الحكومة مرت بجملة من الاختبارات تجاوزت بعضها بعسر شديد، ومازال بعضها في إطار النقاش مثل ميزانية 2017. فيما تركت اختبارات أخرى حيرة عميقة حتى لدى أعضاء الحكومة أنفسهم، لا سيما ما تعلق منها بواقع القضاء التونسي.

صراع يدل على هشاشة الوضع في تونس، وعلى التسرع في المسائل المصيرية، وعلى غياب العمق في الحوارات، وعلى إفراغ الاتفاق والعهد والميثاق من مضامينها. وهذا ما يقود الشعب التونسي إلى فقدان الثقة في قياداته ومسؤولي دولته والمتصدين للشأن العام.

على الرئيس التونسي أن يقول إن الحزب الذي بلا مؤسسات ولا إدارة ولا منخرطين ولا مقرات نشيطة لا يمكنه أن يحكم دولة، ولا يمكنه أن يشكل حكومة أو يدعمها.

التوافق الواهي بين نداء تونس والنهضة بدأت تظهر معالمه في أول اختبار حقيقي تمثل في الحكم الصادر في قضية الشهيد لطفي نقض. فنداء تونس كمن وصل متأخرا شعر بالخطأ الذي ارتكبه حين ترك القضاء ساحة للنهضة دون منافس.

كان الامتياز الوحيد الذي حصلت عليه تونس منذ حكومتي الترويكا، هو القروض الائتمانية التي تمنحها الولايات المتحدة لتونس، لتيسر عليها الحصول على قروض من الصناديق المالية العالمية والدول المانحة.

من علامات الخيبة في تونس استبسال النظام الحاكم منذ 14 يناير 2011 في الحفاظ على خيارات النظام الأسبق نفسها على كل المستويات رغم أنها هي التي أسقطته وفجرت ثورة التونسيين.

المحمول السياسي لبيان الاتحاد العام التونسي للشغل يتمثل في كونه يعبر عن انسلاخ من اتفاق قرطاج وإعلانا لبطلانه باعتبار أن الحكومة المكلفة بتنفيذه حادت عنه. وإذا سقط اتفاق قرطاج سقطت معه حكومة الشاهد المنسلة عنه.

البلدان لم يبنيا أي شراكة كاملة ولو في مجال واحد. وظلت أغلب الاتفاقيات مرحلية خاضعة للظروف المفاجئة والأزمات كما كان شأن أزمة قطاع السياحة الأخيرة التي ساعد تدفق السياح الجزائريين تونس على التخفيف من وطأتها.

الكوارث الطبيعية في تونس غيرت من مجالها الجغرافي ومن توقيت قدومها، فقد كشفت الأمطار الأخيرة حدوثها أنه لا توجد جهات محرومة وأخرى محظوظة في تونس، بل كل الجهات معرضة للنكبة.

سكوت ديوان الإفتاء عن الفساد وانحيازه لصندوق النقد الدولي على حساب أبناء الشعب المفقّر المنهوب هو ما أنهى الوجود الاعتباري لمؤسسة كانت موجودة وكان اسمها ديوان الإفتاء.

لا الثورة نجحت ولا الدولة نجحت. الشيء الوحيد الذي تقاسمته الدولة والثورة بالعدل هو الفشل. ونتيجة هذا الفشل هي التقدم المستمر للدولة التونسية في الغرق في الأزمات المتناسلة وهي عاجزة عن أن توقف سيلها أو حتى تحد منه.

رئيس الحكومة يوم تكليفه وضع لنفسه مهام منها العاجل مثل البيئة والنظافة، ومنها الاستراتيجي كالتنمية وحماية الاقتصاد. وجاءت اختبارات سريعة لم نر فيها أي نية لرئيس الحكومة في تنفيذ ما كلف به نفسه.

المشكلة لم تعد في الإقرار بوجود الفساد فهذا أمر معلوم لم يعد خافيا، إنما هي في أشكال التعامل والإستراتيجيات الكفيلة بالتصدي له والقضاء عليه. هذا ما ينتظره التونسيون ولم يجدوا إلى حد الآن ما يطمئنهم بشأنه.

كل ما فعله حزبا المسار والجمهوري اللذان التحقا بالحكومة هو مساعدة الائتلاف الحاكم على تبرير استمراره في سياسات الفشل والتبعية، والأخطر هو الشرعنة لعودة أعوان نظام بن علي إلى الحكم تجسيدا لرؤية الرئيس السبسي التي عرضها في قانون المصالحة.

الحكومة منتفخة من حيث عدد الأحزاب المشاركة فيها بما يوهم بكونها حكومة قوية وحكومة وحدة وطنية حقيقية، ولكنها في الحقيقة فاقدة للتجانس وللإقناع وللجدوى.

ما يعقد عمل أي حكومة منذ 2012 هو توارث الأخطاء نفسها وبوعي كامل. ومن أخطر هذه الأخطاء المحاصصة الحزبية المبنية على الأسماء والترضيات لا على البرامج والكفاءات.

المعارضة السياسية والنقابية اليسارية التونسية قدمت لخصومها خدمات مجانية وساهمت في إنقاذ حكمهم الفاشل وزادت في تعميق أزمة الشعب التونسي وأفرغت حكومة الوحدة الوطنية من محتواها.

المأزق الرئيسي هو مأزق سياسي متعلق بمن تقدموا لإدارة الشأن العام في تونس ومنحوا فرصا سواء بالتوافق أو بالانتخاب. فعن هذا المأزق تتناسل كل المشاكل لتتركز بين التونسيين وتتحول إلى قدر من أقدارهم.