مصير الأساتذة المتعاقدين في لبنان رهين الاعتبارات الطائفية

على ضوء الاعتراضات السياسية يخشى الأساتذة المتعاقدون ضياع حقوقهم، وهو ما يجعلهم في حالة استنفار.
الجمعة 2024/03/08
سياسة التسويف تعمق أزمة التعليم في لبنان

بيروت - لا تزال تسوية ملف الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية حبيسة الحسابات السياسية والطائفية، رغم أن الملف تم إنجازه من قبل الجامعة وأرسل إلى مجلس الوزراء لإقراره.

وأبدى وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي خلال لقاء جمعه مؤخرا بالرابطة المارونية انفتاحا على حل الملف العالق منذ أشهر، وهو ما أشاع أجواء من التفاؤل في صفوف الأساتذة المتعاقدين، لكن سرعان ما انتكست الأمور في ظل وجود اعتراضات سياسية في علاقة بالتوازن الطائفي.

وقالت مصادر في الرابطة المارونية لموقع “النشرة” اللبناني إنها حصلت على تعهد من الحلبي بأن يكون الملف متوازنا، وألا يمر إلا بالشكل المتوازن مع مراعاة الشروط الأكاديمية، خصوصا أن نسبة المسيحيين في الملف الأول، المرسل من قبل رئيس الجامعة بسام بدران، كانت بحدود 25 في المئة، مقابل نحو 75 في المئة للمسلمين، كما أن عدد الشيعة يتجاوز في الملف عدد السنة.

وتواجه محاولات إعادة النظر في النسب المطروحة طائفيا تحفظات سياسية لاسيما من الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل.

الجامعة اللبنانية شهدت في السنوات الأخيرة تراجعا غير مسبوق نتيجة التدخلات السياسية، واعتماد المحسوبية على حساب الكفاءة

ولفتت المصادر إلى أن الأخذ بالمعيار الطائفي هو الأمر المعتمد منذ سنوات، وبالتالي التمسك به اليوم أمر طبيعي، شرط مراعاة باقي الشروط الأخرى لاسيما الكفاءة، لكنها تعتبر أن “المشكلة الأساس تكمن في أن هذا الملف من المفترض أن يكون في عهدة مجلس الجامعة، على أن يتم التعامل معه دورياً حسب الحاجات والحقوق، بينما تمت مصادرة صلاحيات مجلس الجامعة من قبل مجلس الوزراء، عبر المرسوم رقم 42 الصادر في عام 1997“.

وبحسب معلومات “النشرة”، فإن رئيس الجامعة كان قد أرسل في الأسبوع الأول من عام 2024 ملفاً يتضمن ما بين 1700 و1800 من الأسماء، ووعد وزير التربية والتعليم العالي بتمريره بأسرع وقت في مجلس الوزراء، بعد تأمين الشروط التي تسمح بذلك، حيث تدخل الاعتبارات السياسية والطائفية والمذهبية، وبالتالي هو بحاجة إلى تدوير زوايا، ومن المتوقع أن يتضمن الملف الذي سيرفع من قبل الحلبي نحو 1200 اسما.

ومن الحلول المقترحة أن يتم التفرغ على مراحل، بحيث يضمن الأساتذة أن حقوقهم مصونة، حيث تؤكد المصادر أن الواقع الحالي غير سليم، مع وجود 70 في المئة من الأساتذة هم من المتعاقدين بينما هناك نحو 30 في المئة من المتفرغين والملاك، في حين أنّ المنطق يفترض أن تكون النسب معكوسة. وتشير المصادر ذاتها إلى أن عدد المتعاقدين هو 3300 لكن ليس الجميع من مستوفي شروط التفرغ، وتوضح أن اعتماد معادلة 55 في المئة مقابل 45 في المئة من الممكن أن يقود إلى تمرير المشروع في الحكومة.

وعلى ضوء الاعتراضات السياسية يخشى الأساتذة المتعاقدون ضياع حقوقهم، وهو ما يجعلهم في حالة من الاستنفار لمزيد الضغط على مجلس الوزراء.

وقال عضو لجنة الأساتذة المتعاقدين فريد عثمان إنّ ملف التفرغ للأساتذة المتعاقدين، الذين تقارب نسبتهم السبعين في المئة من عدد الأساتذة، لم يُبت فيه حتى اليوم، والسبب أنّه يشوبه بعض المفاهيم والمعايير غير المفهومة والمغايرة للبعض، وهذا أساس الاعتراض عليه.

وأوضح عثمان في تصريحات صحفية أن من جملة المعايير الأقدمية والنصاب. ولكن موضوع الحاجة (أي حاجة الجامعة إلى الأساتذة المتعاقدين فيها) كان سبب إقصاء عدد كبير من الأساتذة ذوي الأقدمية في التفرغ وممن يملكون عددًا كبيرًا من الساعات.

ولفت عثمان إلى أنّه “مع مراعاة حاجات كل كلية، لكن أن يحصل هذا الأمر بطريقة أكثر شفافية ومن دون ظلم ومع الأخذ بعين الاعتبار وقوف الأساتذة إلى جانب الجامعة مع وقبل الأزمة التي عصفت بالبلاد وكانت أوضاع الأساتذة حينها حالكة”.

على غرار باقي مؤسسات الدولة فإن معيار التوظيف في لبنان يخضع لزاما للتوازنات الطائفية، وكثيرا ما تحصل تجاذبات بين القوى السياسية مع كل تعيين

وأرجع عضو لجنة الأساتذة المتعاقدين السبب الأساسي لمشكلة التفرغ إلى عدم وجود مجلس للجامعة، فبعد سحب صلاحيتها بموجب قرار وزاري عام 1997 لم يعد بالإمكان للجامعة أن تحدّد حاجتها، وإلا لكان بإمكان كل كلية أن تحدّد حاجاتها الفعلية وتعمل على تفريغ الأساتذة سنويًا، بحسب ما تراه ضروريا ومناسبا.

وكانت “اللجنة الرسمية للأساتذة المتعاقدين بالساعة في الجامعة اللبنانية” حملت في وقت سابق “الطبقة السياسية مجتمعة مسؤولية ما سوف تؤول إليه أوضاع الجامعة في حال عدم إقرار ملف التفرغ بأسرع وقت ممكن”.

وأملت اللجنة من وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال “الذي عوَّدنا على دعمِ المتعاقدين وتبنِّي قضيَّتهم، وبعد أن صار الملف في عهدته، أن يبادر إلى رفعه إلى مجلس الوزراء حيث الفرصة الأخيرة لإنقاذ الجامعة”.

وشكرت اللجنة “الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانيّة كافة على صبرهم، وتحملهم الظلم الذي يعانونه”، منوهة بـ”التزامهم بقرارات اللجنة كافة، لجهة ضبط النفس، وعدم القيام بأي تصعيد، وذلك إفساحا في المجال أمام كل المعنيين للوصول بالملف إلى خواتيمه السعيدة”.

وعلى غرار باقي مؤسسات الدولة فإن معيار التوظيف في لبنان يخضع لزاما للتوازنات الطائفية، وكثيرا ما تحصل تجاذبات بين القوى السياسية مع كل تعيين.

ويقول متابعون إن الجامعة اللبنانية شهدت في السنوات الأخيرة تراجعا غير مسبوق نتيجة التدخلات السياسية، واعتماد المحسوبية على حساب الكفاءة، وهو ما أضر بقطاع التعليم في لبنان.

ويشير المتابعون إلى أن الأزمة المالية والاقتصادية التي يشهدها البلد منذ 2019 عمقت أزمة الجامعة التي يهجر مقاعدها سنويا الآلاف من الطلبة. ووفق إحصائيات فقد تراجع عدد الطلاب من نحو تسعين ألف طالب قبل الأزمة إلى أقل من ستين ألفا في السنتين الأخيرتين.

2