مصطفى الكاظمي أمام مهمة إخراج العراق من مأزقه

متابعون للشأن العراقي يرون أنّ مصطفى الكاظمي المكلف بتشكيل الحكومة يمتلك الكثير من نقاط القوّة التي تؤهّله لإدارة مرحلة عراقية شديدة التعقيد.
الجمعة 2020/04/10
طهران وواشنطن تتقاسمان المعادلة الصعبة في بغداد

مصطفى الكاظمي الذي كُلّف بمهمّة تشكيل الحكومة العراقية في مرحلة استثنائية، يبدو بدوره شخصية استثنائية، على الأقل لجمعه بين العمل الفكري والعمل الأمني المخابراتي، إضافة إلى كونه موضع توافق قوى عراقية مختلفة الاتجاهات والولاءات والمصالح. فهل سينجح كاتب العمود السابق في وضع نقطة النهاية للمأزق العراقي؟

بغداد- لاحت مع تكليف مصطفى الكاظمي بتشكيل حكومة عراقية بديلة عن حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، بوادر أمل في خروج العراق المضطرب سياسيا والمنهك اقتصاديا واجتماعيا وغير المستقر أمنيا، من المأزق السياسي الذي آل إليه منذ أن أجبر الشارع الغاضب عبدالمهدي على التنحّي، ليتعسّر منذ ذلك الحين التوافق بين فرقاء العملية السياسية ذوي الارتباطات الخارجية في الغالب، على من يتولّى المنصب التنفيذي الأهمّ في الدولة.

كما لاح الأمل أيضا في إخراج العراق من دائرة الصراع الثنائي الحاد بين الولايات المتّحدة وإيران، كون الرئيس المكلّف أحد الرافعين للواء الاعتدال وتحقيق التوازن في العلاقات الخارجية للبلد من منظور تحقيق المصلحة الوطنية أوّلا.

ويرى متابعون للشأن العراقي أنّ الكاظمي يمتلك الكثير من نقاط القوّة التي تؤهّله لإدارة مرحلة عراقية شديدة التعقيد.

ويقول هؤلاء إنّ من بين عناصر قوّته امتلاكه لرؤية واضحة بشأن أهم القضايا والمعضلات التي تواجه البلد، وقد أتيح له التعبير عن رؤاه أثناء ممارسته العمل الفكري من بوابة الصحافة والمراكز البحثية.

غير أنّ المطلّعين على كواليس السياسة العراقية وتشعّباتها، يتساءلون عن مدى إمكانية تعايش رجل الفكر مع نظام يقوم أساسا على حكم الأحزاب الشيعية غير المستعدّة للمساومة على مصالح كبار قادتها ومن يقف خلفهم، في إشارة إلى طهران.

ويجيب البعض بأنّ إنقاذ النظام من خطر التداعي الذي داهمه مع اندلاع الانتفاضة الشعبية الأخيرة، مصلحة للأحزاب ذاتها ما يفسّر توافقها على شخص الكاظمي بعد أن وجّه له بعض قادة الفصائل النافذين اتهاما خطيرا بالتواطؤ على قتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس بغارة جوية أميركية مطلع العام الجاري في بغداد.

توبي دودج: الكاظمي مفاوض بارز ولاعب ماكر.. لا يمكنه الفشل
توبي دودج: الكاظمي مفاوض بارز ولاعب ماكر.. لا يمكنه الفشل

وكلف الرئيس العراقي برهم صالح، الخميس، رئيس جهاز المخابرات الوطني مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة المقبلة. وجاء ذلك بعد إعلان رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي، اعتذاره عن تشكيل الحكومة لأسباب “داخلية وخارجية” لم يوضحها.

ويعد الكاظمي أول مرشح توافقي إذ يحظى بدعم أغلب القوى السياسية الشيعية والسنية والكردية فضلا عن دعم الحراك الشعبي، ما يرفع حظوظه لترؤس الحكومة المقبلة.

ويقول مدير الدراسات في معهد الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد توبي دودج عن الكاظمي “إنه مفاوض بارز ولاعب ماكر”، مضيفا “أمامه الآن 30 يوما، ولا يمكنه الفشل”.

والكاظمي مستقل لا ينتمي إلى أي حزب سياسي، تسلم منصب رئيس المخابرات في يونيو 2016، خلال تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة في الفترة من سنة 2014 إلى 2018، ولا يزال يشغل المنصب حتى الآن لتسيير الأعمال. ويشترط لحصول الحكومة على ثقة البرلمان تصويت الأغلبية (50 في المئة زائد واحدا) من الأعضاء الحاضرين.

وستخلف الحكومة الجديدة، حكومة عادل عبدالمهدي الذي استقال مطلع ديسمبر 2019، تحت ضغط احتجاجات شعبية تطالب برحيل ومحاسبة كل الطبقة السياسية المتهمة بالفساد وهدر أموال الدولة، والتي تحكم منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003.

وولد مصطفى عبداللطيف المعروف بالكاظمي، في بغداد عام 1967. وهو ينتسب إلى عشيرة الغريب، حيث نزحت أسرته من الشطرة بذي قار، إلى كرخ بغداد. والده عبداللطيف مشتت الغريباوي، سكن بغداد قادما من الشطرة عام 1963، وآخر عمل له هو مشرف فني في مطار بغداد كما كانت له انتماءات سياسية وحزبية.

وعمل مشتت ممثلا للحزب الوطني الديمقراطي (حزب كامل الجادرجي) في الشطرة. وحاز الكاظمي على البكالوريوس في القانون وهو متزوج من ابنة مهدي العلاق القيادي في حزب الدعوة بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

وعرف عنه معارضته لنظام الرئيس الأسبق صدام حسين، لكنه لم ينضم إلى أي من الأحزاب السياسية. وكان غادر العراق عام 1985 إلى إيران ثم ألمانيا فبريطانيا، ثم عاد إلى بغداد بعد 2003.

وبعد عودته، عمل الكاظمي رئيسا لتحرير مجلة “الأسبوعية” التي يملك امتيازها الرئيس العراقي الحالي برهم صالح، وقد اختار لنفسه أثناء العمل بها لقب الكاظمي. كما عمل مديرا تنفيذيا لمؤسسة الذاكرة العراقية، وساهم في توثيق الشهادات وجمع الأفلام عن ضحايا النظام السابق.

المطلّعون على كواليس السياسة العراقية يتساءلون عن مدى إمكانية تعايش رجل الفكر مع نظام يقوم أساسا على حكم الأحزاب الشيعية غير المستعدّة للمساومة على مصالح كبار قادتها

أدار الكاظمي من بغداد ولندن مؤسسة الحوار الإنساني التي أسسها رجل الدين الشيعي حسين اسماعيل الصدر المقيم في الكاظمية الذي عرف بمواقفه الرافضة للاحتلال الأميركي، وهي منظمة مستقلة تسعى إلى سد الثغرات بين المجتمعات والثقافات، والتأسيس للحوار بديلا عن العنف في حل الأزمات.

كما عمل كاتب عمود ومديرا لتحرير قسم العراق في موقع مونيتور الدولي، وركزت مقالاته على تكريس روح السلم الاجتماعي في البلاد. ونشر خلال مسيرته المهنية العديد من الكتب، من أبرزها “مسألة العراق ـ المصالحة بين الماضي والمستقبل”.

وعيّنه العبادي في منصب رئيس جهاز المخابرات الوطني في يونيو 2016، بعد أن حقق نجاحا من خلال عمله وسيطا سياسيا بين الأطراف العراقية المختلفة في الأزمات المتلاحقة.

ولا يمتلك الكاظمي أي جنسية أخرى غير العراقية، رغم أنه امتلك جواز لجوء سياسي منحته له بريطانيا، خلال فترة معارضته لنظام صدام حسين.

3