مصير مشترك يجمع نتنياهو وغالانت وإن اختلفا

القدس- تمثل المواجهة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت حول حرب غزة أحدث حلقة في سلسلة من المواجهات التي ضغطت على وحدة الحكومة إلى حد الانهيار على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية.
وقال نتنياهو الاثنين إنهما يستطيعان العمل معا “ما دامت الثقة موجودة”، لكن جميع الوزراء ملتزمون بقرارات مجلس الوزراء. وأضاف نتنياهو في مؤتمر صحفي “وهذا هو الشيء الرئيسي الخاضع للاختبار الآن”.
ورفض نتنياهو دعوات غالانت وآخرين في المؤسسة الأمنية لقبول انسحاب القوات الإسرائيلية من منطقة الحدود الجنوبية لقطاع غزة كثمن لاتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس.
◄ مثل نتنياهو، تأثرت مسيرة غالانت المهنية بأحداث السابع من أكتوبر عندما شنت حماس هجوما مباغتا على جنوب إسرائيل
وطفت كثيرا على السطح الخلافات بين نتنياهو وغالانت الذي ارتقى إلى رتبة جنرال عبر مسيرة عسكرية مستمرة منذ 35 عاما بدأها في وحدة قوات خاصة بحرية.
ورغم تشدده في معالجة المسائل الأمنية، ومنها التعامل مع حماس، استخف غالانت علانية بهدف نتنياهو الذي دأب على التصريح به والمتمثل في تحقيق “نصر كامل” في غزة، ووصف غالانت ذلك بأنه “هراء”.
لكن التواء هندسة السياسة الإسرائيلية منذ بدء حرب غزة ربط بين الاثنين، وهو ما منع نتنياهو من إقالة غالانت ومنع غالانت من الانسحاب.
وأثناء احتجاجات العام الماضي على مسعى نتنياهو للحد من صلاحيات المحكمة العليا، خالف غالانت مسار الحكومة وعارض الخطة التي قال إنها تسببت في انقسامات اجتماعية عميقة إلى درجة أنها تعرّض الأمن القومي للخطر.
وأقاله نتنياهو، لكنه تراجع عن قراره بعد أن نزل الإسرائيليون إلى الشوارع في واحد من أكبر الاحتجاجات في تاريخ البلاد. أما غالانت الذي دخل معترك السياسة منذ عقد، فرفض الرحيل.
وقالت جايل تالشير أستاذة العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس والمتخصصة في السياسة الإسرائيلية إن غالانت “يعتقد أن دور حياته هو ما يفعله الآن كوزير للدفاع فيما يعتقد أنها الحرب الأهم منذ حرب الاستقلال”، في إشارة إلى حرب 1948.
وأضافت “لا يوجد احتمال لأن يرحل”.
وينبع هذا المأزق جزئيا من هيكل الائتلاف اليميني الذي كونه نتنياهو بعد انتخابات عام 2022 ويعتمد على حزبين دينيين قوميين بقيادة الوزيرين المتشددين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
ومن دون دعم الوزيرين ستنهار الحكومة، ما يترك لهما حرية التعبير عن العداء لغالانت وغيره في المؤسسة العسكرية ممن يعتبرانهم شديدي التساهل مع الفلسطينيين، وخاصة حماس.
وكمؤشر على الشعور السيء في الحكومة، عرض نتنياهو في مؤتمر صحفي الاثنين ما قال إنه مذكرة سياسية من أحد قادة حماس عثر عليها جنود إسرائيليون في غزة.
وجاء في إحدى النقاط “ممارسة ضغط نفسي على غالانت”.
ويأتي أحدث تشاحن داخلي في إسرائيل في أعقاب استعادة جثث 6 رهائن إسرائيليين قتلوا بالرصاص في نفق جنوب قطاع غزة قبل ساعات من عثور القوات الإسرائيلية عليهم.
وأثار ذلك مظاهرات حاشدة تطالب بالتوصل إلى صفقة لإعادة الرهائن، وهو ما دعا إليه غالانت أيضا. وقال “في حين فات الأوان على الرهائن الذين عُثر عليهم في النفق، يجب إعادة الآخرين الذين مازالوا رهن الاحتجاز إلى ديارهم”.
ومثل نتنياهو، تأثرت مسيرة غالانت المهنية بأحداث السابع من أكتوبر عندما شنت حركة حماس هجوما مباغتا على بلدات في جنوب إسرائيل، وهو ما أدى إلى مقتل 1200 إسرائيلي وأسر 253 رهينة.
وبعد يومين قال غالانت إن الثمن الذي ستدفعه غزة سيغير الواقع لأجيال وإن إسرائيل ستفرض حصارا كاملا مع حظر استيراد الغذاء والوقود. ووصف أعداء إسرائيل بـ”الحيوانات البشرية”.
ولكنه بدا أكثر حذرا من نتنياهو منذ ذلك الحين، وحثه على وضع خطة لإدارة غزة بعد الحرب ورفض أي اقتراح يقضي ببقاء الجيش الإسرائيلي قوة احتلال.
◄ التواء هندسة السياسة الإسرائيلية منذ بدء حرب غزة ربط بين الاثنين، وهو ما منع نتنياهو من إقالة غالانت ومنع غالانت من الانسحاب
ويدرك قادة الجيش تماما الضغوط التي يواجهها الجنود في ظل مواصلة القتال في قطاع غزة واستمرار حالة التأهب القصوى للحرب مع حزب الله المدعوم من إيران في جنوب لبنان والانخراط بشكل مكثف في صراع ضد فصائل فلسطينية مسلحة في الضفة الغربية المحتلة.
ويواجه نتنياهو وغالانت احتمال صدور مذكرتي اعتقال دولية بحقهما في ما يتعلق بالحرب في غزة، وذلك في أعقاب طلب من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في مايو الماضي. وتقول وزارة الصحة في القطاع إن الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة حصدت أرواح أكثر من 40 ألف فلسطيني.
وتسبب احتمال صدور مذكرتي اعتقال لنتنياهو وغالانت في حالة من الغضب في إسرائيل، لكن قضية المسؤولية عن الإخفاقات العسكرية والأمنية التي سمحت بوقوع هجوم السابع من أكتوبر كانت وراء الكثير من التوتر في السياسة الإسرائيلية منذ ذلك الحين.
وقال غالانت الشهر الماضي إنه يجب التحقيق معه ومع نتنياهو، متطرقا إلى الانتقادات واسعة النطاق لرئيس الوزراء بسبب عدم تحمله مسؤولية واحدة من أكبر الكوارث في تاريخ البلاد.
وأي تحقيق من هذا القبيل من شأنه أن يلقي باللوم بشكل كبير على وزير الدفاع من بين آخرين. وقالت تالشير “يعرف أنه سيغادر. يريد أن يرحل وزيرا ناجحا للدفاع قاد إسرائيل إلى التمتع بحدود أكثر أمانا”.