مصر وورطة معبر رفح: مجاراة إسرائيل أم الانحياز إلى الفلسطينيين

القاهرة- زادت الضغوط الشعبية والسياسية على النظام المصري لحثه على إدخال المساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر رفح عنوة وبلا انتظار موافقة أو تنسيق مع الجانبين الإسرائيلي والأميركي، وهو ما تتعامل معه القاهرة بهدوء، إذ تعلم أن هذه الخطوة في غياب التفاهم حولها يمكن أن تؤدي إلى تعرض الشاحنات المصرية لقصف من الجيش الإسرائيلي.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن توخّي القاهرة الحذر من قبيل عدم تحويل الحرب إلى صراع إقليمي، لأن أغلب من يحضّون على دخول المساعدات الإنسانية بلا تنسيق يبدو منطقهم عاطفيا، لكن لا يخلو من أهداف أخرى تتعلق بتوريط مصر في الحرب، اعتقادا منهم أن هذه الخطوة تخفف الضغوط العسكرية عن حركة حماس.
ولفتت المصادر ذاتها إلى مغزى ما نشرته وسائل إعلام عبرية أخيرا حول تحذير مصر حكومة إسرائيل من تكرار قصف المناطق الحدودية على الجانب الفلسطيني، ورفض قبول اعتذار تل أبيب عن إطلاق قذيفة على برج مراقبة داخل الحدود المصرية، حيث يؤشّر على أن القاهرة لن تقف صامتة أمام هذه الانتهاكات.
ويتعامل النظام المصري مع حرب غزة بقدر عال من الانضباط ولا ينجرف وراء الدعوات لإرسال مساعدات بمفرده، في وقت تقف فيه دول كبرى مع إسرائيل وتؤيدها في عملياتها العسكرية المفرطة، وترى القاهرة أن الأدوات السياسية والدبلوماسية يمكن أن تحقق نتيجة جيدة وفقا لطريقة إدارة الأزمة وعدم الانخراط فيها، إلا إذا فُرضت عليها من خلال وجود تهديد مباشر للأمن القومي.
وأفادت وسائل إعلام محلية بأن مصر رتبت لإدخال 60 شاحنة مساعدات مختلفة إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، وأن القاهرة تواصل جهودها لضمان استمرار دخول المساعدات وزيادتها لتلبية احتياجات الفلسطينيين، بعد أن تم إدخال 48 شاحنة الأحد من المساعدات المتنوعة.
وتزايدت دعوات للسماح بإيصال مساعدات إنسانية إلى المدنيين في غزة الذين يتعرضون لقصف متواصل يشنه الجيش الإسرائيلي أصاب الحياة بشلل شبه كامل.
وقال عضو المكتب السياسي لحماس موسى أبومرزوق “لا يجوز أن تبقى مصر متفرجة.. نأمل ونتوقع منها اتخاذ موقف حاسم لإدخال المساعدات في أقرب وقت”.
وأكّد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الأميركي جو بايدن على ضرورة إنفاذ هدنة إنسانية فورية في غزة، ومنع توسع دائرة الصراع.
وأوضح المتحدث باسم الرئاسة المصرية أن الرئيسين اتفقا على زيادة المساعدات الإنسانية فورا لتلبية احتياجات أهالي غزة الذين يتعرضون لمعاناة هائلة، وأن السيسي شدد على رفض بلاده سياسات العقاب الجماعي، وأنها “لم ولن تسمح بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى الأراضي المصرية”.
وذكر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة مصطفى كامل السيد أن اتصال بايدن بالسيسي صاحبه اتصال آخر برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما يؤشّر على أن دخول المساعدات من معبر رفح يجري بتنسيق ثلاثي، لأن التفاهمات التي تمت تضمنت دخول قدر أكبر من الشاحنات، مع منح إشارة أميركية لإسرائيل للاستمرار في حربها، ما يعني أن دخول المساعدات لن يقود إلى هدنة إنسانية في المدى المنظور.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن مصر تجد نفسها أمام تناقضات الإدارة الأميركية التي تدعم دخول المساعدات ولا تضع خطوطا حمراء لإسرائيل لتحقيق أهدافها العسكرية، والتي لا تخدم الأمن القومي المصري، وبالتالي تصبح عملية إدخال المساعدات بلا قيمة حقيقية طالما أن الحرب مستمرة.
ولفت كامل السيد إلى أن إقدام القاهرة على إدخال المساعدات من جانبها فقط أمر له عواقب وخيمة، لأن تمريرها يتطلب موافقة صريحة من إسرائيل التي تقف كطرف ثان يتحكم في ما يتم دخوله عبر معبر رفح من جهة قطاع غزة.
وقال إن القاهرة لا تواجه فقط أخطار دخول كميات قليلة من المساعدات في ظل أوضاع إنسانية صعبة، لكنها تجابه أخطارا أكبر بسبب إصرار إسرائيل على تفريغ شمال القطاع وتهجير مواطنيه إلى جنوبه، أي بالقرب من معبر رفح، والأكثر من ذلك أن التصورات الإسرائيلية تلقى دعماً مباشراً من الولايات المتحدة ودول غربية عدة، ما يشير إلى إمكانية تصاعد الأزمة بالقرب من الحدود المصرية.
وكانت غزة تتلقى حوالي 500 شاحنة من المواد الغذائية وغيرها من الإمدادات يوميا قبل عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر الجاري، بينها 45 شاحنة وقود لتشغيل السيارات ومحطات تحلية المياه والمخابز.
وأكد وكيل جهاز الاستخبارات المصرية سابقا ورئيس ملف الشؤون الإسرائيلية بالجهاز اللواء محمد رشاد أن وصول المساعدات يسير في إطار شكلي لا يؤثر على مجمل الأوضاع الإنسانية، وأن ما يحتاجه أكثر من مليوني مواطن يفوق عشرات المرات ما يتم إدخاله حاليا، وتنظر دول العالم إلى الجوانب الشكلية وهي منسجمة مع الخط الإسرائيلي الداعم لوضع الفلسطينيين تحت ضغوط اليأس والتشريد.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الولايات المتحدة “المتسبب الرئيسي في الأزمة الراهنة بعد أن فشلت في تأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية لسكان القطاع مع رفعها شعارات حقوق الإنسان، وتدعم إسرائيل في جرائمها بحق الفلسطينيين وتعمل على مراعاة حق الاحتلال في تدمير غزة بذريعة الدفاع عن النفس”.
وأكد رشاد أن مصر تعمل على ضمان تأمين الشاحنات بما لا يؤدّي إلى مشكلة حال استهدافها من جانب إسرائيل التي تتعمد تعطيل وصول المساعدات إلى سكان القطاع لتُوجد مبررات لنزوح مئات الآلاف إلى الحدود وإحداث فوضى عارمة بالقرب من معبر رفح، وإذا أدت الأوضاع الراهنة إلى هذه النقطة من المتوقع أن يتمدد الصراع إلى ما هو أكثر من كونه يدور الآن بين حماس وإسرائيل.
وأعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في القاهرة الأحد أن منع وصول المساعدات يمكن أن يشكل “جريمة”، بعد زيارة قام بها إلى معبر رفح، وطالب إسرائيل بأن تضمن حصول المدنيين على الغذاء والدواء في غزة بلا تأخير.