مصر في مأزق سداد الديون مع تفاقم الأعباء

تؤكد بعض المؤشرات الاقتصادية أن التحديات المختلفة التي تواجه مصر سوف تزداد حدة، بعد أن كشف البنك المركزي أن إجمالي الودائع الخارجية وأقساط الديون والفوائد المستحقة على البلاد ستأخذ منحى صعوديا خلال العام المقبل.
القاهرة - تصاعدت التحذيرات الممزوجة بالقلق مع قرب حلول العام الجديد بشأن مصير ديون مصر الناشئة عن أعباء القروض، بما يضر بفرصها في التنمية المستدامة مع انهيار قيمة الجنيه وتراجع الثقة في برامج الحكومة لمواجهة المشكلة.
وتلقى الاقتصاد ضربة موجعة عقب تقرير أصدره البنك المركزي، ما عمق المخاوف بشأن استقرار النظام المالي مستقبلا، حيث أشار إلى أن الديون المستحقة العام المقبل ستواصل الارتفاع لتبلغ 42.3 مليار دولار.
وتفوق تلك الديون قيمة الاحتياطي من النقد الأجنبي البالغ 35 مليار دولار ويشمل 29.9 مليار دولار ودائع مستحقة لبعض الدول العربية.
ويتعين على القاهرة سداد 32.8 مليار دولار، ما يمثل 20 في المئة من إجمالي الديون الخارجية، وهي متوسطة وطويلة الأجل مستحقة العام المقبل، ويشكل ذلك زيادة قدرها 3.6 مليار دولار عن تقديرات المركزي في سبتمبر الماضي.
كما يستوجب على الحكومة سداد 9.5 مليار دولار أخرى من أقساط الديون والفوائد قصيرة الأجل في النصف الأول من 2024، ومن المقرر سداد الجزء الأكبر منها خلال فبراير ومارس.
وسجل الدين الخارجي مع نهاية العام المالي الأخير المنتهي في يونيو الماضي 164.7 مليار دولار، بانخفاض عن 165.4 مليار دولار في مارس الماضي، لكنه لا يزال أعلى بنحو 9 مليارات دولار من الرقم المسجل نهاية العام المالي السابق.
وتضاعفت الديون الخارجية أربع مرات خلال العقد الماضي، ليبلغ مستوى قياسي عند 165.4 مليار دولار مع نهاية الربع الأول من 2023، نتيجة زيادة الاقتراض من المقرضين متعددي الأطراف وأسواق الدين العالمية.
ويعادل هذا 40.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، أي أقل من 50 في المئة المقدر من صندوق النقد الدولي لمستويات الديون التي يمكن السيطرة عليها. وتمثل الديون المقومة بالدولار أكثر من ثلثي الديون الخارجية.
وقال مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية خالد الشافعي إنه “رغم خطورة القيمة المستحقة من الفوائد والديون، لكن تفاديها يكمن في تجديد الودائع الخليجية، والقاهرة تراهن على العرب لتفادي الأزمة”.
ومددت الإمارات أجل استحقاق وديعة بقيمة مليار دولار لثلاث سنوات كانت تستحق على مصر في يوليو الماضي، فيما يبلغ إجمالي ودائع البلد الخليجي لدى المركزي المصري 5.7 مليار دولار.
كما مددت الكويت أجل استحقاق وديعة بالقيمة ذاتها كانت تستحق في أبريل الماضي لمدة عام آخر. ويبلغ إجمالي ودائع الكويت 4 مليارات دولار.
وكانت الكويت قد مددت في نوفمبر الماضي أجل استحقاق وديعة أخرى بقيمة ملياري دولار إلى سبتمبر 2024، لكن لم يظهر ذلك في تقرير المركزي المصري الذي يرصد وضع الدين الخارجي حتى مطلع يوليو الماضي.
ومن المتوقع أن تودع كل من السعودية والإمارات 5 مليارات دولار أخرى، وفق الاتفاق المبرم مع صندوق النقد لدعم القاهرة، وقد يشمل ذلك تجديد أجزاء مستحقة من ودائع قائمة للدولتين يحل أجلها العام المقبل.
42.3
مليار دولار الديون المستحقة على مصر خلال 2024، منها 32.8 مليار دولار ديون خارجية
وأوضح الشافعي أن “تجديد الودائع الخليجية أمر مؤكد حسب العرف السائد بين مصر والدول العربية الصديقة”، متوقعا أن تشهد السنة المقبلة تعهدات مالية وودائع خليجية تعزز موقف مصر المالي، ودعمها لتحقيق التنمية المستدامة.
وأكد أن بلاده لن تتعرض للإفلاس أو تتعثر عندما يحين وقت سداد الأقساط، ما لم تقع فيه الحكومة وهي في أصعب الظروف والأوقات تأزما، سواء في ظل أزمة الوباء والحرب في أوكرانيا، وغيرهما.
ومن القنوات التي تعتمد عليها مصر تلقيها لوعد بدعم من صندوق النقد الذي يدرس بجدية حسب تصريحات مديرته كريستالينا جورجيفا زيادة برنامج قرض الثلاثة مليارات دولار، نظرا للصعوبات الاقتصادية التي تواجهها القاهرة بسبب حرب إسرائيل على غزة.
ويأتي ذلك تزامنا مع مباحثات مصر لزيادة حجم التمويل ليصل إلى 5 مليارات دولار.
ومن القنوات المهمة أيضا ما تستهدفه مصر من زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 12 مليار دولار العام المالي الحالي.
وتأمل الحكومة أن يسهم برنامج الطروحات في جمع 5 مليارات دولار في النصف الأول من 2024، وهذه العوامل مجتمعة تدعم الموقف المالي للبلاد.
وتخطط القاهرة لجذب 3 مليارات دولار مع نهاية العام المالي الحالي من خلال إصدارات السندات والقروض الدولية.
ونجحت السلطات بالفعل في تأمين نصف المبلغ عبر قرض ميسر بقيمة 500 مليون دولار من دويتشه بنك وبنك المؤسسة العربية المصرفية.
كما أصدرت قروضا بقيمة 500 مليون دولار من سندات الساموراي في نوفمبر الماضي، وسبقه إصدار بقيمة 478.7 مليون دولار من سندات الباندا في أكتوبر.
وأكد المحلل الاقتصادي سيد عويضي صعوبة التهوين من أزمة الديون، وما تسببه من مأزق للحكومة للبحث عن وسائل السداد، لكن السلطات حريصة بشكل مستمر على الوفاء بمواقيت سداد أقساط الديون وعدم التخلف عنها.
وقال لـ”العرب” إنه “في مثل هذه الحالات لا يمكن الاعتماد على أداة واحدة في سداد الالتزامات فقط، بل يجب أن تتنوع القنوات، وهو ما تستهدفه مصر”.
وذكر أنه من الآليات المهمة التي يمكن الاعتماد عليها الفترة المقبلة، عائدات السياحة، إذ تسعى مصر لتحقيق 14 مليار دولار من القطاع مع نهاية 2023، وتخطط لزيادة الإيرادات بنحو 25 في المئة العام المقبل.
ورغم حاجة البلاد الماسة إلى العملات الأجنبية وما ترتب على شحها من وجود سعرين للدولار، في السوقين الرسمي والموازي، ومع ما يمثله ضغط أعباء الدين على الجنيه، لكن تحرير سعر الصرف الفترة المقبلة لن يكون قرارا عاجلا أو سهلا، بسبب الفجوة الكبيرة بين السعرين.
وأشار عويضي إلى أن مصر ستتوسع في إصدار السندات بالعملات المحلية للبلدان وتحصيلها بالدولار مقابل السداد بالعملات المحلية، وهو ما سيظهر بقوة مع الإعلان الرسمي لانضمام مصر إلى تجمع بريكس في يناير المقبل.
ويتوقع خبراء أن تتوسع مصر في المبادرات التي تستهدف جذب الدولار، خاصة التي تركز على المغتربين، على غرار مبادرتي استيراد السيارات وبيع الأراضي بالعملات الأجنبية مع إتاحة التسهيلات المحفزة.