مصير ضبابي ينتظر شرق سوريا مع كثرة الطامحين لخلافة واشنطن

الولايات المتحدة تستعد لسحب قواتها من شمال شرق سوريا، مع اقتراب القضاء على آخر جيوب تنظيم داعش في المنطقة، ويرى متابعون أن غياب استراتيجية لما بعد الانسحاب يقود إلى سيناريوهات قاتمة.
دمشق- بدأ العد التنازلي لانسحاب القوات الأميركية من سوريا، مع اقتراب ساعة الحسم ضد تنظيم الدولة الإسلامية في شمال شرق البلاد، وهناك حالة من عدم الارتياح والقلق سواء بالنسبة لمعارضي الانسحاب أو حتى مؤيديه، في ظل غياب استراتيجية واضحة بشأن كيفية التعاطي مع هذا الفراغ ومن هو المخول بملئه.
يرى متابعون أن الوحيد المتحمس بشدة لبدء الانسحاب هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي ورغم الضغوط التي يتعرض لها سواء من قبل حزبه الجمهوري أو من حلفاء واشنطن الدوليين، بيد أنه مصر على المضي قدما في هذا الهدف الذي كان من ضمن الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية الماضية.
ورجح ترامب الأربعاء الإعلان بصورة رسمية الأسبوع المقبل على أقرب تقدير عن أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قد استعاد السيطرة على كل الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال لوزراء أجانب ومسؤولين كبار آخرين من 79 دولة تقاتل إلى جانب الولايات المتحدة التنظيم المتشدد في سوريا والعراق “لم تعد لهم أراض. إنه عامل كبير.. لم تعد لهم أراض”. وتابع أمام تجمع ممثلي التحالف في مقر وزارة الخارجية “جيش الولايات المتحدة وشركاؤنا في التحالف وقوات سوريا الديمقراطية حرروا فعليا كل الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق”.
وكان الرئيس الأميركي قد أعلن في 19 ديسمبر الماضي عن قرار فاجأ الجميع بشأن انسحاب قوات بلاده سريعا من سوريا التي وصفها بأنها مجرد “رمل وموت”، وتذرع حينها بأن المعركة ضد تنظيم داعش انتهت، فيما قوات سوريا الديمقراطية بقيادة وحدات حماية الشعب الكردي لا تزال تخوض حربا معقدة ضد جيوب التنظيم الجهادي على الحدود العراقية.
وتحت الضغط من الجنرالات الأميركيين اضطر ترامب إلى التريث في قرار الانسحاب بانتظار انتهاء المعركة ضد داعش في شرق الفرات عمليا. وقال الرئيس الأميركي “من المتوقع الإعلان رسميا في وقت ما، ربما الأسبوع المقبل، أننا احتوينا الخلافة بنسبة 100 بالمئة، لكني أريد انتظار الإعلان الرسمي. لا أريد أن أقول ذلك قبل الأوان”. وأضاف “نتطلع إلى استقبال محاربينا الشجعان في سوريا استقبالا حارا لدى عودتهم للوطن”.
ويخشى القادة العسكريون الأميركيون ونظرائهم الغربيين من أن يؤدي انسحاب الولايات المتحدة إلى عودة انتعاشة التنظيم الذي وإن انتهت سيطرته على معظم المناطق التي كانت خاضعة له، بيد أن عددا من قادته لا يزالون طلقاء وله خلايا منتشرة في أجزاء من سوريا والعراق.
وكان الجنرال جوزيف فوتيل قائد القيادة المركزية الأميركية قال في جلسة لمجلس الشيوخ الثلاثاء إن التنظيم قد ينهض مجددا بعد الانسحاب الأميركي المزمع من سوريا، لافتا إلى أنه لا يزال هناك 1500 مقاتل للتنظيم.
وليست فقط عودة ظهور تنظيم داعش هي الهاجس الوحيد بل من سيملأ الفراغ الأميركي وكيف بالإمكان تفادي أي تهديد للحلفاء السوريين على الأرض الذين قاتلوا تنظيم داعش طيلة السنوات الماضية وخسروا العشرات من أبنائهم، في ظل وعيد تركيا باستهدافهم.
ولعب الأكراد وذراعهم الأقوى وحدات حماية الشعب دورا محوريا منذ 2013 في قتال تنظيم الدولة الإسلامية الذي كان نجح حينها في السيطرة تقريبا على معظم أجزاء الشرق السوري وتمدد حتى جنوب البلاد وشمالها.
وأثار التعاون بين الوحدات الكردية والتحالف الدولي بقيادة واشنطن غضب تركيا التي لطالما عدت التنظيم الكردي خطرا وجوديا يهدد أمنها القومي، زاعمة أنه إحدى أذرع حزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردا على أراضيها منذ ثمانينات القرن الماضي.
ورغم الضعف الذي اعترى حزب العمال نتيجة الضربات التركية واعتقال زعيمه عبدالله أوجلان في العام 1999، وسط حديث عن أن ذلك جرى بتواطؤ بين المخابرات التركية والسورية، ومحاصرة التنظيم الكردي دوليا وتصنيفه تنظيما إرهابيا، إلا أن تركيا مازالت تعتبره خطرا كبيرا وأنه يستغل شمال سوريا كقاعدة عمليات ضدها.
وتفصل الولايات المتحدة بين حزب العمال وتنظيم الوحدات وهذه إحدى الإشكاليات بين واشنطن وأنقرة، بيد أن الأخيرة أبدت رغبة في تجاوز الخلافات مع واشنطن مع إعلان ترامب عن الانسحاب من سوريا، معتبرة أن هذه فرصة ذهبية للانقضاض على الأكراد والسيطرة على طول الشريط الحدودي بينها وسوريا حتى الحدود العراقية، خاصة مع دعوة ترامب إلى إقامة منطقة آمنة شرق الفرات كحل وسط بين الطرفين.
ومع الوقت اكتشفت تركيا أن الأمور ليست بالسهولة التي كانت تعتقدها في ظل الفيتو الروسي الذي يطالب بأن تستلم الحكومة السورية الحدود الشمالية، وعدم إظهار الولايات المتحدة رغبة في دعمها في مشروع المنطقة الآمنة.
في ظل محاولات أنقرة إقناع إدارة ترامب بصوابية أن تتولى إنشاء المنطقة الآمنة، يضغط الأكراد باتجاه إرسال قوة دولية
واستغل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اجتماع التحالف الدولي ضد داعش في واشنطن هذا الأسبوع في محاولة جديدة لإقناع الولايات المتحدة بالاصطفاف مع بلاده في إنشاء المنطقة الآمنة. وأعلن أوغلو أن النقطة الوحيدة التي تم الاتفاق بشأنها خلال هذه الزيارة هي قوة مهام مشتركة بين أنقرة وواشنطن، بهدف تنسيق انسحاب القوات الأميركية من الأراضي السورية.
وأكد أن بلاده ستدعم المنطقة الآمنة التي تساهم في إزالة مخاوف تركيا الأمنية في تلك المناطق. وأكد أنه لم تتضح إلى الآن كيفية إنشاء المنطقة الآمنة في شرق الفرات، مبينا أن المباحثات بين الطرفين جارية في هذا الشأن.
وذكر بأن تركيا تبحث مع المسؤولين الروس فكرة إنشاء المنطقة الآمنة على غرار التنسيق القائم بين أنقرة وواشنطن حول هذا الموضوع. وشدد على وجوب عدم تكرار نفس خطأ الانسحاب الأميركي من العراق، وترك فراغ في المناطق السورية التي ستنسحب منها القوات الأميركية.
وأكد على ضرورة عدم السماح للإرهابيين (الأكراد) أو للموالين للنظام السوري، بملء الفراغ الذي سيحدث جراء هذا الانسحاب. وفي ظل محاولات أنقرة إقناع إدارة ترامب بصوابية أن تتولى إنشاء المنطقة الآمنة، يضغط الأكراد باتجاه إنشاء قوة دولية على الحدود مع تركيا، بالتوازي مع فتح باب التفاوض مع دمشق لقطع الطريق على الطموحات التركية.
ويعتقد أن يركز الاجتماع المزمع الأسبوع المقبل بين تركيا وإيران وروسيا على إيجاد حل بشأن مصير شمال شرق سوريا، وإن كانت المؤشرات لا تبدو إيجابية. ويرى محللون أنه في ظل غياب التوافق بشأن كيفية إدارة الوضع في شمال شرق سوريا بعد الانسحاب الأميركي، فإن هذه المنطقة ستكون مفتوحة على جميع السيناريوهات التي بكل تأكيد سيكون فيها الكثير من الخاسرين وربما هذه من الأسباب التي دفعت ترامب لإعلان الانسحاب قبل وضع أسس لإستراتيجية واضحة.