مضاد حيوي ضد مرض الكبد يزيد من خطر الإصابة ببكتيريا غير قابلة للعلاج

اكتشف خبراء من معهد بيتر دوهرتي للعدوى والمناعة، أن "ريفاكسيمين" المضاد الحيوي الذي يوصف لمرضى الكبد يزيد من خطر الإصابة ببكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية غير قابلة للعلاج، تسمى "انتيروكوكيس فايسيوم". وباتت مقاومة المضادات الحيوية من أكبر المخاطر التي تحيق اليوم بالصحة العالمية والأمن الغذائي والتنمية. ويمكن أن تُلحِق مقاومة المضادات الحيوية الضرر بأي شخص بصرف النظر عن السن وبلد الإقامة.
ملبورن (أستراليا) ـ وجد فريق دولي من الباحثين في جامعة ملبورن (معهد بيتر دوهرتي للعدوى والمناعة)، أن المضاد الحيوي المعروف باسم “ريفاكسيمين”، والذي يُستخدم غالبا لمرضى الكبد، يمكن أن يؤدي إلى ظهور سلالة مقاومة للمضادات الحيوية تُعرف بـ”انتيروكوكيس فايسيوم” المقاومة للفانكومايسين، والتي تسبب التهابات حادة غالبا ما تستدعي دخول المستشفى.
وأكدت الدراسة أن استخدام “ريفاكسيمين” يساهم في مقاومة “دابتوميسين”، أحد آخر المضادات الحيوية الفعالة ضد عدوى “في.آر.إي”. وتسلط الدراسة الضوء على أهمية فهم الآثار السلبية لاستخدام المضادات الحيوية، ما يعزز ضرورة الاستخدام المسؤول لهذه الأدوية في المجال الطبي.
و”ريفاكسيمين”، مضاد حيوي يعمل عن طريق تثبيط تخليق الحمض النووي الريبوزي في البكتيريا الحساسة من خلال الارتباط بوحدة بيتا الفرعية لبوليميراز الحمض النووي الريبوزي المعتمد على الحمض النووي، مما يؤدي إلى تثبيط النسخ. كما يمنع نمو البكتيريا المعوية المنتجة للأمونيا لتقليل مستوى الأمونيا في الدم بشكل غير مباشر.
"ريفاكسيمين" يساهم في زيادة مقاومة البكتيريا لـ"دابتوميسين"، وما يثير القلق هو إمكانية انتقالها إلى مرضى آخرين
ويستخدم في علاج الإسهال بسبب الإشريكية القولونية لدى الأطفال (12 عاما) والبالغين، وعلاج متلازمة القولون العصبي المصاحب للإسهال لدى الرجال والنساء البالغين، والحد من تكرار الاعتلال الدماغي الكبدي الصريح في المرضى الأقل من 18 عاما.
واستندت الدراسة، التي استمرت ثماني سنوات، إلى مجالات متعددة، بما في ذلك علم الأحياء الدقيقة وعلم المعلومات الحيوية. وباستخدام تقنيات دراسة الجينوم، تمكن الباحثون من تحديد التغيرات في الحمض النووي للبكتيريا المقاومة لـ”دابتوميسين”، والتي لم تكن موجودة في السلالات الحساسة. وقد أظهرت التجارب المخبرية والدراسات السريرية أن استخدام “ريفاكسيمين” يؤدي إلى هذه التغيرات وظهور سلالات مقاومة.
وقال الدكتور غلين كارتر، الباحث الرئيس في الدراسة، “لقد أثبتنا أن ‘ريفاكسيمين’ يساهم في زيادة مقاومة البكتيريا لـ’دابتوميسين’ بطرق غير مسبوقة. وما يثير القلق هو إمكانية انتقال هذه البكتيريا المقاومة إلى مرضى آخرين في المستشفى، وهو ما نتحقق منه حاليا”.
وأوضحت الدكتورة أدريانا تورنر، المعدة الرئيسية للدراسة، أن “ريفاكسيمين” يحفز تغييرات في إنزيم “بوليميراز الحمض النووي الريبي” داخل البكتيريا، ما يؤدي إلى زيادة تنظيم مجموعة جينات جديدة تؤثر على غشاء الخلية وتساهم في مقاومة “دابتوميسين”.
وأشار الأستاذ المساعد جيسون كوونغ، طبيب الأمراض المعدية، إلى نقطتين رئيسيتين، “يجب على الأطباء الحذر عند علاج عدوى ‘في.آر.إي’ لدى المرضى الذين يتناولون ‘ريفاكسيمين’، لأن فعالية ‘دابتوميسين’ قد تتأثر”.
كما أكد البروفيسور بنجامين هاودن، مدير مختبر الصحة العامة، أن هذه الدراسة ستساهم في ضمان استمرار فعالية “دابتوميسين” كعلاج لالتهابات “في.آر.إي” في المستشفيات، خاصة لدى المرضى الأكثر عرضة للخطر.
علاج عدوى الالتهابات متزايدة العدد، بات أصعب بعد أن أصبحت المضادات الحيوية التي درجت العادة على استعمالها لعلاجها أقل نجاعة
و”دابتوميسين” مضاد حيوي، يرتبط بمكونات غشاء الخلية وبالتالي يسبب إزالة الاستقطاب بشكل سريع، الأمر الذي يؤدي إلى تثبيط تكوين الحمض النووي، والحمض النووي الريبوزي والبروتينات، وبالتالي إلى موت خلية البكتيريا.
والمضادات الحيوية من الأدوية المهمة. وتعمل العديد من المضادات الحيوية على علاج العدوى التي تسببها البكتيريا (حالات العدوى البكتيرية) بنجاح. كما تعمل المضادات الحيوية على منع انتشار الأمراض. إضافة إلى أنها تقلل المضاعفات المرضية الخطيرة.
لكن بعض المضادات الحيوية المستخدمة بوصفها علاجات أساسية لحالات العدوى البكتيرية صارت لا تؤدي وظيفتها الآن كما ينبغي. وبعض هذه الأدوية لا تنجح تماما في التصدي لبعض أنواع البكتيريا. وعندما لا ينجح أحد المضادات الحيوية في التصدي لسلالات بكتيريا معينة، تُعرف هذه البكتيريا بأنها مقاومة للمضادات الحيوية. وقد صارت مقاومة المضادات الحيوية إحدى أكثر المشكلات إلحاحا على مستوى العالم.
ويعد الإفراط في استخدام المضادات الحيوية وإساءة استخدامها عاملين رئيسيين في مقاومة المضادات الحيوية. وقد يساعد العامة ومزودو الرعاية الصحية والمستشفيات على حد سواء في ضمان استخدام الأدوية استخداما صحيحا. ومن شأن هذا أن يقلل تزايد مقاومة المضادات الحيوية.
وهناك بكتيريا تقاوم العلاج إذا ما تغيّرت بشكل ما. فقد يحمي التغيير البكتيريا من تأثيرات الدواء أو يحد من وصول الدواء إليها. أو قد يتسبب التغيير في البكتيريا في تغيير الدواء نفسه أو تدميره.
ويمكن أن تتكاثر البكتيريا التي تنجو من علاج المضادات الحيوية وتنقل خصائص المقاومة للمضاد الحيوي. يمكن كذلك لبعض البكتيريا أن تنقل خصائص مقاومة الدواء إلى بكتيريا أخرى، وكأنها تمرر نصائح كي تساعد غيرها على النجاة. وتطور البكتيريا المقاومة للدواء حقيقة طبيعية ومتوقعة. ولكن تؤثر طريقة استخدام الأدوية على مدى سرعة حدوث المقاومة ودرجة هذه المقاومة.
ويُسبب الإفراط في استخدام المضادات الحيوية، خاصة عندما لا تكون هي العلاج الصحيح، زيادة مقاومة المضادات الحيوية. ووفقا لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، فإن حوالي ثلث حالات استخدام البشر للمضادات الحيوية ليس ضروريا أو مناسبا.
هناك بكتيريا تقاوم العلاج إذا ما تغيّرت بشكل ما. فقد يحمي التغيير البكتيريا من تأثيرات الدواء أو يحد من وصول الدواء إليها. أو قد يتسبب التغيير في البكتيريا في تغيير الدواء نفسه أو تدميره
وتعالج المضادات الحيوية العدوى الناتجة عن البكتيريا، ولكنها لا تعالج العدوى الناتجة عن الفايروسات (العدوى الفايروسية). فعلى سبيل المثال، المضاد الحيوي هو العلاج الصحيح لالتهاب الحلق العقدي الذي تسببه البكتيريا، ولكنه ليس العلاج الصحيح لمعظم التهابات الحلق، والتي تسببها الفايروسات.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن مقاومة المضادات الحيوية آخذة في الارتفاع إلى مستويات خطيرة بأنحاء العالم كافة، وثمة آليات مقاومة جديدة آخذة في الظهور والانتشار على مستوى العالم وهي تهدد قدرتنا على علاج الأمراض المعدية الشائعة. وتوجد قائمة متزايدة من عدوى الالتهابات، مثل الالتهاب الرئوي والسل وتسمم الدم والسيلان، التي أصبح علاجها أصعب، بل مستحيلا أحيانا، بسبب تدني نجاعة المضادات الحيوية.
وتزداد ظهور مقاومة المضادات الحيوية وانتشارها في الحالات التي يتسنى فيها شراء تلك المضادات من دون وصفة طبية لأغراض الاستعمال البشري أو الحيواني. ويتبيّن أيضا في البلدان التي لا تطبق مبادئ توجيهية معيارية في مجال العلاج أن العاملين الصحيين والأطباء البيطريين غالبا ما يغالون في وصف المضادات الحيوية التي يفرط الجمهور في استعمالها.
وإن لم نعجّل في اتخاذ الإجراءات فإننا مقدمون على عصر ما بعد المضادات الحيوية الذي يمكن أن تصبح فيه عدوى الالتهابات الشائعة والإصابات الطفيفة قاتلة مرة أخرى. ومقاومة المضادات الحيوية هي من أكبر المخاطر التي تحيق اليوم بالصحة العالمية والأمن الغذائي والتنمية.
ويمكن أن تُلحِق مقاومة المضادات الحيوية الضرر بأي شخص بصرف النظر عن السن وبلد الإقامة. تحدث مقاومة المضادات الحيوية بشكل طبيعي، ولكن وتيرة عمليتها تتسرع بفعل إساءة استعمالها عند إعطائها للإنسان والحيوان.
بات علاج عدوى الالتهابات متزايدة العدد، من قبيل الالتهاب الرئوي والسل والسيلان، أصعب بعد أن أصبحت المضادات الحيوية التي درجت العادة على استعمالها لعلاجها أقل نجاعة. وتؤدي مقاومة المضادات الحيوية إلى تمديد فترة الرقود في المستشفى وارتفاع التكاليف الطبية وزيادة معدل الوفيات.