يعانون أوضاعا صحية صعبة من منطلق إنساني، وعلى الحكومة الاستجابة لمطالب تأتي من تيارات بعضها قريب منها، وفي هذه الحالة يصعب النظر إليها كنوع من الضغط عليها.
وتلقت الحكومة المصرية مطالب ومناشدات من جانب أحزاب معارضة ومنظمات حقوقية لتسريع وتيرة الإفراج عن المحبوسين السياسيين وكل من اعتقل أو حوكم بسبب قضايا رأي وحريات، وبعضهم حصلوا على أحكام نهائية أو يقبعون في السجون على ذمة الحبس الاحتياطي.
وتتعامل الأجهزة الأمنية والقضائية مع كل حالة على حدة وفقا لتقديرها لمقتضيات الأمن القومي، ما يجعل هناك حالة من الشد والجذب بين الطرفين من دون وجود ضغط شعبي للإفراج عن هؤلاء، وهو ما يصب في صالح تمسك الحكومة بموقفها.

وألقت أجهزة الأمن القبض على عبدالمنعم أبوالفتوح في فبراير 2018، ووجهت نيابة أمن الدولة العليا إليه اتهامات، من بينها "الانضمام إلى جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون (الإخوان) ونشر أخبار كاذبة داخل وخارج مصر تضر بمصالح البلاد".
واتهمت وزارة الداخلية القيادي الإخواني بـ”التواصل مع التنظيم الدولي للإخوان والعناصر الهاربة لتنفيذ مخطط يستهدف إثارة البلبلة وعدم الاستقرار".
وأكد الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية منير أديب أن النظام المصري لا يتهاون مع من تلطخت أيديهم بالدماء أو شاركوا في التحريض على ارتكاب العنف، وهناك العديد من الشباب المحسوبين على تنظيم الإخوان جرى تنفيذ الأحكام التي صدرت بحقهم، بينها الإعدام، عكس أنظمة سابقة لم تقدم على اتخاذ تلك الخطوة.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن الحكومة تتعامل مع قيادات إخوانية بصورة منفردة وحسب نوع الجريمة التي تورط فيها الشخص، وسمحت مثلا بالإفراج عن القيادي حلمي الجزار وسفره إلى الخارج، ويشغل الآن منصب عضو الهيئة العليا لإدارة التنظيم ومسؤول المكتب السياسي بجبهة إبراهيم منير، وأفرجت عن عدد من الصحافيين المحسوبين على الإخوان، وتغاضت عن انتمائهم إلى التنظيم.
وأوضح أن الجهات الحكومية هي التي تقرر إذا كان ممكنا الإفراج عن أبوالفتوح من عدمه، والأمر يرجع إلى تقديراتها للزاويا المختلفة، والمؤكد أنه يخضع لدراسة فردية، فالنظام المصري لا يتعامل مع التنظيم ككتلة واحدة، وربما يُفرج عن عدد من أعضائه ممن لم تصدر ضدهم أحكام قضائية لها علاقة بالتورط في أعمال إرهابية، ما يبرهن على أن مشكلة القاهرة مع التنظيم بالأساس.
وصدر بحق أبوالفتوح في مايو الماضي حكم بالحبس لمدة 15 عاما بتهمة نشر أخبار كاذبة والتحريض على مؤسسات الدولة في القضية التي يحاكم فيها أيضا القيادي في جماعة الإخوان محمود عزت، وأصدرت المحكمة أحكاما بالسجن المؤبد على 14 متهما آخرين في القضية التي اتهم فيها عدد كبير من قادة وأعضاء الجماعة.
ويؤدي اهتمام معارضون يشاركون مع الحكومة في الحوار الوطني بالإفراج عن محبوسين على ذمة قضايا رأي، بينهم أبوالفتوح، إلى إحراج لجنة العفو الرئاسي وجهات حكومية توجه دفة اهتمامها بالمعارضة لخلق حالة من الثقة، قبل انطلاق جلسات الحوار الوطني مباشرة على مستوى اللجان النوعية.