مصر تُنذر المستثمرين بخفض دعم الصادرات

تُنذر الخطوة التي تعتزم القاهرة اتخاذها بإجبار الشركات المصدرة على زيادة المكون المحلي بدلا من خفض الدعم، بتقويض تنافسية المنتجات المصرية في الأسواق العالمية، خاصة مع عدم تأهيل السوق المحلية على توفير مستلزمات الإنتاج المستخدمة في التصنيع.
القاهرة- يرجح خبراء في قطاع الصناعة أن تفتح مساعي السلطات المصرية المتعلقة بتقليص الدعم الممنوح الشركات، جبهة مواجهة مع المستثمرين، في وقت تسعى فيه الشركات نحو استعادة توازنها بسبب تداعيات أزمة شح العملة الأجنبية على إنتاجها.
وما إن بدأ المستثمرون يجنون جانبا من ثمار استقرار أسعار الصرف وانتظام البنوك في توفير احتياجاتها من العملة الصعبة للإنتاج واسترداد خسائر الفترة الماضية، جاءت التصريحات الحكومية المفاجئة بشأن الإنذار بخفض دعم الصادرات.
وحسب تصريحات رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، فإن السلطات تريد ربط دعم الصادرات بزيادة نسبة المكون المحلي عبر خطة يتم التوافق عليها مع القطاع الصناعي، وتتضمن مضاعفة المكون المحلي كل عام، مقابل ذلك يستمر دعم أعباء الصادرات وربما يزيد.
وتتمثل أهم ملامح الخطة الجديدة في التمسك بنسبة مكون محلي ضعيفة، في تقليل دعم الصادرات بصورة كبيرة خلال 5 سنوات، ويشير ذلك إلى أن القاهرة تستهدف خلال الأعوام الخمسة المقبلة زيادة المكون المحلي والقيمة المضافة للصناعة بشكل كبير.
وشهدت الفترة الماضية وجود صناعات لا يتجاوز المكون المحلي فيها نحو 40 في المئة، وتتلقى مقابل ذلك دعم الصادرات ورد أعبائها، واستمرار هذه النسبة يدل على عدم تطور الصناعة المصرية، وأنها لا تمثل قيمة مضافة للاقتصاد.
ويطرح ذلك تساؤلات عديدة، منها الدور الحكومي في تعميق الصناعة والنهوض بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، الذي يغذي الصناعات الكبرى، وحجم التطور في الإستراتيجية الوطنية للتنمية الصناعية التي أطلقتها الدولة منذ حوالي عامين ولم تحرز تقدما ملحوظا حاليا.
وقال الخبير المالي عادل سلامة لـ”العرب”، إن “خطة الحكومة تبدو غير منطقية، لأن ثمة مستلزمات إنتاج أساسية في مختلف الصناعات مثل التعبئة والتغليف تعتمد مدخلاتها على الاستيراد من الخارج”.
وأضاف سلامة، وهو مدير التصدير في شركة الجوهرة للصناعات الغذائية، إن “زيادة المكون المحلي تتطلب تعميق الصناعة عبر خامات عديدة من الإنتاج، وذلك ليس يسيرا لغياب المستلزمات اللازمة والخبرات والتكنولوجيا المستخدمة”.
وأوضح أنه حال لجوء الحكومة إلى خفض الدعم سنشهد تراجعا في الصادرات مع إحجام بعض الشركات ودخولها في صدام مع الحكومة، حيث يتسبب ذلك في عدم تنافسية المنتجات المحلية، فالشركات لا تضع حصيلة الدعم في خزائنها بل لأجل أن تنافس خارجيا.
وتمنح دول مثل تركيا خامات بعض المنتجات للشركات في قطاع الأغذية بسعر التكلفة مقابل زيادة الصادرات، ومن ثم تُنتج بتكاليف منخفضة، ما يجعل سعر البيع في الأسواق العالمية منافسا وجاذبا للعديد من الأسواق.
وتتطلب وفرة مستلزمات الإنتاج للصناعات المختلفة محفزات للمستثمرين، على غرار حوافز المصدرين المتبعة حاليا، فالتوسع في التصنيع المحلي لمكونات الإنتاج المستوردة يوفر فرصا للعمل، ويرفع معدلات الاستثمار، بجانب توفير العملة الصعبة وتقليل الاستيراد.
قانون تفضيل المنتج المحلي غير مفعل في الجهات الحكومية، والدولة تستورد بعض المنتجات تقليلا للإنفاق
ويصعب إهمال دعم الصادرات، لأن تشجيع المنتج المحلي يتم عند التصدير للخارج، كون ذلك يجلب العملة الأجنبية، لكن لا يتم تشجيع نفس المنتج عند التوسع في تصنيعه محليا بغرض البيع داخل البلاد، رغم أنه يمثل خفضا للطلب على العملة الصعبة.
ويرى خبراء أن ثمة معوقات في الاستثمار بمستلزمات الإنتاج، منها أنه توجد بعض مكونات وخامات الإنتاج التعريفة الجمركية لها أقل كلفة من تصنيع المنتجات التامة، ولذلك يفضل المصنعون استيرادها بدلا من تصنيعها.
ويستوجب تشجيع أي صناعة أو مستلزمات إنتاج وجود ميزة تفضيلية في التكلفة، وهذا يتطلب تشكيل لجنة لإعداد دراسة مستفيضة لكل تلك المستلزمات بمختلف الصناعات، وتستند تلك الدراسة على التكلفة فيما يخص التعريفة الجمركية.
وتكمن الأهمية في أن التصدير يتطلب وجود مكونات إنتاج رخيصة نسبيا، كما أن إعداد الدراسة بشكل علمي مدروس يشجع على تصنيع مستلزمات الإنتاج، لأنها ستكون مجدية وذات عائد للمستثمر، وتجذب العديد من المصانع الصغيرة لإنتاجها.
ومن الصعوبة تجاهل أن دخول مستلزمات إنتاج مستوردة في المنتج المحلي، يتطلب تكنولوجيا عالية في عدد من المنتجات، ما يؤدي إلى ارتفاع التكلفة على المستثمر، والذي قد يضطر إلى تصنيعها وهو مشروع استثماري جديد يجب أن تحفزه الدولة.
ووفق تقديرات البعض من المحللين، فإن أهم الحوافز تتمثل في قيام الحكومة بشراء ذلك المنتج أولا بميزة تفضيلية، فقانون تفضيل المنتج المحلي غير مفعل في الجهات الحكومية، والحكومة تلجأ إلى المنتج المستورد في بعض المنتجات تقليلا للإنفاق.
وأوضح أمين عام شعبة المصدرين بالغرفة التجارية للقاهرة أحمد زكي أن اتجاه الحكومة لربط دعم الصادرات بزيادة المكون المحلي، يعكس رؤية مستقبلية لزيادة خطوط الإنتاج والاعتماد على المصانع المصرية في سد الاحتياجات من المستلزمات والمواد الخام.
ولفت لـ”العرب” إلى أن الخطوة المرتقبة تعزز اهتمام الحكومة بملف التصدير ووضعه في مقدمة أولوياتها، ما يتطلب تشجيع رجال الأعمال لتأسيس مصانع جديدة لخدمة أنشتطهم بالاعتماد على المنتجات المحلية الجديدة المتوقع توفيرها لسد عجز واحتياجات المصانع.
وحال نجحت الحكومة في إقناع المستثمرين بتدشين مصانع جديدة سوف يترتب عن ذلك تخفيف الاعتماد على العملة الصعبة وتحجيم الاستيراد، ومن ثم تقليص العجز في الميزان التجاري المصري، لأن الصادرات ستتفوق على الواردات.
وطالب زكي بإتاحة محفزات جديدة للاستثمار، تتضمن حوافز ضريبية للصناع الراغبين في إضافة خطوط إنتاج جديدة أو إنتاج منتج يغنيه عن الاستيراد، وتطوير خطة التسويق للمنتجات ودراسة الأسواق بدقة للنهوض بالصناعة المصرية، لأجل زيادة الإنتاج ونمو الصادرات.
وتبدو السلطات أمام حتمية الاستمرار في تحفيز المستثمرين على زيادة المكون المحلي، حيث يساعد على حل المشاكل، التي تعترضهم مع اتفاقية دول السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (كوميسا).
وتشترط الاتفاقية أن تكون نسبة المنتج المحلي نحو 75 في المئة على الأقل، مما يؤدي إلى زيادة الصادرات لدول الاتحاد الأفريقي وتفعيل شروط الاتفاقيات.
وناشد خبراء في قطاع المصدرين، حال الاعتماد على المنتج المحلى، أن يتم تصنيعه بإتقان وعدم الإضرار بمستوى الجودة، وتشجيع المصانع التي تنتج الخامات على تحسين الجودة وأن تصبح الأسعار تنافسية وبتكلفة أقل من المستوردة لتزيد المنافسة.