مصر حاضرة في أزمات غربية: صدفة أم ضغط سياسي

إعادة فتح ملف ريجيني تزامنًا مع أزمة السيناتور الأميركي تزعج القاهرة.
السبت 2023/09/30
عود على بدء

تعتبر دوائر قريبة من الحكومة المصرية أن فتح ملفات مغلقة أو إعادة التطرق إلى قضية بعينها في توقيتات حساسة سياسيا ليس بريئا، لكن محللين يرون أنه ليس من المفيد الإيغال في نظرية المؤامرة.

القاهرة - يواجه النظام المصري اتهامات مختلفة بالتورط في قضايا شغلت دوائر في الرأي العام الدولي، بدءاً من أزمة طائرة زامبيا ومروراً بحادث رشوة السيناتور الأميركي روبرت مينينديز، وأخيراً إعادة فتح التحقيقات في قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، ما طرح تساؤلات حول ما إذا كان الزج بالقاهرة في أزمات بدول عدة خلال فترة وجيزة قبل انتخابات الرئاسة صدفة أم يعبر عن ضغوط سياسية تتعرض لها القاهرة من أقطاب خارجية.

وما يجعل التساؤلات منطقية أن القاهرة ليس من مصلحتها الآن إثارة مشكلات خارجية تجلب لها متاعب وتشكل عبئًا يضاف إلى تعقيدات داخلية متنوعة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، وحالة نادرة من عدم اليقين تسيطر على مواطنين يترقبون مدى قدرة الحكومة على الخروج من المأزق الذي ينغص حياتهم، ويؤثر على محاولات أخرى لتحسين الصورة وتمرير ملف الانتخابات الرئاسية في ديسمبر المقبل بصورة مرضية.

ولم يكن التعامل الحكومي مع هذه المشكلات بالشكل الذي يضمن غلق الباب مبكراً أمام أي اتهامات أو شائعات ترتبط بأجهزة الدولة، ما يترك انطباعًا بأن التهم مثبتة عليها، بينما جرى مثلاً إخلاء سبيل المتهمين المصريين في قضية طائرة زامبيا بلا توضيح رسمي حول تفاصيل القضية.

وأجازت المحكمة الإيطالية العليا، الأربعاء، استمرار محاكمة أربعة من المتهمين المصريين في قضية اختفاء وقتل الطالب الإيطالي ريجيني، رغم إعلان المحكمة سابقا عدم معرفة المتهمين بما هو منسوب إليهم، ما قاد إلى توقف محاكمتهم.

بشير عبدالفتاح: القاهرة لديها مصالح لا تتماشى مع سياقات مقابلة
بشير عبدالفتاح: القاهرة لديها مصالح لا تتماشى مع سياقات مقابلة

وحكم القضاء الإيطالي في ذلك الحين لصالح محامي الدفاع المعينين من المحكمة الذين احتجوا بأن الإجراءات ستكون باطلة ما لم يكن هناك دليل على علم المصريين بالقضية، وبإعادة النظر في القضية، وقالت المحكمة العليا في إيطاليا إن السند القانوني المتعلق بهذه الحجة غير دستوري لعدم تعاون الدولة الأصلية للمشتبه بهم (مصر).

ورفضت القاهرة توجيه الاتهامات لضباط في الشرطة تشتبه روما بضلوعهم في جريمة قتل طالب إيطالي بسبب نقص الأدلة، ولا تزال رواسب القضية تؤثر على العلاقات المصرية – الإيطالية خصوصا أمام ضغط الرأي العام في ظل مساعي القاهرة لتسوية القضية واتجاهها نحو تبريد المشكلات التي تطرأ مع الجانب الإيطالي.

ودفعت نحو تسوية قضية الباحث المصري باتريك زكي طالب الماجستير في إيطاليا بعد أن واجه حكمًا بالحبس لثلاث سنوات في قضية نشر أخبار كاذبة، وأصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قراراً بالعفو عنه في شهر يوليو الماضي.

وتثير إعادة فتح قضية ريجيني تخمينات حول المغزى من التوقيت وسط حديث عن اجتماعات أمنية عقدها مسؤولون في البلدين مؤخرا للتوصل إلى اتفاق يقضي بالحد من الهجرة غير الشرعية المتفاقمة مع وصول عدد كبير من المصريين إلى إيطاليا، وهو ما يدفع إلى التنبؤ بأن تكون إعادة فتح قضية ريجيني ضمن أدوات ضغط على القاهرة لضبط الحدود مع ليبيا والتحرك لردع عمليات التهريب عبر السواحل الليبية.

وتوظف دوائر قريبة من الحكومة مسألة فتح ملفات مغلقة أو إعادة التطرق إلى قضية بعينها في توقيت يحمل حساسية سياسية على أنها تأتي ضمن نظرية المؤامرة، وأن المستهدف هو إرباك القاهرة على نحو أكبر وإرهاقها في تفاصيل وأزمات تشتتها عن الهدف الرئيسي أمامها في هذا التوقيت وهو إنجاز ملف الانتخابات وتخطي المطبات الاقتصادية التي قد تشكل خطراً يهدد استقرار الداخل.

وقال الباحث السياسي بشير عبدالفتاح إنه يرفض التفسيرات التآمرية للأحداث والتاريخ لكن يصعب إغفال أن المؤامرة إحدى أدوات السياسة الخارجية، وأن بعض الدول العربية تعرضت لمخططات للنيل من سيادتها واستنزاف مواردها، ولا يمكن القول إن هناك استهدافا لمصر لتدميرها أو إفشالها، لكن المستهدف هو استخدام أوراق ضغط عديدة لتحقيق مصالح قوى ومشاريع لا تتوافق مع الرؤى المصرية.

عبدالله السناوي: الارتكان بشكل عام إلى نظرية المؤامرة غير منطقي
عبدالله السناوي: الارتكان بشكل عام إلى نظرية المؤامرة غير منطقي

وأضاف عبدالفتاح في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة لديها مصالح لا تتماشى مع سياقات مقابلة تدور في إطارها الدول الغربية، وفتح ملفات جرت تسويتها مثل قضية ريجيني إلى جانب تسييس بعض القضايا ذات الارتباط بحقوق الإنسان وعدم المساواة بين الدول في تصعيد هذه الملفات يثير تساؤلات عديدة، وهذا لا ينفي أن بعض الملفات الخارجية لا تُدار بالشكل الأفضل ويشكل ذلك فرصة مواتية لابتزاز القاهرة.

ولفت إلى أن قضية الرشوة المثارة بمجلس الشيوخ الأميركي تحوي تفاصيل تشي بأنها تأتي ضمن مسارات الضغط على القاهرة، لأن ما حدث مع السيناتور مينينديز يتكرر مع آخرين ويتم غض الطرف عنه، وتوجيه لائحة لشخصيات مصرية بتقديم رشاوى ينطوي على تصعيد ضد القاهرة قد يأخذ مسارات مختلفة.

واستقال السيناتور الأميركي مينينديز مؤقتا من منصبه كرئيس للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في الوقت الذي يواجه فيه اتهامات بالرشوة، ويزعم ممثلو الادعاء في وزارة العدل بأنه وزوجته “قبلا مئات الآلاف من الدولارات مقابل مساعدات للحكومة المصرية”، ونفى الزوجان هذه الاتهامات.

وأوضح الكاتب الصحافي المصري عبدالله السناوي أن الارتكان بشكل عام إلى نظرية المؤامرة غير منطقي، والواضح أمام الجميع وجود تشوهات في العلاقة بين مصر والعديد من القوى الدولية، وفي القلب منها الولايات المتحدة.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن المشكلة تتمثل في عدم وجود مصارحة للداخل بالأزمات التي يتم فيها الزج باسم الدولة، وهي تشكل أخطارا حقيقية للأمن القومي المصري حال لم يتم التعامل معها بشكل حاسم، وأن المصدر الوحيد للمعلومات يبقى من خلال وسائل الإعلام الدولية، ما يترك انطباعات سلبية أكبر في الداخل.

ويرى السناوي أن إعادة طرح قضية ريجيني ترجع إلى أن الحكومة المصرية لم تغلق الملف بشكل كامل، وأن القاهرة وروما توافقتا في السابق على إرجاء الملف حتى لا تتعرض المصالح الاقتصادية لشركة إيني العاملة في مجال التنقيب عن الغاز للضرر، وأن الحكومة المصرية تركت الملف كالجرح المفتوح، كما أن قضية السيناتور الأميركي ليس من المتوقع حلها وقد تأخذ في التصعيد ضد مصر.

وأعلن النائب جريجوري ميكس العضو الديمقراطي البارز بلجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي الجمعة، أنه  طلب من وزارة الخارجية “تعليق” جزء من التمويل العسكري لمصر المرتبط بمعايير حقوق الإنسان.

وأضاف في بيان نشره على منصة إكس، تويتر سابقا “يحتاج الكونغرس إلى مزيد من التوضيح من وزارة الخارجية بشأن كيفية تناول المخاوف المتعلقة بمعاملة المعتقلين السياسيين، والصحافيين، فضلا عن سيادة القانون في علاقتنا الثنائية”.

2