مطالب أردنية بعفو عام شامل لا يستثني الجرائم المالية

عاد جدل المطالبة بعفو عام شامل إلى أروقة البرلمان الأردني تزامنا مع بدئه مناقشة توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، إذ يراهن المطالبون به هذه المرة على ورقة الإصلاح السياسي لكسر التحفظ الحكومي.
عمان – يراهن عدد من نواب البرلمان الأردني على ديناميكية الإصلاح السياسي في المملكة للضغط على الحكومة من أجل السير في إجراءات إصدار عفو عام شامل يطالب به الأردنيون منذ فترة، لكنه يلقى اعتراضا من قبل آخرين كونه يضرّ بمصالحهم الاقتصادية والمالية.
ورفع 34 نائبا الثلاثاء، مذكرة إلى رئيس مجلس النواب عبدالكريم الدغمي، لمطالبة الحكومة بالسير في الإجراءات القانونية من أجل إصدار عفو عام شامل.
وطالب النواب بالعفو عن المحكومين وذويهم ضمن العفو العام بمفهومه الواسع. وكتبوا في المذكرة، أن “الأسباب الجوهرية تكمن في أن العفو يأتي بالتزامن مع تحديث المنظومة السياسية من تعديلات دستورية وقانوني الأحزاب والانتخاب الجديدين”.
حسين الحراسيس: العفو سيأتي تزامنا مع تحديث المنظومة السياسية
وأضافوا “نمرّ بمرحلة جديدة في الإصلاح السياسي ما يجعلنا نعطي للمحكومين ومن ارتكب مخالفة قد تكون لأول مرة، فرصة العودة إلى جادة الصواب، وليكون الإصلاح شاملا للإصلاح الأمني المجتمعي”.
وقال النائب حسين الحراسيس خلال جلسة للبرلمان مؤخرا إن “العفو سيأتي تزامنا مع تحديث المنظومة السياسية عبر قانون الأحزاب وقانون التعديلات الدستورية”، مشيرا إلى أنه “لا يطلب العفو عن المجرمين بل عن المتعثّرين ماليا”.
ويقول محللون إن عودة المطالب بعفو عام شامل في هذه الظرفية بالذات أي مع بدء مجلس النواب مناقشة توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتي تمهّد لحكومات برلمانية منتخبة يندرج ضمن مقايضة مفادها العفو العام مقابل إقرار هذه التوصيات، مثلما كان الأمر في العفو العام لسنة 2019 والذي تزامن مع نقاشات الموازنة العامة.
وتحدثت صحف أردنية حينها عن صفقة بين البرلمان والحكومة من أجل تمرير الموازنة العامة الأردنية 2019 مقابل تعديل مسودة قانون العفو العام، ليشمل قضايا واسعة، بدلا مما أسماه بعض النواب “قصقصة العفو العام”، لكن الحكومة لم تستجب حينها لمطلب أن يكون العفو شاملا.
وتحدثت حكومة رئيس الوزراء الأسبق آنذاك عمر الرزاز عن صعوبة السماح بإلغاء الجرائم المعنية بحقوق الأشخاص المالية وعن كلفة العفو العام في المحصلة على الخزينة العامة للدولة.
وأثار مشروع قانون العفو العام في الأردن الذي تم إقراراه سنة 2019 بعد توجيهات من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، استياء عدد كبير من الأردنيين تم استثناؤهم منه وهم المشمولون بجرائم اقتصادية ومالية.
وألغى قانون العفو العام السابق “جميع الجرائم الجنائية والجنحية والمخالفات والأفعال الجرمية التي وقعت قبل تاريخ 12-12-2018، بحيث تزول حالة الإجرام من أساسها وتمحو كل أثر من الآثار المترتبة عليها”، لكنه يبقي على الحق الشخصي للمتضررين.
لكن القانون لا يشمل كل الجرائم، إذ يستثني الجرائم المتعلقة بأمن الدولة والإرهاب، والجرائم الاقتصادية، والتجسس، والتزوير، وجرائم الاعتداء مثل الاغتصاب وهتك العرض.
دوائر أردنية لا تستعبد أن يوجه العاهل الأردني بعفو عام أشمل، تزامنا مع إقرار توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية
ويقول المطالبون بعفو عام أشمل إن القانون القديم يتيح حبس الكثيرين بسبب مخالفات مالية، ثم إعادة حبسهم مجددا، دون منحهم وقتا كافيا من أجل تدبير المبالغ المستحقة عليهم، فيما يرى معارضون، وهم من عدة فئات، أبرزهم العاملون في قطاع الأعمال والصناعة، أن الأمر يلحق الضرر بمصالحهم، خاصة في ما يتعلق بقضايا الشيكات وإن أدرجت هذه الجريمة في قانون العفو العام الشامل فإن ذلك سيعصف بمصالحهم المالية والاقتصادية. ويعتبر هؤلاء أن إسقاط قضايا الشيكات يعتبر ضربة للاقتصاد في البلاد.
وأمام أزمة اقتصادية مستفحلة مست بشكل كبير المقدرة الشرائية للأردنيين وتفاقمت معها نسبة البطالة وعجز الأردنيين عن تسديد مستحقاتهم المالية، يرجح مراقبون أن تنصاع الحكومة الأردنية إلى مطالب النواب بعفو عام شامل لا يستثني الجرائم الاقتصادية والمالية.
ويعتقد هؤلاء أن عفوا عاما شاملا في هذا التوقيت سيكون من باب تحصين الجبهة الداخلية واستباقا لاحتجاجات شعبية مطلبية، تبدو ظروفها مهيأة أكثر من أي وقت مضى مع ارتفاع الأسعار والركود الاقتصادي الذي تشهده المملكة.
ولا تستعبد دوائر أردنية أن يوجه العاهل الأردني بعفو عام أشمل، تزامنا مع إقرار توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية كما أمر بعفو خاص عند تسلم توصياتها.
ويقول المحامي الأردني محمد الصبيحي “إن الوضع الاقتصادي والاجتماعي غير مطمئن بل صعب جدا، ويحتاج إلى مبادرات شجاعة تخفف التوتر في المجتمع، والعفو العام الشامل أحدها، وذلك بتأجيل أو تقسيط طويل الأمد للمطالبات المالية للمؤسسات العامة، وتعديلات على قانون المالكين والمستأجرين تخفف على الفئات الضعيفة تعديلات على قانون التنفيذ تقيد صلاحية حبس المدان، وإنعاش الجمعيات التعاونية وضبط إدارتها وخاصة المنتجة زراعيا منها”.
ويضيف الصبيحي “على الحكومة أن تحافظ على شعبيتها بمبادرات شجاعة خلاقة تسحب فتيل التوتر والقلق من المجتمع”.