مصر في قلب حراك ليبي يتهيأ لمرحلة مفصلية

تكثف مصر تحركاتها في ليبيا محاولةً الحفاظ على نفوذها في مشهد متحرك وسريع التقلب، وتحرص القاهرة على دعم القوى الليبية القريبة منها مع انفتاحها على حكومة الوحدة الليبية، بعد قطيعة بينهما.
بنغازي/ القاهرة - تسعى مصر لفرض حضورها في المشهد الليبي الصاخب، مستفيدة من زخم محلي وإقليمي ودولي وتوافق كبير يحظى به مشروع إجراء الانتخابات العامة قبل نهاية العام الجاري، بعد اتفاق لجنة 6+6 المشكلة من مجلسي النواب والأعلى للدولة على تفاصيلها في اجتماع أعضائها في مدينة بوزنيقة المغربية في وقت سابق من الشهر الجاري.
وأوفدت القاهرة رئيس البرلمان حنفي جبالي لحضور جلسة مجلس النواب الليبي في بنغازي، الاثنين، ما يوحي بدعمها خطوات الأخير ودوره في تعبيد الطريق لإجراء انتخابات في لحظة نادرة تتوفر لها مقومات سياسية وأمنية مؤاتية.
وأجرى مسؤولون مصريون اتصالات متعددة مع جهات ليبية مختلفة لضبط الموقف بما لا يؤدي إلى خروج قطار الانتخابات عن مساره، وتمكنت من منع تصاعد الخلاف بين قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وأزالت ما حدث من التباس حول انفتاحها على رئيس حكومة الوحدة الليبية عبدالحميد الدبيبة.
وعلمت “العرب” أن لقاء أجراه رئيس المخابرات المصرية عباس كامل مع الدبيبة في إيطاليا مؤخرا، حدث خلاله تحسن في العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وطرابلس، وقدم الدبيبة للحكومة المصرية مساعدات مالية بنحو بملياري دولار، وتلقى دعوة لزيارة القاهرة، ما ينهي قطيعة ترتبت على سحب مصر اعترافها بحكومته.
وتحرص مصر على عدم وصول الخلاف مع المشير حفتر إلى نقطة اللاعودة، وكلما مرت سحابات أو مناوشات بينهما سرعان ما يتم التعامل معها بهدوء واحتواء ما يتمخض عنها من تداعيات سلبية، فهي تعلم أنه رقم عسكري مهم في المعادلة الليبية الراهنة وتجيد التعامل مع مناوراته وانفتاحه على خصومها ومنافسيها.
ولدى القيادة المصرية رغبة في عدم تفويت فرصة إجراء الانتخابات المعطلة في ليبيا، وسط تأييد تحظى به من جهات مختلفة بدأت تستشعر مخاطر ارتدادات الأزمة الليبية على مصالحها في المنطقة.
وتريد تهدئة الجبهة الشرقية لفترة طويلة في ظل ما يواجه الدولة المصرية من تحديات على حدودها الجنوبية عقب اندلاع الصراع في السودان، وترى في المصالحة مع كل من تركيا وقطر وتطور العلاقات مع روسيا وزيادة التفاهمات مع الولايات المتحدة ودول أوروبية عدة فرص لفتح صفحة في ليبيا من خلال مدخل الانتخابات.
وقال عضو مجلس النواب الليبي علي التكبالي لـ”العرب” إن حضور رئيس البرلمان المصري لجلسة البرلمان الليبي يشير إلى موقف مصر من أن ليبيا أمن قومي بالنسبة لها وتخشى من زيادة تدخل القوى الخارجية أو الانفراد بتسوية سياسية لا ترضيها، وتريد أن تظهر لليبيين أنها حاضرة دائما في أي تفاهمات بشأن حل الأزمة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة تسعى بكل الطرق للتأكيد أنها لن تتوقف عن لعب دور مؤثر للحفاظ على أمن واستقرار ليبيا، وإرسال إشارات مفادها أنها تدعم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وتريد حلا يضمن الاتجاه نحو الاستقرار.
وشدد على أن قطاعات ليبية عدة تدرك أهمية الدور الإيجابي الذي تقوم به مصر من أجل إحداث توازن مع تدخلات سلبية تقوم بها قوى أخرى في الناحية الغربية من ليبيا، وسط مخاوف من إمكانية أن يرى اتفاق 6+6 طريقه نحو التنفيذ على أرض الواقع.
ودعا رئيس البرلمان المصري حنفي جبالي، الاثنين، مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة إلى “مواصلة دورهما لاستيفاء الأطر اللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا تحقيقا لتطلعات الشعب”. وحث جبالي في كلمة له أمام البرلمان الليبي جميع الأطراف المعنية والمنخرطة في الأزمة الليبية على تغليب المصلحة الوطنية الليبية، ودعم جهود استكمال المؤسسات الوطنية في ليبيا تحقيقا لهدف عودة الاستقرار ووضع البلاد على مسار التنمية والبناء.
واستضافت القاهرة اجتماعات المسار الدستوري وتُوجت بتوافق كبير بين رئيسي مجلس النواب عقيلة صالح والمجلس الأعلى للدولة خالد المشري حول القاعدة الدستورية، وجرى تشكيل لجنة 6+6 بهدف إعداد القوانين الانتخابية. ويعمل البرلمان الليبي والمجلس الأعلى للدولة على تشكيل حكومة تتولى زمام الأمور حتى تحقيق الاستحقاق الانتخابي في أقرب الآجال، بما يعني إنهاء مهمة الدبيبة عمليا.
وأشار صالح أمام البرلمان في بنغازي إلى أن مجلس النواب أصدر التعديل الدستوري الثالث عشر وجرى من خلاله تشكيل لجنة 6+6 التي ستضع مقترحا لقانون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، متمنيا استمرار أعضاء اللجنة في التشاور بما يؤدي إلى الأمن والاستقرار، مشيدا بدور مصر المحوري في الملف الليبي.
مصر تحرص على عدم وصول الخلاف مع المشير حفتر إلى نقطة اللاعودة، وكلما مرت سحابات أو مناوشات بينهما سرعان ما يتم التعامل معها بهدوء
وأعلن المجلس الأعلى للدولة، الأحد، أن المرشح الرئاسي السابق محمد المزوغي مرشح لرئاسة “حكومة مصغرة”، في إشارة إلى الشروع في تنفيذ مخرجات لجنة 6+6. وأحاط عقيلة صالح، الاثنين، الأمم المتحدة بشأن تسلم مجلس النواب نتائج اجتماع اللجنة المشكلة 6+ 6 لوضع القوانين والأطر الانتخابية في مدينة بوزنيقة المغربية. ولم يتم إجراء مراسم التوقيع على الاتفاق بشكل رسمي في بوزنيقة، ما أثار مخاوف من وجود تباين، خاصة حول نقطتي ترشيح مزدوجي الجنسية والعسكريين.
وقدم المبعوث الأممي عبدالله باتيلي إحاطة أمام مجلس الأمن، الاثنين، بعد انقضاء المهلة الممنوحة للجنة 6+6 منتصف يونيو الجاري، مشيرا إلى أن قوانين الانتخابات التي توصلت إليها اللجنة غير كافية لإجراء انتخابات ناجحة.
وتوجد أربع مسائل خلافية في قوانين لجنة 6+6، أولاها معايير الترشح للرئاسة، وثانيتها إجراء جولة رئاسية ثانية ولو حاز مرشح كل الأصوات المطلوبة للفوز، وثالثتها النص على إذا لم يُتوصل إلى نتيجة حاسمة في الجولة الرئاسية الأولى فلن تُجرى الانتخابات البرلمانية، والرابعة البند الذي يطلب إنشاء حكومة قبل إجراء الانتخابات.
وكان بيان صدر عن القيادة العامة للجيش الليبي قبل أيام طالب بـ”تسريع تشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة الانتخابات”، مؤكدا دعم المحادثات والتقارب الذي من شأنه إنهاء حالة الانقسام السياسي، وما قامت به لجنة 6+6 أولى الخطوات المهمة التي تمهد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وأشار البيان إلى دعم الحلول السياسية الصادقة في إنهاء الأزمة السياسية التي تشهدها ليبيا دون مغالبة أو إقصاء أو مصادرة حقوق أي طرف، حتى تحقق القوانين الانتخابية أكبر توافق ممكن لإجراء الانتخابات في موعدها وضمان تطبيق نتائجها.