مصطفى الشعبي لـ"العرب": مهرجان الريف جسر بين السينما والهوية الأمازيغية

قليلة هي المهرجانات السينمائية المتخصصة التي تعمل من أجل إبراز اختلاف الهويات داخل الوطن الواحد، ومن بينها مهرجان الريف الدولي للفيلم الأمازيغي، الذي يركز على الأمازيغ باعتبارهم جزءا من الهوية المغربية، لهم خصوصيتهم الثقافية التي تحتاج إلى التركيز عليها والتعريف بها داخل المغرب وخارجه.
الرباط - اختتم مهرجان الريف الدولي للفيلم الأمازيغي فعاليات دورته السابعة بإعلان الجوائز الرسمية، في أجواء احتفالية امتزج فيها الفن بروح الأرض والثقافة الأمازيغية. وكشفت لجنة التحكيم التي ترأستها المخرجة فاطمة بوبكدي وضمت نخبة من الأسماء اللامعة في مجالات التمثيل والإعلام والكتابة، عن قائمة الأفلام الفائزة، والتي عكست تنوع التجارب السينمائية المشاركة.
وكانت هناك أفلام مغربية وجزائرية وتونسية وليبية وإسبانية، لكن الجوائز ذهبت إلى من استطاع أن يقدم سردًا فنيًا يعبر عن واقع الهامش بلغة السينما.
حول هذه الدورة وأهم محطاتها والآفاق المستقبلية لهذا الحدث الثقافي المهم التقت “العرب” رئيس المهرجان مصطفى الشعبي، للحديث عما تحقق، وما يطمح إليه المهرجان في دوراته القادمة.
في البداية عبّر الشعبي عن فخره العميق بالدور الذي يضطلع به المهرجان في ربط السينما بالهوية الأمازيغية المغربية، مشيرًا إلى أن هذه التظاهرة الثقافية باتت تُشكّل جسرًا حيويًا للتواصل بين الإبداع البصري والتراث الثقافي العريق.
ويوضح أن افتتاح الدورة السابعة من المهرجان تم تنظيمه في قاعة “إسبانيول” التاريخية بمدينة تطوان، وسط أجواء احتفالية شهدت حضور عدد كبير من الفنانين والمخرجين والمهنيين، إلى جانب ممثلي وسائل الإعلام، مؤكدا أن هذا الافتتاح كان بمثابة لحظة رمزية تستعيد الذاكرة السينمائية للمدينة وتكرّسها كفضاء حاضن للفن والثقافة.
ويشير الشعبي إلى أن تنظيم المهرجان جاء بشراكة فعالة مع عدد من المؤسسات، في مقدمتها جماعة تطوان والمجلس الإقليمي ومجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، مبرزا أن هذا الدعم المؤسسي يعكس وعيًا متزايدًا بأهمية الفعل الثقافي، ورغبة حقيقية في النهوض بالإنتاج السينمائي الأمازيغي.
وفي ما يتعلق بلجنة التحكيم يوضح مدير المهرجان أنها ترأستها المخرجة فاطمة بوبكدي، وضمّت في عضويتها نخبة من الأسماء المعروفة في الساحة الفنية والإعلامية، من بينها الإعلامي حسام الدين نصر والممثلة سحر الصديقي والصحافي محمد عمورة والسيناريست عبدالإله الحمدوشي، معتبرًا أن هذه التشكيلة تمثّل تنوعًا وتجربة تغني النقاش وتمنح المهرجان مصداقية أكبر.
وتوقف الشعبي عند لحظة التكريمات التي شملت مجموعة من الفنانين الذين أثروا المشهد الفني المغربي، ومن ضمنهم هشام بهلول وسعاد خيي وفاروق أزنابط وفاطمة قنبوع، معتبرا أن هذا التكريم هو بمثابة اعتراف مستحق لمسارات فنية ساهمت في ترسيخ الوعي الثقافي والهوية الوطنية.
أما من حيث الأجواء الفنية التي ميّزت حفل الافتتاح، فقد أبرز الدور اللافت الذي لعبته فرقة أحيدوس في إضفاء بعد تراثي حي، قائلا إن الأداء التلقائي للفريق وتفاعل الجمهور مع الإيقاع الأمازيغي منحا الحفل طابعًا أصيلا ومؤثرًا.
وفي ما يتعلق بشعار الدورة السابعة أكد الشعبي أنه يُجسّد الرؤية الأساسية للمهرجان، التي تتلخص في تحويل السينما إلى وسيلة لتمثيل الغنى الثقافي للمغرب، وجعلها منبرًا للتعبير عن الهوية الأمازيغية في بعدها الإنساني والحضاري.
مهرجان الريف الدولي للفيلم الأمازيغي تظاهرة ثقافية تُشكّل جسرًا حيويًا للتواصل بين الإبداع البصري والتراث الثقافي العريق
وبخصوص البرنامج السينمائي قال إن الدورة الحالية ضمّت 15 فيلمًا وقع الاختيار عليها من بين 50 عملا مرشحًا، تمثل خمس دول: المغرب وموريتانيا والجزائر وتونس وإسبانيا، وتنافست على جوائز من بينها الجائزة الكبرى للريف، وجوائز الإخراج، والسيناريو، والإنتاج، إضافة إلى جائزة لجنة التحكيم.
وأضاف أن المهرجان لم يقتصر على العروض السينمائية، بل شمل أنشطة موازية مثل الندوات الفكرية والورشات التكوينية واللقاءات المفتوحة مع صناع السينما، معتبرًا أن هذه الفقرات تُعزّز قيمة المهرجان كمختبر ثقافي ومنصة للتبادل وتطوير التجارب.
وفي تقييمه للمسابقة الرسمية أشار الشعبي إلى أن لجنة التحكيم اضطلعت بمهمة تقييم الأفلام القصيرة الناطقة بالأمازيغية، والتي مثّلت باقة متنوعة من الرؤى السينمائية الحديثة، وأسفرت عن فوز فيلم “ANGGS” للمخرج المغربي أحمد أشكار بتنويه أول، في حين نال فيلم “Une histoire de lutte” للمخرج الليبي سليم حدوش التنويه الثاني.
أما جائزة الإنتاج فقد آلت إلى فيلم “Tattooed” للمخرج محمد زيغو، بينما ذهبت جائزة لجنة التحكيم إلى الفيلم الإسباني “Pervivencia”. ونالت جائزة السيناريو المخرجة المغربية زينب واكريم عن فيلمها “أيور” (القمر)، فيما ذهبت جائزة الإخراج إلى المخرج التونسي وسيم قربي عن فيلمه “Epave”، وتُوّج بالجائزة الكبرى فيلم “Houchdardam” للمخرج الجزائري سمير شيمور.
وعن أجواء الختام يصف الشعبي اللحظة بأنها كانت أشبه بقصيدة تتدلى من شجرة زيتون، وأن الجوائز هي ثمار تعب نبتت من أعماق الأرض، مشددًا على رمزية الختام الذي استحضر روح الريف وسكينة الجبل.
جوائز المهرجان اعتراف بمن يكابدون من أجل خلق لغة سينمائية تعبّر عن الهامش، عن الإنسان، وعن الأرض
ويوضح أن الجوائز في هذا المهرجان تُشكّل اعترافًا عميقًا بمن يعملون في الظل، ويكابدون من أجل خلق لغة سينمائية تعبّر عن الهامش، عن الإنسان، وعن الأرض.
ويعتبر مصطفى الشعبي أن الأفلام المشاركة في الدورة السابعة كانت أشبه بحكايات مزارعين يقطفون ثمار سنوات الجفاف، موضحًا أنها صنعت بإيمان صادق، وأن تتويجها هو اعتراف جماعي بقيم الإبداع والمثابرة.
ويختم الشعبي حديثه برسالة إلى الجمهور، مؤكدًا أن الدورة السابعة قد اختُتمت، لكن أثرها سيظل حاضرًا في الذاكرة، وأن المهرجان سيعود في دورته الثامنة بحلم أكبر، مشيرا إلى أن استمرار هذا الحلم مرهون بالمزيد من الدعم المؤسسي والتفاعل المجتمعي والإيمان الجماعي برسالة الفن.
يذكر أن فعاليات الدورة السابعة من مهرجان الريف للفيلم الأمازيغي اختتمت مساء السبت 24 مايو الماضي، في مسرح سينما إسبانيول بمدينة تطوان، حيث شارك رئيس جماعة تطوان مصطفى البكوري في حفل الاختتام إلى جانب عدد من الفاعلين الثقافيين والفنيين.
وشهد الحفل توزيع دروع التكريم على نخبة من الفنانين والممثلات والممثلين الذين احتُفي بهم خلال هذه الدورة، كما حضر الحفل نائب رئيس الجماعة حميد الدامون، إلى جانب عدد من المخرجين والنقاد وكتاب السيناريو، إضافة إلى ممثلي وسائل الإعلام.

وألقى مدير المهرجان الحبيب حاجي كلمة نوَّه فيها بنجاح الدورة السابعة، وأشاد خلالها بالدعم المؤسسي والشعبي الذي حظي به المهرجان، وعلى رأسه دعم عمالة إقليم تطوان وجماعة تطوان والمجلس الإقليمي، بالإضافة إلى الحضور المتميز للجمهور التطواني.
وكُرِّم في الحفل الفنان المغربي هشام بهلول، اعترافاً بمسيرته الفنية الزاخرة وعطاءاته القيمة، حيث تسلَّم درع المهرجان وشهادة تقديرية من يد رئيس الجماعة، مصطفى البكوري، وسط تصفيق الحاضرين من شخصيات ثقافية وفنية.
كما سُلِّم عدد من جوائز الأفلام الفائزة، ووُزِّعت شواهد المشاركة على الشباب الذين استفادوا من الدورات التكوينية التي نُظِّمت ضمن فعاليات المهرجان.
وعرف الحفل كذلك تكريم عدد من الأسماء الوازنة في الساحة الثقافية والفنية، مثل الممثلة سعاد خيي والفنان الأمازيغي فاروق أزنابط والممثلة فاطمة قنبوع والباحث أحمد عصيد والناقد السينمائي خليل الدامون، في اعتراف بدورهم البارز في خدمة الثقافة والفن بالمغرب.