"مضار الحليب" في أخبار التلفزيون التونسي تغضب الجمهور

الإعلام الرسمي يخرج عن أساسيات المهنة.
الخميس 2023/01/12
دعاية سياسية لم تمر

شهدت مواقع التواصل التونسية ضجة واسعة بسبب ما بثته نشرة الأخبار الرئيسية عن مضار الحليب بالتزامن مع انقطاعه في الأسواق، واعتبارها دعاية سياسية من جهة، وخروجا عن أساسيات المهنة من جهة أخرى.

تونس - لا تزال أصداء نشرة الأخبار الرئيسية على التلفزيون الرسمي التونسي ليلة الاثنين تتردد على مواقع التواصل الاجتماعي بالكثير من الغضب تتخللها السخرية اللاذعة، بسبب بثّ تقرير يتحدث عن مضار الحليب وضرورة التقليل من استهلاكه، بينما يغيب الحليب أساسا عن الأسواق التونسية التي تشهد غياب العديد من المنتجات الأساسية.

وقال متابعون إن التلفزيون التونسي خرج دوره الأساسي بتقديم الأخبار بمهنية، وانساق وراء محاولة امتصاص غضب الشارع الذي يعاني من فقدان المواد الأساسية، لكن محاولته فشلت بامتياز.

ونصح أستاذ الإعلام محمد شلبي المشرفين على النشرات الإخبارية بالعودة إلى أساسيات المهنة.

محمد شلبي: الصحافي لا {يقول} في الأخبار، القول يقتل الخبر
محمد شلبي: الصحافي لا "يقول" في الأخبار، القول يقتل الخبر

وقال إن سبب تندر التونسيين بمضار الحليب المتحدث عنه في نشرة الوطنية هو إخلال بمسألة مبدئية في صناعة الأخبار وهي مسألة تتمثل في ألاّ نقول للناس استنتاجات أو آراء بل أن ننقل وقائع. والحديث عن “مضار الحليب” إما أنه استنتاج أو هو معلومة وهنا خطأ آخر يتمثل في ألا نخبر الناس عمّا هو معلوم، فما يُخبر عنه ينبغي أن يكون أمرا جديدا.

وأضاف شلبي في تدوينة على صفحته في فيسبوك أن ما ورد في افتتاح نشرة الثامنة هو حديث عن أمرين: بحث التونسيين عن الحليب وهو أمر معلوم يجعل الناس يتحدثون عن “أخبار بايتة” وكلام عن أن الحليب مضر وهو إما معلومة صحية قائمة منذ مدة ولا حاجة للناس فيها وإما كلام غير صائب. وإذا كان الكلام معلومة موثوقة، (وتبقى قديمة لا تستجيب لمقومات الأخبار) فيصبح استخدامها من باب التخفيف من وطأة فقدان الحليب وهو أمر إلى الدعاية أقرب. فالأساسيات هي أن الصحافي لا “يقول” في الأخبار لأن القول إنشاء والإخبار نقل أولا. القول يقتل الخبر.

وخاطب القائمين على النشرة بالقول “عودوا إلى الأساسيات”.

ونالت مقدمة النشرة التي أذاعت التقرير سامية بن حسين النصيب الأكبر من النقد والهجوم، بعد ما جاء في التقرير أن “الحليب نصف الدسم مادة لبنية يؤكد الأطباء والمتخصصون أنها ليست نافعة البتّة للكبار بل إنها مسببة لأمراض عدة”.

واعتبر العديد من رواد مواقع التواصل أن طرح هذا الموضوع في ظل النقص الحاد بهذه المادة في الأسواق، ليس بريئا وأن هدفه التأثير على الرأي العام، ومحاولة لصرف النظر عن أزمة الحليب ويأتي ضمن أجندة سياسية معيّنة. وكتب مدون على فيسبوك:

Sa Lah

زعمة علاش خرج توة هذا الخبر..الطبي والمتخصص.
كانوا في دنيا أخرى والمهم الحمد الله على سلامتكم.
وسخر آخر:

Monjia Lassoued

السقوط في المستنقع نجحنا فيه.
وكتبت ناشطة:

Mamoun Ridha

لم يتعلموا مما جرى لمن سبقوهم عندما استغبوا الشعب.
وتحول إلقاء المسؤولية على الإعلامية بن حسين إلى مادة للجدل بين الناشطين، بين من رأى أنها تتحمل مسؤولية ما اعتبروه خطأ إعلاميا مهنيا، وبين من رأى أنها مجرد قارئة للنشرة واللوم يقع على القائمين على الأخبار.

وكتبت مدونة:

Naziha Ben Mohamed

في موضوع الحليب في نشرة الأخبار: حسب ما أعرفه ليس ذنب مقدمة النشرة بل من يتحمل المسؤولية هو فريق التحرير ورئيس التحرير.
لترد عليها أخرى: حتى المقدم صحافي عليه أن يقرأ ويتثبت قبل النشرة وعندما يجد خطأ يصلحه.

وفي تعليق على بعض الانتقادات لهذا التقرير، قالت الصحافية ومقدّمة نشرة الأخبار بالقناة الوطنية الأولى بن حسين إنّه لطالما كان تثقيف الناس ومدّهم بالمعطيات الدقيقة إحدى مهام الإعلام بشكل عام والإعلام العمومي على وجه خاص، مضيفة أنّ إضفاء الطابع السياسي على المادة الإخبارية المقدّمة لا يخطر على بال المواطن بل إنّ ذلك قد يعمد إليه بعض الأشخاص والأطراف والتي تستغل مثل هذه الوضعيات لخدمة أنفسها أو لضرب منافسيها، متابعة “نحن خارج هذا السياق تماما”.

واعتبرت الصحافية والباحثة في الإعلام أنّ ما قيل هو بمثابة فقاعة بلا معنى. وأوضحت أنّ المعطى الذي تمّ تقديمه في التقرير حول تسبب الحليب نصف الدسم في أمراض عدة معلوم منذ عشرات السنين ويؤكّده أخصائيو التغذية والأطباء وأنّ التلفزة الوطنية لم تأت بجديد بهذا الخصوص. وشدّدت بن حسين على ضرورة طرح الإعلام الأسئلة الحقيقية بعيدا عن الأجندات التي توجّه الرأي العام. ومن هذه الأسئلة في علاقة بموضوع أزمة الحليب هي ”كيف يتوفّر الحليب لصنع الزبدة ولا يتوفّر لصناعة الحليب نصف الدسم”.

ولا يخفى عن التونسيين أن أزمة السلع الأساسية تعود بالأساس إلى أزمة سياسية، وهو ما أكده الرئيس التونسي قيس سعيد بالقول إن المواد الأساسية متوفرة في الأسواق المحلية، مشيرا إلى وجود “من يخفيها عن قصد لتأزيم الأوضاع”.

العديد من رواد مواقع التواصل اعتبروا أن طرح هذا الموضوع في ظل النقص الحاد بهذه المادة في الأسواق، ليس بريئا وأن هدفه التأثير على الرأي العام، ومحاولة لصرف النظر عن أزمة الحليب

وجاء ذلك خلال زيارة أجراها الرئيس التونسي الثلاثاء إلى حي باب جديد (باب منارة)، وفق فيدو بثته الرئاسة التونسية فجر الأربعاء.

وأكد سعيّد وهو يرد على عامل بمقهى في الحي، اشتكى من فقدان القهوة والسكر والحليب “كل شيء متوفر ولكن بالقصد غير موجود وكل شيء محبوك لتأزيم الأوضاع”.

وتشكو المحال التجارية الكبرى وصغار التجار من نقص الحليب والقهوة والسكر وزيت الطبخ، وحددت المتاجر الكبرى بعض المواد الأساسية ومنها العجين بعلبتين فقط.

لكن الرئيس التونسي قال “منذ الستينات لم ينقطع أي شيء.. واليوم أصبحت المواد الأساسية مقطوعة وهذا بفعل فاعل”.

وتابع “هناك من يحاول تأزيم الوضع، وأخرُج ليلا للقيام بزيارات وليس أمام المسرح البلدي (حيث تتجمع عادة المعارضة)، كي لا أكون على خشبة المسرح عكس ما يقوم به عدد من الممثلين، الذين حدّد لهم مخرج أدوارهم من خلف الستار”.

وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية إثر الأزمة الروسية - الأوكرانية.

وتسارع نمو تضخم أسعار المستهلك في تونس إلى 10.1 في المئة على أساس سنوي خلال ديسمبر 2022، صعودا من 9.8 في المئة في نوفمبر السابق له، وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) الخميس الماضي.

والأربعاء من الأسبوع الماضي توقع محافظ البنك المركزي مروان العباسي خلال مؤتمر صحفي ارتفاع نسب التضخم إلى 11 في المئة في 2023، مع استمرار ضغوط الأسعار العالمية على الأسواق المحلية.

5