مطالبات تونسية ببلورة خطة فعالة لسداد الديون

تعبئة التمويلات تتطلب زيادة الصادرات وإنتاج الفوسفات وتطويع السوق الموازية في الاقتصاد.
الخميس 2024/01/04
أين مخزونات العملة الصعبة؟

يجمع خبراء الاقتصاد في تونس على أن السلطات تحتاج إلى وضع خطة فعالة لتعبئة التمويلات التي تم اعتمادها في ميزانية 2024، خاصة وأن العام الحالي سيكون صعبا على مستوى سداد الديون الخارجية في ظل بطء عمليات الإصلاح الاقتصادي.

تونس - تمارس أوساط الاقتصاد التونسية ضغوطا على السلطات من أجل بلورة خطة تمويلية واضحة المعالم خلال العام الجاري لتفادي احتمال التخلف عن سداد الديون الضخمة في ظل تضاؤل هامش تحرك الدولة لمعالجة هذه المشكلة.

وتجزم بأن تأخر الإصلاحات والحلول الجذرية لتخفيف الأزمات الاقتصادية سيخلف تكاليف باهظة وقاسية مستقبلا تزداد أعباؤها على سكان البلاد إذا استمرت المؤشرات في التراجع إلى معدلات غير معقولة.

وتظهر وثيقة الميزانية أن تونس ستسدد ديونا خارجية بقيمة 12.3 مليار دينار (3.9 مليار دولار) في 2024، وذلك بزيادة 40 في المئة عن 2023 وسط ندرة التمويل الخارجي للدولة التي تجد صعوبة في إصلاح ماليتها العامة.

وسترفع الحكومة حاجتها إلى القروض الخارجية من 10.5 مليار دينار (3.32 مليار دولار) في 2023 إلى 16.4 مليار دينار (5.19 مليار دولار) في العام الحالي.

وتشمل القروض الخارجية قرضا جزائريا بقيمة 300 مليون دولار، و500 مليون دولار من السعودية، و400 مليون دولار من بنك التصدير والاستيراد الأفريقي.

وتقول الحكومة إنها تسعى للحصول على قروض بقيمة 3.2 مليار دولار، دون أن تذكر مصدرها.

وقدّر الخبير الاقتصادي رضا الشّكندالي أن تكون سنة 2024 “صعبة بامتياز على مستوى تسديد الديون الداخلية والخارجية، لاسيما وأن مبلغها كبير جدا ويصل إلى 24.7 مليار دينار (نحو 8 مليارات دولار)”.

رضا الشكندالي: سنة 2024 ستكون صعبة بامتياز على مستوى الدين العام
رضا الشكندالي: سنة 2024 ستكون صعبة بامتياز على مستوى الدين العام

وقال في تصريحات لوكالة الأنباء التونسية الرسمية إن “هذا يعني أنه يتعين على تونس تأمين هذا المبلغ على الأقل لتسديد هذه الديون”.

واعتبر الشّكندالي أن الرؤية لم تتّضح بعد على مستوى تعبئة القروض الخارجية المبوبة في ميزانية الدولة، منها 4.7 مليار دولار لدعم الميزانية.

وأكد أن مصدر تعبئتها ما زال مجهولا، إلا مبلغ 1.36 مليار دولار، واصفا ذلك بـ”الأمر الخطير جدا وبأنه يرمي مستقبل البلاد نحو المجهول”.

وتساءل الشكندالي عن المصادر التي ستتحصل منها تونس على هذه الأموال، لاسيما وأنه لم يرد رسميا ضمن قانون المالية لسنة 2024 ذكر للتعامل مع صندوق النقد الدولي ولا الاتحاد الأوروبي ولا فرنسا ولا ألمانيا ولا إيطاليا.

وعادة ما تربط المؤسسات الدولية المانحة والدول المتقدمة بين استعدادها د للإقراض وانخراط تونس في برنامج إصلاحات اقتصادية مع صندوق النقد.

وما زالت تونس يحدوها الأمل في الحصول على دعم طال انتظاره من صندوق النقد رغم استمرار القلق حيال مدى التزامها ببرنامج الإصلاح الاقتصادي في ظل التحديات المالية والاقتصادية.

وانتقد الرئيس قيس سعيد الصندوق مرارا قائلا إن تونس لن تذعن لما وصفه بأنه “إملاءات بشأن خفض دعم الغذاء والطاقة وفاتورة أجور القطاع العام”، محذرا من أن ذلك قد يؤدي إلى تجدد الاضطرابات الاجتماعية.

واستبعد الخبير الاقتصادي حصول تونس على هذه التمويلات من مجموعة البريكس باعتبار أنها لا تقرض أموالا بالدولار أو باليورو، وإلا فإنها ستفشل مهمتها الأصلية وهي إضعاف الدولار.

ومن المتوقع أن يصل تراكم الدين العام في عام 2024 إلى نحو 45 مليار دولار، أي نحو 79.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعا من 40.8 مليار دولار بنهاية عام 2023.

وجمعت الحكومة العام الماضي من خلال طرح سندات في السوق المحلية ما يزيد عن مليار دولار.

وفتحت تونس باب الاقتراض من السوق المحلية قبل ثلاث سنوات في ظل الصعوبات التي تواجهها في ما يخص الموارد الخارجية بعد خفض التصنيف الائتماني السيادي للدولة.

يأتي ذلك في وقت تتفاقم فيه الضغوط على الميزانية العامة، مع تعثر المفاوضات مع صندوق النقد لتعبئة الموارد الخارجية بقصد الحصول على تمويلات تُمكن من استيراد الموارد الأساسية، وعلى رأسها الطاقة.

كما اتبعت الدولة نهجا جديدا موازيا لسندات وأذون الخزانة، للاقتراض من السوق الداخلية بهدف تمويل الميزانية، وبما يمنح الأطراف التي لا تستطيع الوصول إلى سندات الخزانة فرصا للاكتتاب، ومن بينها الأفراد.

ويعتقد الشكندالي أن مقاربة التعويل على الذات تتعارض مع التوجه القاضي برفع مبلغ الاقتراض الخارجي بنحو ملياري دولار ليمر إلى 3.34 مليار دولار في العام الماضي وليبلغ المستوى الحالي.

وأشار إلى أن التعويل على الذات يتطلب برنامج إنقاذ مالي سريع على المدى القصير والذي يعتمد على أربعة محاور أساسية تتعلق بالفوسفات والشركات المصدرة كليا وتحويلات المغتربين والأموال المتداولة نقدا في السوق الموازية.

45

مليار دولار حجم الديون هذا العام ارتفاعا من حوالي 40.8 مليار دولار في عام 2023

لكنه أكد أن ملامح هذا البرنامج كانت غائبة تماما في الميزانية الحالية حيث واصلت الحكومة مقاربة المحاسبة التي مضت فيها كل الحكومات بعد 2011 والتي أفقدت الدولة المليارات من الدولارات بدلا من تغييرها.

وثمة قناعة راسخة بين الخبراء المحليين بأن الضرورة تقتضي التحول إلى مقاربة تأخذ بعين الاعتبار التداعيات الاقتصادية على النمو والبطالة والقدرة الشرائية للتونسيين.

وتراهن تونس على تمكنها من جذب استثمارات خارجية في قطاعات عديدة من بينها صناعة أجزاء السيارات والطائرات، فيما تضع آمالها على انتعاش السياحة باعتبارها مصدرا للعملة الصعبة، ما يساعد البلاد التي تعيش أزمة اقتصادية على سداد ديونها.

وتشهد البلاد منافسة مع العديد من الوجهات، وخاصة في منطقة المغرب العربي، على جذب الاستثمارات الصناعية. ويقول المسؤولون إن تونس لديها الكثير من الميزات والفرص، وهو ما يجعلها قادرة على جذب الاستثمار الخارجي وبالتالي تعبئة التمويلات.

ومع ذلك يرى الشكندالي أن السياسة الضريبية التوسعية، التي اعتمدت على زيادة الضغط الجبائي من 20 في المئة سنة 2011 إلى 25.1 في المئة سنة 2024، والسياسة النقدية المشددة والاقتراض عبر البنوك التونسية أرهق كاهل قطاع الأعمال عموما.

وترتبط آفاق النمو الاقتصادي للبلاد هذا العام بالوضوح في الرؤية الاقتصادية التي ستنتهجها الحكومة، وفق الخبير الاقتصادي، الذي رجح تراجعه حتى دون التقديرات الجديدة للميزان الاقتصادي.

10