مصر وتونس

ازدحمت مقاهي القاهرة بمتابعي مباراة كرة القدم بين الأهلي المصري والترجي التونسي، في المنافسة على بطولة أندية أفريقيا. وقد سمعتُ أن هناك مظلومية لدى الفريق التونسي في نتيجة المباراة السابقة، وأن مباراة الإياب، ستكون مشحونة بالتوتر، ما أضاف سببا آخر لي، لكي أتحاشى المتابعة.
فليس أسوأ في ملاعب الكرة، من إخراج المنافسة الرياضية عن سياقها، لتنفلت عبارات البغضاء على ألسنة الصغار من جمهورييْ النادييْن العريقين.
فمباريات كرة القدم ومنافساتها، بين فرق البلدين، تتبع الواحدة الأخرى على خط طويل من الزمن. بل إن أحداث التاريخ في كل من البلدين، يتبع أحدهما الآخر أو يسبقه. ففي العام 1891 احتل الفرنسيون تونس وفرضوا على شعبها معاهدة “باردو” التي تجعل البلاد محمية فرنسية.
وقام البريطانيون، في العام التالي باحتلال مصر ثم إنهاء علاقتها مع الدولة العثمانية في العام 1914.
وكان التوانسة في العام 1911 قد أطلقوا احتجاجاتهم الشعبية، التي تفاقمت عندما دهس “الترام” الذي يقوده أحد الطليان طفلا تونسيا. أيامها، تفجّر مخزون الغضب المشابه للانفجار الذي أعقب، بعد نحو مئة سنة، حدث إشعال محمد البوعزيزي نفسه اختزالا لمظلومية التونسيين.
وفي العام 1919 سُمعت في تونس أصداء ثورة المصريين بزعامة سعد زغلول، وقد تابعتها النخبة التونسية عبر الصحف الفرنسية التي تقرأها في مقهى “الترجي” وكان من بين رواد المقهى مؤسسو النادي.
وعندما احتار أولئك الرجال، في تسمية ناديهم الجديد، أطلقوا عليه اسم مقهاهم المفضل، وكأن إحساسا راودهم، بأن المقاهي ستفتح ذات يوم، نوافذ على الملاعب، لكي تتابع المنافسات الرياضية عبر شاشات “بلازما” كبرى. لم يكونوا – بالطبع- يتوقعون، أن يظهر اختراع التلفزيون، وأن يحتشد عشاق الرياضة في المقاهي!
في مصر تراجع البريطانيون عن بعض غلاظتهم في العام 1922 فألغوا ما يسمونه الحماية أو الوصاية على البلاد، وسمحوا بإعلان دستور 1923 وفي تونس في تلك الفترة، تخطو في اتجاه مقارعة المستعمر الفرنسي لكي يرفع حمايته عن البلاد.
ومع اكتمال عناصر الإجماع الشعبي على التمرد، تأسس الحزب الدستوري في العام 1934. وفي العام 1952 نفسه الذي أطلق فيه التونسيون ثورتهم المسلحة، قام الجيش الوطني المصري، بانقلابه الذي تحول إلى ثورة للتغيير الاجتماعي والسياسي. ولما اضطر المستعمر إلى إعلان استقلال تونس في مارس 1956، شهدت مصر في اليوم الأخير من أكتوبر من العام نفسه، عدوانا ثلاثيا، شاركت فيه فرنسا مع بريطانيا وإسرائيل!
على مر التاريخ، كان هناك شغفٌ متبادل بين المصريين والتونسيين، أتاح للشعبين امتزاجا في الثقافة والفنون. ففي الإسكندرية، التي شهدت مباراة الكرة التي شحنت الأجواء الرياضية، عاشت عائلة تونسية بيرم التونسي، الذي غنت له أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وغيرهما!
فلا موجب لأن تؤثر على الوداد، مباراة في كرة القدم، أو أن يُفسد حَكَمٌ للود قضية، أو أن تؤلم أي نتيجة فريقا خاسرا. وعلى رأي ما كتب بيرم التونسي لأم كلثوم: كل الأحبة اتنين اتنين وأنت يا قلبي حبيبك فين!