مصطفى الكاظمي يتعهد باستعادة أموال العراقيين المنهوبة

أثار عقد المؤتمر الدولي لاسترداد الأموال العراقية المنهوبة بمشاركة الجامعة العربية ووزراء عدل عرب، جدلا في الشارع العراقي عن قدرة مخرجات المؤتمر على النجاح، في وقت تعاني المنظومة السياسية برمتها من فساد جعل العراق يتبوأ أعلى درجات التصنيف العالمي في الفساد.
بغداد - تحوّل تعهد رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي باستعادة الأموال المسروقة والمستحوذ عليها جراء الفساد، إلى التحدي الأهم قبل أسابيع على انتهاء دورته الرئاسية.
وتساءل محامون وسياسيون عراقيون عن جدية تعهد الكاظمي وقدرته على استعادة تلك الأموال، فيما يصنف العراق في قائمة أكثر البلدان فسادا في العالم.
وبينما اعتبر سياسيون تعهد الكاظمي باستعادة الأموال المنهوبة دعاية انتخابية تزيد من رصيده للحصول على دورة ثانية في رئاسة الحكومة، شددت مصادر مقربة من رئيس الحكومة العراقية على أنه يمضي مع الرئيس برهم صالح في عملية قانونية بمساعدة شركات محاماة دولية متخصصة لاستعادة أموال العراق المهربة إلى الخارج.
وأضافت المصادر في تصريح لـ“العرب”، “أن رئيس الحكومة يولي هيئة النزاهة العراقية قدرا لا يقل عن اهتمامه بمكافحة الإرهاب، في كشف الفاسدين في المؤسسات الحكومية”.
واعترف الكاظمي في كلمته أمام المؤتمر الدولي لاسترداد الأموال المنهوبة، المتواصلة جلساته في بغداد على مدار يومين، بأن داء الفساد أصاب العراق لعقود، وهناك المليارات من الدولارات تمت سرقتها وتهريبها في عهد النظام السابق، بينما سمحت الأخطاء التأسيسية بتفاقم الفساد وبنحو أكثر خطورة.
وقال "استغل البعض الفوضى الأمنية والثغرات القانونية في سرقة أموال الشعب ونقلها إلى خارج العراق".
وأكد أن أموال العراق المنهوبة والمهربة ستعود مهما طال الزمن، مشددا على أن الحكومة العراقية ماضية في الكشف عن ملفات الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، من دون أن يكشف عن الآليات والوسائل في استعادة تلك الأموال، بينما كبار المتورطين في الفساد يشاركون في العملية السياسية ويتقلدون مناصب رفيعة.
وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط في كلمة خلال المؤتمر الذي يشارك فيه عدد من وزراء العدل العرب وخبراء واختصاصيون في مجال القانون والرقابة المالية، أن هذا المؤتمر يعد فرصة مهمة لمشاركة الرؤى لمكافحة الفساد واسترداد الأموال، التي تعد ظاهرة خطيرة على الأمن والتنمية والاستقرار وسيادة القانون.

ويعزو محللون عراقيون مشاركة الجامعة العربية ووزراء من دول أخرى، إلى كون بعض تلك الدول تعتبر ملاذا للأموال العراقية المنهوبة، إضافة إلى وجود حرص من الدول القريبة على دعم سلطة الميليشيات والفساد.
ويناقش المؤتمر الذي تنظمه هيئة النزاهة ووزارة العدل، محاور وأوراق عمل تتعلق بآلية مكافحة الفساد وتجارب عدد من الدول العربية في مجال استرداد الأموال المنهوبة، فضلا عن التعاون الدولي والتجارب والممارسات والمعايير الدولية في مجال استرداد الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد وتحسين الأطر القانونية والتقنية لاسترداد الأموال المنهوبة.
ويأمل العراق من خلال المؤتمر في معالجة مواضيع تتعلق بقضايا استرداد الأموال المنهوبة والأصول المهربة، وإيجاد السبل الكفيلة بتيسير عمليات استردادها، ومنع توفير البيئات والملاذات الآمنة لها.
وكان الرئيس العراقي برهم صالح سبق وأن أعلن عن مشروع قانون استرداد عوائد الفساد وتقديمه إلى البرلمان، والسعي لاستعادة نحو 150 مليار دولار تم تهريبها إلى خارج العراق منذ سنة 2003، وهو تقرير أولي، في حين أن هناك تقديرات أكثر من ذلك بكثير.
ويحتاج العراق إلى قاعدة معلومات دقيقة، والاستعانة بشركات التدقيق المالي والمحاكم الدولية، مع تعزيز مطالبة الحكومة بالأدلة وعقد اتفاقيات ثنائية مع بعض البلدان لتسليم المتهمين، طبقا للأحوال القانونية والقضائية والمعاهدات الدولية.
ويرافق جدل سياسي عقد المؤتمر، مشككا بقدرة نتائجه على استعادة تلك الأموال، بينما المشاركون في الفساد مازالوا يتقلدون أرفع المناصب الحكومية.
ويرى الكاتب السياسي العراقي مصطفى سالم أنه لا يمكن معالجة أي ملف فساد في العراق دون معالجة النظام السياسي، مع وجود سلطة المرجعية والميليشيات فوق الحكومة والهيمنة الإيرانية.
واعتبر سالم في تصريح لـ“العرب” المؤتمر ذا طبيعة استعراضية في موضوعه، ويوفر بيئة أو فرصة تساعد في التشهير بالخصوم سياسيا في أحد أهدافه أو مخرجاته، لكن دون أن ينعكس المؤتمر إلا على طرق المساعدة في الإفلات من العقاب، وهو ما تحتاجه الحكومة.
ووصف ملف الفساد في العراق بأداة في صراع سياسي بين خصوم فاسدين. فسلطة السفير الإيراني على القضاء في العراق أكثر وضوحا من قدرة الكاظمي على إخفاء ما يحصل. والحكومة لا تطلب معلومات عن فساد المسؤولين العراقيين من السفارات، بل معلومات عن الذي يفضح الفساد وينتقدها.
وقال نقيب المحامين العراقيين ضياء السعدي “لا يكاد يمر يوم في العراق إلا ونسمع فيه عن حجم السرقات والفساد المستشري، وضرورة استرداد أموال العراق المنهوبة والمهربة إلى الخارج، بهدف استخدامها في إعمار العراق وانتشاله من براثن الوضع المعيشي السيء”.
وعبر السعدي في رسالة إلى المؤتمر عن شكوكه بقدرة العراق على استعادة الأموال المنهوبة، بسبب عقبات قانونية وسياسية تحول دون ذلك.

وعزا ذلك إلى عدم توفر إرادة سياسية موحدة، فضلا عن الخشية من التحرش ببعض الجهات المتنفذة وأذرعها المسلحة، وهو ما جعل الكثير من المواطنين يعتبرون أن الغرض من مشروع القانون الذي أعلن عنه الرئيس صالح إنما هو للدعاية والاستهلاك السياسي ليس إلّا.
ويرى خبراء أن الفساد المستشري في هذا البلد الغني بالنفط يعود أساسا إلى سياسة المحاصصة السياسية والطائفية التي ساهمت في تعميق الأزمة المالية والاقتصادية، مؤكدين أنه رغم وجود أدلة واضحة في عدد كبير من ملفات الفساد المتراكمة، إلا أنه يجري التحفظ على أسماء الفاسدين أو المتهمين بالفساد في الكثير من الأحيان استجابة لرغبات كتل سياسية متنفذة خشية تراجع شعبيتهم، أو خسارة جزء من جماهيرهم خلال فترة الانتخابات.
ويعتبر خبراء أن الإصرار على عدم ذكر أسماء الفاسدين بات عرفا سارت عليه جميع الحكومات بما فيها الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، التي تحدثت عند تشكيلها عن حملة واسعة وغير مسبوقة على الفاسدين، إلا أن هذه الحملة لم تحقق أي نتائج تذكر، واكتفت بإثارة ملفات مسؤولين معدودين من الصف الثالث أو الرابع في أحزابهم، فضلا عن بعض الجولات لرئيس الحكومة في المنافذ الحدودية التي يُتهم سياسيون وميليشيات بإدارة أكبر ملفات الفساد فيها.
وكانت محاربة الفساد على رأس مطالب احتجاجات عارمة شهدها العراق على مدى عام كامل بدءا من أكتوبر 2019، عندما تورطت حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي بالشراكة مع ميليشيات عراقية تابعة لإيران، في قتل نحو 700 متظاهر، وإصابة نحو عشرين ألفا آخرين، في سبيل حماية نظام الأحزاب الدينية الفاسدة في البلاد.
وسبق وأن أكدت لجنة النزاهة النيابية أن حجم الأموال المهربة خارج العراق يقدر بـ239.7 مليار دولار، وهو رقم يفوق موازنة البلاد لأكثر من عامين، مشددة على وجود ضغوط سياسية لعرقلة مكافحة الفساد.
وذكرت اللجنة أن الأموال التي تم تهريبها خارج العراق خلال الأعوام الماضية من خلال إيصالات وهمية، تمت عبر عمولات دفعت إلى بعض المسؤولين لغرض تسهيل عمليات التهريب.